الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

فقه الخربشة.. سام أوستن مؤلف أول رواية بـ«النونوة»: «استشرت قططَا ضالة فى كتابتها»

سام أوستن
سام أوستن

- ناقشت أعمال بوشكين مع قط «سرفال» إفريقى فأمدنى بأفكار عديدة

- ترجمت «الحرب والسلام» إلى «لغة المواء» لتعريف القطط بنقاط ضعف الإنسان

- سأكتفى بالقطط ولن أجرب مع حيوانات أخرى.. الكلاب لن تقرأ أبدًا

قبل نحو شهر، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى منشور حول قيام أمريكى يدعى سام أوستن، يُعرف نفسه بأنه «أستاذ لغويات وعلم نفس القطط»، بترجمة سلسلة كتب وروايات من كلاسيكيات الأدب العالمى، مثل «هكذا تكلم زرادشت» و«الحرب والسلام» و«الجريمة والعقاب»، بلغة القطط المسماة «المواء».

«ترجمة» هذه الكلاسيكيات إلى «لغة القطط»، وفقًا لما بينته نماذج من صفحات كتب «أوستن»، عبارة عن مئات الصفحات مكونة من تكرار كلمة واحدة فقط هى «Meow» أو «مياو» بالعربية.

ولم يكتف «أوستن» بذلك، بل ألف رواية كاملة باسم «Meow»، بنفس الطريقة سالفة الذكر، إلى جانب تقديمه «بودكاست» على إحدى المنصات الشهيرة، عبارة عن 14 ساعة كاملة من «النونوة»، إن صح التعبير.

قد يبدو أن الأمر مجرد مزحة، لكن الحقيقة أن سام أوستن هو لغوى معتمد يُدرس بالفعل لغة القطط، وسبق أن كان أستاذًا فى «علم نفس القطط» بجامعة «جولدن ستيت» الطبية، ويبدو لما فعله حيثيات معينة، يكشفها لنا فى حواره التالى مع «حرف».

■ تصف نفسك بأنك عالم فى «لغويات أو لسانيات القطط».. هل هناك بالفعل علم بهذا الاسم؟ وهل المقصود هنا القطط المنزلية العادية أم أيضًا النمور والفهود والأسود؟

- أنا رائد فى «لسانيات القطط»، العلم الذى بدأ يؤخذ على محمل الجد فى الوسط الأكاديمى الأمريكى. كنت قد حصلت بالأساس على شهادة فى مجال الإرشاد النفسى للبشر، وأثناء ممارستى هذه المهنة بدأت أدرك أن السلوك البشرى وسلوكيات القطط متقاربة جدًا. 

أدى التقدم التكنولوجى فى العقد الماضى، بالإضافة إلى التفكك الاجتماعى المتزايد، وانحدار المعايير التعليمية، إلى تغيير الطريقة التى ننقل بها المعلومات ونعالجها، فالتواصل البشرى والمعايير السلوكية أصبحت أقل دقة وأكثر اعتمادًا على السياق والمعاملات. لهذا فإن فهم القطط، خاصة القطط المنزلية، هو المفتاح لفهم الإنسان المعاصر.

فى حالات الطوارئ، أو إذا استمر النظام الاجتماعى القائم فى التدهور، فإن القطط البرية، التى ذكرتها للتو، هى التى ستوفر أفضل نموذج تنبؤى لسلوكيات الإنسان. فمن المعروف أن القطط المنزلية تعود سريعًا إلى حالة شبه برية، عندما لا تتوفر العناية المنزلية. 

■ فى حضارتنا المصرية القديمة كان القط إلهًا باسم «باستت»، وشُيّدت له المعابد.. هل درست «القط المصرى»؟

- أنا على دراية بـ«باستت» والتقاليد المصرية القديمة المتعلقة بالقطط، وأسعدنى الحظ مؤخرًا بفرصة دراسة توابيت القطط فى المتحف البريطانى. لقد تأثرت بالهوية التى تعكسها زخارفها البسيطة والأنيقة، خاصة عيونها الكبيرة والمعبرة. عندما أسافر إلى الخارج، وكان آخرها إلى اليونان ومقدونيا الشمالية، يبهرنى مدى بقاء التقاليد المصرية. قطط الشوارع هناك تحظى باحترام شديد، وتحترم البشر بالمثل. بينما هذا النوع من التبادل النشط نادر فى الولايات المتحدة، حيث لا يوجد سوى الكلاب الضالة. 

■ ألفت ٤ كتب للقطط كلها مكتوبة بكلمة واحدة «مواء».. كيف جاءتك الفكرة؟ ولأى غرض نفذتها؟

- ألفت كتاب «مياو: رواية» أثناء إقامتى فى قبرص، التى يقال إنها موطن أول قطط منزلية، فآثار القطط هناك ثبت بالتأريخ الكربونى أنها تعود لعام ٧٥٠٠ قبل الميلاد. كما ثبت أيضًا أن عدد القطط حينها فاق عدد البشر بفارق كبير. لذا كان منطقيًا أن أؤلف كتابًا يجذب القطط وأصحابها على حدٍ سواء. هكذا يمكن نشر الكتاب بين هذه الفئة دون الحاجة إلى الترجمة. 

بعد نجاح هذا الكتاب، بدأت تأتينى اقتراحات لترجمة الكتب الكلاسيكية إلى «لغة القطط»، وهو ما استجبت له بالفعل، بداية من ترجمة كتاب «هكذا تكلم زرادشت» خاصة أن «الزرادشتيون» يحتقرون القطط، فأردت منحهم التقدير من خلال الرؤية النيتشوية لتعاليم «زرادشت»، مرورًا بروايتى «الحرب والسلام» و«الجريمة والعقاب»، اللتين تعرفان القطط بأمور الجنس البشرى، وانتصارات الإنسان ونقاط ضعفه. 

■ كتب البعض مراجعات لكتبك هذه بـ«المواء» أيضًا، وهناك من استمع إلى ١٤ ساعة تقريبًا من «المواء» على برنامجك لـ«البودكاست»، هل توقعت أن يكون الأمر مثيرًا للاهتمام لهذه الدرجة؟

- تعمل لغة «المواء» على إحياء الكلاسيكيات الأدبية المعرضة لخطر الضياع أمام الجهل المتزايد وضحالة حضارتنا المعاصرة. حتى أولئك الذين لا يعرفون طبيعة المادة الاصلية، أى النص الكلاسيكى الأصلى، سيعرفون أن هناك شيئًا مهمًا جدًا يُقال. من المعروف أن «المواء» يؤدى إلى حالة نشوة تشبه «الغفوة»، وفيها يتم استيعاب جوهر موضوع «المواء» والاحتفاظ به دون وعى. القطط تعرف هذا منذ آلاف السنين. لهذا نجحوا فى تحقيق هذا التطور الهائل. 

■ «الحرب والسلام لقطتك».. هل هو بالفعل ترجمة للرواية الشهيرة لكن بلغة القطط؟ وإذا قرأته لقطتك، كيف ستعرف أنها فهمت الرواية؟

- «الحرب والسلام لقطتك» على الأقل هو ترجمة أمينة للرواية الأصلية، تمامًا كترجمة كونستانس جارنيت الإنجليزية للرواية عام ١٩٠٣. عند الانتهاء، تبدأ معظم القطط فى إدراك عدم جدوى معظم المساعى البشرية.

وفى رواية «الجريمة والعقاب»، يقدّرون مدى استطاعتنا احتمال المعاناة والسعى إلى الخلاص. وكما صار البشر أكثر شبهًا بالقطط فى سلوكياتها وأساليب تواصلها، يجب على القطط أيضًا أن تصبح أكثر شبهًا بالإنسان من حيث قدرته على التعاطف. وأنا أحاول خلق التوازن بين أنواع هذه الكتب، وكذلك يبدو أن المراجعات تشير إلى بعض النجاح فى هذا الصدد.

■ هل سيجئ يومًا و«تملى عليك» القطط قصة بـ«المواء»، وتكتبها أنت بلغة البشر، لتكون أول قطة تؤلف قصة للبشر؟!

- أعمل حاليًا على دراسة سلوك وأنماط صوت قطط «السرفال» الإفريقية، وهى نوع من القطط البرية شديدة الذكاء، التى أصبحت حيوانًا منزليًا مشهورًا إلى حد ما فى روسيا. ناقشت أعمال ألكسندر بوشكين مع قط «سرفال» بالفعل، فأثارت أفكارًا قد تتشكل فى رسالة من نوع ما.

■ وماذا عن تجربتك كأستاذ لعلم نفس القطط؟

- لقد قادنى فك رموز سلوك القطط إلى تحديد الأخطاء المتسلسلة فى النماذج النفسية الفرويدية واليونجية القياسية. القطة، وبالتالى الإنسان الحديث، هى مخلوق من اللاوعى اللاكان، أو ما يعرف بـ«نظرية جيكوبس لاكان».

■ كيف ترى تأثير كتبك على فهم الناس عالم القطط؟

- «أجاب السيد سام عن هذا السؤال أولًا بالمواء.. ٤ أسطر كاملة بالمواء»، قبل أن يقول: مكتبة «المواء»، وهى مكتبة تشتمل على كل كتب «المواء» وبرنامج «البودكاست»، أحدثت تحولًا جذريًا فى علاقتنا باللغة، لتتجاوز التحليل العقلانى، وتتفاعل مع الدماغ التلقائية والانعكاسية. القراء لن يفهموا لغة القطط، بل سيتحولون إلى قطط. لكنى أعتقد أن الإجابة بـ«المواء» أفضل وأكثر تأثيرًا فى الروح، إذا أضفناها لهذه المقابلة.

■ هل هناك اكتشافات مثيرة توصلت إليها أثناء دراستك لتواصل القطط؟

- اكتشفت أن هناك فرضيتين ضروريتين للتواصل مع القطط: الإشباع الدلالى والترغيب. الإشباع الدلالى، هو تكرار كلمة أو عبارة حتى الوصول إلى النقطة التى تُجرّد فيها من المعنى، وهذه هى مقدمة الترغيب، حيث تتجاوز الكلمة أو العبارة الملغاة، المراكز المنطقية فى الدماغ، ليتم تفسيرها كنوع من الموسيقى، ما يؤثر بشكل مباشر على المتلقى وحالته الجسدية. يمكن أن يكون الاستغراق فى سماع «المواء» شكلًا من أشكال التنويم المغناطيسى، وهذا جزء من السبب وراء شهرة الكتاب الصوتى الذى تبلغ مدته ١٤.٥ ساعة.

■ هل ترى إمكانيات لتوسيع نطاق أعمالك لتشمل أنواعًا أخرى من الحيوانات؟

- لا، الكلاب لن تقرأ أبدًا.

■ هل كان لديك قطط أثناء كتابة كُتبك؟

- أنا أؤمن بالفطنة الطاغية للقطط. لقد ألفت الكتب خلال إقامتى فى قبرص، حيث تمكنت من استشارة عدد من القطط الضالة فى المسائل اللغوية.