صـوت جيل جديد.. الروائى الكويتى عبدالله الحسينى: الكتابة لدىَّ مسألة حياة أو موت
- صغت روايتى الأولى وأنا ابن السابعة عشرة لمجرد الرغبة فى الكتابة
العبقرية لا تتوقف على سن معينة، هذه قاعدة أصيلة نراها تتجلى فى الروائى الكويتى الشاب عبدالله الحسينى، ابن الـ24 عامًا، الذى حققت كتابته رغم صِغر سنه نجاحات كبيرة، كان آخرها حصول روايته «باقى الوشم»، على جائزة «غسان كنفانى» للرواية العربية لعام 2024.
ويمتلك «الحسينى» ذكاءً روائيًا يحسد عليه، إذ يناقش فى تلك الرواية موضوعًا حساسًا للغاية يتعلق بمجتمعات «البدون» فى الكويت، صانعًا سياقًا دراميًا وروائيًا مختلفًا، مع لغة أدبية مختزلة ورشيقة.
عن روايته المتوجة، ورؤيته للكتابة والواقع الثقافى، أجرت «حرف» الحوار التالى مع عبدالله الحسينى.
■ فازت روايتك «باقى الوشم» بجائزة «غسان كنفانى» للرواية لعام ٢٠٢٤.. كيف تشعر حيال فوزها بجائزة مرموقة كهذه؟
- أسعدنى الأمر. كتبت النص بشروط النص نفسه. لم أفكر وقت كتابة الرواية بجائزة ولا بكيفية تلقى القارئ لها. ظننت حظها فى القراءة سيكون قليلًا لإيغالها فى خصوصيتها ومحليتها. كان همّى كله أن أكون أمينًا مع النص. ولكن ها هو ظنى خاطئ كما يبدو لى الآن. وأكثر ما أسعدنى أن يرتبط اسم الرواية باسم «غسان كنفانى». يمثّل هذا قيمة رمزية لى ولشخوصِ الرواية تحديدًا.
■ ما الذى تمثله لك شخصية «حمضة» التى تشبه كثيرًا بقية الجدات؟
- «حمضة السَّحَّاب» شخصية تعنى لى الكثير. تملكتنى وأنا أفكر فيها قبل الكتابة ثم أثناء الكتابة وحتى بعد الانتهاء منها. كلما سمعت أحدًا، حتى من الذين لم يحبوا الرواية، يقول كيف لا أحبّها وهى تذكّرنى بجدة أو قريبة، وهى تلويحة لجدتى فى الأصل ولجموع من رفيقاتها، قبل أن تصير شخصية فى رواية، يحكمها سياق وحدث. وأظنها تشبه كثيرًا من الجدات، أو على الأقل أولئك اللاتى عشن بين زمنين متغيّرين على نحو متسارع.
■ عمرك نحو ٢٤ عامًا ومسيراتك المهنية تتضمن روايتين، وكلتاهما فازت بجوائز قيّمة، كيف طورت موهبتك الأدبية خلال هذه الفترة القصيرة؟
- لا أدرى كيف ينبغى لى أن أحكم على نفسى. لكنى كتبت كثيرًا وقرأت أكثر. أخطأت كثيرًا ولا أزال أخطئ. حضرت ورش كتابة. مزقت مسودات كثيرة ولا أزال. جربت كتابة روايات غير مكتملة وقصصًا قصيرة وقصائد ولا أزال. وطيلة سنواتى الأربع والعشرين لم أحاول تعلم شىء، بحساسية وإتقان، غير الكتابة. أتعامل معها بجدية، كما لو كانت مسألة حياة أو موت.
■ بما أنك فزت بجائزة غسان كنفانى.. هل كان لأدب الكاتب الراحل والأدب الفلسطينى بشكل عام تأثير عليك؟
- قرأت «كنفانى» وأنا ابن السادسة عشرة. أدهشنى منذ أول مرة، بقدرته على التكثيف، وجرأته فى كتابة روايات لا تتجاوز الـ١٠٠ صفحة تتضمّن الكثير فى القليل المكتوب. ليس ذلك فحسب، بل كنت معجبًا بالفرضيات الفنية التى تدور حولها نصوصه، والتى من خلالها يشرِّح وجوهًا أخرى من النكبة. والأدب الفلسطينى عامة قرأت منه كثيرًا، ربما هو من أول الآداب التى قرأتها خارج محيطى، ولا أزال أقرأ فيه.
■ كيف تعكس الرواية الهوية الكويتية والتاريخ الاجتماعى والثقافى للبلاد؟
- تتناول «باقى الوشم» حياة عائلة من عديمى الجنسية، الكويتيين «البدون». نرى تفاصيل يومية من حياتهم. هذه التفاصيل تختزل فى طياتها، كما أتصور تاريخًا اجتماعيًا وثقافيًا وخطابات التهميش والإقصاء.
■ كيف ترى دور الأدب فى مقاومة الظلم الاجتماعى والسياسى؟
- هو يقاوم عبر قول الحقيقة.
■ ما المشهد أو الفصل الأقرب إلى قلبك فى «باقى الوشم»؟ ولماذا؟
- أذكر الآن مشهدًا لـ«خليف»، وهو يراقب العمّال يركّبون قطع «الشينكو» فى البيت. كان قد قدم تنازلًا يراه كبيرًا. إذ كان يحاول الحفاظ، ولو بقدر ضئيل، على مساحةٍ جمالية إرضاءً لذاته.
كذلك مشهد صغير تزور فيه «أم شروق» بيت العائلة، وتطرأ عليها مع الأم ذكرياتهما القديمة، مع إسقاط على واقعهما الحالى. ورغم أن ظهور «أم شروق» لم يستغرق غير ٤ صفحات، لكنها كشفت عن وجه آخر لشخصية الأم، منها اسم الأم، الذى لم يذكر غير فى هذه اللحظة، لسببٍ ما أدع اكتشافه للقارئ. هذا مشهد أحبّه.
■ فازت روايتك الأولى «لو تغمض عينيك» بجائزة «ليلى العثمان».. متى كتبت الرواية؟ وكيف ترشحت بها للجائزة؟
- انتهيت من كتابة «لو تغمض عينيك» وأنا ابن السابعة عشرة، ثم أرسلت المخطوط إلى الكاتبة القديرة ليلى العثمان، فأبدت إعجابها بها وأحبتها، ورشّحتها للراحل إسماعيل فهد إسماعيل كى يكتب مقدمتها، وكانت تتابع الرواية باهتمام حتى صدورها، وحين صدرت اختارتها لتتوج بجائزتها فى دورتها السابعة. هى و«إسماعيل» كانا أول من قدمانى إلى الساحة الأدبية.
■ الرواية تستكشف الصراعات الداخلية والخارجية لشخصياتها فى قضايا كبرى مثل الهوية والانتماء، وتحقيق الذات وسط صراعات المجتمع المعاصر.. كيف توغلت إلى عوالم النفس البشرية بهذا العمق فى هذه السن الصغيرة؟
- كانت الرواية الأولى تجربة أساسية لى كما أقيِّم الأمر الآن، فلولاها لما استطعت بعدها أن أنظر إلى فن الرواية بوعى أكبر. لا أعرف ما إذا نجحت فيما ذكرتِه أم لا. لكن الأمر كان مجرد رغبة فى الكتابة.
لا أظن أن قراءاتى أو نظرتى للأمور كانت متفحصة وعميقة إلى هذا الحدّ، لكنّ الحكاية اتسعت، خرجت من سلطتى، ودخلت مناطق ما ظننت أنها ستلحّ على بهذا القدر. وبغض النظر عن النتيجة النهائية للرواية، تركت لدى تساؤلات ما زالت تطاردنى حتى اليوم، عن الهوية وأدوارنا فى المجتمع، وما إلى ذلك.
■ ما التحديات التى واجهتها أثناء كتابة روايتك الأولى؟ وكيف تغلبت عليها؟
- كنت فى السنة النهائية بالثانوية العامة حين بدأت كتابتها، لكن ذلك لم يؤثر علىّ إطلاقًا. فى جانب آخر ربما كنت متخوفًا من ألا أؤخذ بجدية.
■ ما الذى تعلمته من تجربتك الأولى فى الكتابة والنشر؟
- التريث، وترك المسودة الأولى لأشهر، حتى أكاد أنسى أنى من كتب العمل، قبل العودة إلى تحريره، ومراجعة المخطوط ١٠٠٠ مرة قبل نشره.
■ ما رأيك فى مشهد الأدب الكويتى المعاصر؟
- إذا شئنا الحديث عن الرواية فهو جميل، وله حضوره عربيًا، وأدب له أسئلته وابن مكانه.
■ الرقابة الأدبية مشكلة تواجه الكتاب فى أغلب الدول العربية.. هل تنوى كتابة أعمال تتفق مع وجهة النظر الرقابية حتى تتجنب منعها، لو فى البداية على الأقل؟
- لا أكتب سوى ما أؤمن به وما يحتاجه النص، وإذا ما تسلل التفكير بالرقيب أو أى مؤثر خارجى أثناء الكتابة، لن أكون أمينًا وقتها مع النص، وبالتالى سيفقد مصداقيته عندى قبل القارئ.
■ هل كان للأدب الكويتى تأثير على كتاباتك؟ ومن كُتابك المفضلون داخل وخارج الكويت؟
- الأدب الكويتى ركيز وأساسى بلا شك. أدعى أننى قرأت جزءًا كبيرًا مما كتب فيه. قرأت أدب إسماعيل فهد إسماعيل، وليلى العثمان، وبثينة العيسى، وسعود السنعوسى، وعبدالله البصيص، وعبدالوهاب الحمادى، وباسمة العنزى، واستبرق أحمد، ومنى الشمرى، وناصر الظفيرى، وخالد النصرالله، وغيرهم الكثير. من الخارج، لنكتفِى بالعرب والأحياء، حتى لا تطول الإجابة، أحب المشروع السردى للكاتب المصرى طارق إمام، والكاتبة العمانية بشرى خلفان، إلى جانب أعمال سنان أنطون وجوخة الحارثى وياسر عبداللطيف وأمل الفاران ورينيه الحايك ومحسن الرمـــلى وزهــران القـاســـمى وحمور ز يادة.. هذه الأسماء هى من يحضرنى الآن.