الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

22 ساعة مع البركان الثائر.. رشاد كامل: اتهمت يوسف إدريس بالاقتباس فأهدانى 10 حوارات وكتابًا

حرف

- تولى رئاسة تحرير «الجمهورية» 3 أيام فقط لرغبته فى نشر مقالاته دون تعديل

- قلت له قصصك مقتبسة من أنطون تشيخوف فقال لى: «تعالى لى ياواد فورًا»

- رفض الاطلاع على ما كتبته قبل النشر.. والقذافى تسبب فى تأخر نشر الحوار الأول

هو واحد من أبناء مجلة «صباح الخير» فى عصرها الذهبى رئيس تحريرها الأسبق. صاحب الكثير من «الخبطات الصحفية» واللقاءات والحوارات مع مشاهير الثقافة والفن والإبداع المصرى بصفة عامة، وهى الموضوعات التى صارت فيما بعد نواة لكتبه التى وثقت الكثير من الأحداث فى تاريخ مصر.

من بين هذه اللقاءات ما مجموعه 22 ساعة كاملة من الحديث مع ملك القصة القصيرة و«تشيخوف العرب»، الكاتب الكبير يوسف إدريس، الذى حكى له كل ما مر به فى حياته، وكشف له عن علاقاته مع الصحافة والقصة القصيرة والمسرح وغيرها الكثير.

إنه الكاتب الصحفى والمؤرخ رشاد كامل، الذى خط تفاصيل هذه الساعات القيمة فى كتابه «ذكريات يوسف إدريس»، الصادر عن دار نشر المركز المصرى للطباعة والنشر، الذى يدور حوله -إلى جانب موضوعات أخرى- حوار «حرف» التالى مع الكاتب الكبير.

■ متى بدأت علاقتك بالكاتب الكبير يوسف إدريس؟ 

- فى الحقيقة علاقتى بالدكتور يوسف إدريس جاءت عن طريق صدفة بحتة، بدأت بقراءتى حوارًا فى مجلة «الهلال» الشهرية مع الدكتور عبدالحميد القط، قال فيه إن له كتابًا يؤكد أن «إدريس» اقتبس معظم قصصه القصيرة من الكاتب الروسى الكبير أنطون تشيخوف، وهو اتهام فظيع جدًا جدًا.

بادرت وقتها بشراء نسخة من الكتاب الذى تحدث عنه الدكتور عبدالحميد القط، وحرصت على قراءته كاملًا، بما فيه الفصول التى يقول فيها إن يوسف إدريس اقتبس قصصه من «تشيخوف». فكرت بعدها فى إمكانية تلخيص الكتاب، ونشره على صفحات مجلة «صباح الخير»، فوجدت أن الأمر لن يكون لطيفًا، خاصة مع قامة مثل يوسف إدريس، ومن هنا قررت الاتصال به وعرض الأمر عليه.

يوسف إدريس مع زملاءه

■ هل سارت الأمور كما تتمنى؟

- فى الحقيقة لا، ففى البداية حين رفعت سماعة الهاتف وطلبت رقم يوسف إدريس، بمجرد أن سمع صوتى واسمى بادر بقفل السكة فى وجهى، ولم يعرنى أى انتباه، لكننى لم أسكت، وقررت الاتصال به مرة أخرى، وبالفعل رفعت سماعة الهاتف وطلبت رقمه، وفى هذه المرة استمع إلىّ. 

قلت له إننى قرأت كتابًا للدكتور عبدالحميد القط اسمه كذا وكذا، يتهمك فيه باقتباس قصصك من الكاتب الروسى أنطون تشيخوف، وقبل أن أنشر ملخصًا للكتاب أحب أن أعرف رأيك فيما جاء فيه.

قال لى يوسف إدريس: «تعال لى يا واد فورًا»، فقمت مسرعًا وذهبت إليه، ثم بدأت فى إجراء حوار خاص معه، رد فيه بكل شجاعة على ما قاله الدكتور عبدالحميد القط، وفند كلامه بالكامل، ومن هنا كانت بداية علاقتى بالكاتب الكبير. 

■ كيف جاءت سلسلة حواراتك الأخرى معه؟

- الحوار الأول الذى أجريته بسبب كتاب الدكتور عبدالحميد القط استمر لمدة ساعتين ونصف الساعة، ويوسف إدريس نفسه أحب أن نستكمل سلسلة من الحوارات الأخرى عن كل شىء، ومن هنا جاءت باقى حواراتى معه تباعًا. كنا حينها فى رمضان، فاتفقنا على أن أذهب إليه كل يوم خلال الشهر المعظم، وهو ما حدث بالضبط، لأسجل وقتها ٢٢ ساعة كاملة مع يوسف إدريس، تحدث فيها عن كل شىء، حتى نهاية شهر رمضان.

■ متى نشرت هذه الحوارات؟

- حدث أمر غريب فى ذلك الوقت، أدى إلى تأجيل نشر الحوار الأول، وهو أن الدكتور يوسف إدريس سافر إلى ليبيا للعمل مع «القذافى»، فأصبح «مغضوبًا عليه سياسيًا»، هو والعديد من الأدباء الآخرين، لذا كان من الطبيعى أن يتأخر نشر الحوار لفترة من الزمن. نُشر الحوار الأول فيما بعد، وقوبل بحفاوة شديدة من قبل رئيس تحرير «صباح الخير» آنذاك، لويس جريس، قبل أن أنشر بقية الحوارات على مدى أسابيع طويلة من شتاء ١٩٨٤، وصيف ١٩٨٥.

■ ما تعليق يوسف إدريس على هذه الحوارات؟

- كان هناك شىء جميل جدًا فى شخصية الدكتور يوسف إدريس، أو ربما ثقة كاملة منه فى شخصى، فبعد كل حوار أكتبه، كنت أتواصل معه وأطلب منه أن يقرأ الحوار قبل النشر، حتى أغير أو أحذف ما لا يراه مناسبًا، لكنه كان يرفض ذلك بشكل قاطع، ويخبرنى بأنه واثق تمامًا فى كل حرف أكتبه، وأننى أمين.

كان يقدر بشدة ما فعلته، حين حرصت على التواصل معه قبل أن أنشر ملخصى لكتاب الدكتور عبدالحميد القط، ولم أسع إلى الهجوم عليه كما يمكن أن يفعل صحفيون آخرون، وهو الموقف الذى حظى بإعجابه.

لذا رغم أنه من المعروف عن يوسف إدريس غضبه وعدم صبره، وافق على إجراء هذا العدد من الحوارات معى فى شهر واحد، لشعوره بأننى محترم جدًا معه، وأنه كان يمكننى أن أنشر فصول كتاب الدكتور عبدالحميد القط التى يهاجمه فيها، لكننى لم أفعل ذلك، وإنما تواصلت معه لمعرفة رأيه ورده قبل النشر، خاصة أن الكتاب لو قرأه ٥٠٠ شخص، فإن المجلة يقرأها الآلاف.

■ كيف جاءت فكرة نشر كتاب «ذكريات يوسف إدريس» إذن؟

- نشرت حواراتى مع يوسف إدريس، خلال عامى ١٩٨٥ و١٩٨٦، فى ١٠ حلقات كاملة، حمل كل منها عنوانًا مختلفًا يتعلق بتوجه عند الدكتور يوسف إدريس، فهناك مثلًا حلقة بعنوان «يوسف إدريس والصحافة»، وثانية عن «يوسف إدريس والقصة القصيرة»، وثالثة عن «يوسف إدريس والمسرح»، ورابعة عن «يوسف إدريس والمرأة»، وهكذا حتى انتهت الحلقات العشر.

فى هذا الوقت تحمس لنشر الحلقات العشر فى كتاب الزميل والصديق الجميل محمد بغدادى، فبدأت فى جمع الحلقات وتوضيبها، ونشرها «بغدادى» بالفعل فى كتاب صدر عن المركز المصرى للطباعة والنشر، بالتزامن مع كتب كثيرة ذات قيمة كبيرة، بعضها للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.

وحدثت مصادفة غريبة جدًا وقت صدور الكتاب، فبعدما صدر الكتاب فى أول أغسطس من عام ١٩٩١، كان هذا اليوم الذى أعلنت فيه المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية وفاة «تشيخوف العرب» الدكتور يوسف إدريس فى الخارج، فلم ير الكتاب أو يعقب عليه.

■ ما الشىء الذى لفت انتباهك وأثار تعجبك خلال حواراتك مع يوسف إدريس؟

- الكثير من الأمور فى الحقيقة، لكن هناك أمرًا أسر لى به الدكتور يوسف إدريس، وهو توليه رئاسة تحرير جريدة «الجمهورية» لمدة ٣ أيام فقط. بعد تعيين كمال الحناوى رئيسًا لمجلس إدارة الجريدة، عين «إدريس» رئيسًا للتحرير، بشرط عدم كتابة اسمه على «الترويسة».

قبِل يوسف إدريس العرض، ومارس رئاسة تحرير «الجمهورية» بالفعل فى ذلك الوقت، لمدة ٣ أيام فقط، حتى اعترض وفد كبير من صحفيى الجريدة، الذين توجهوا إلى الرئيس جمال عبدالناصر، وأخبروه بأن «كمال الحناوى سلم الجمهورية إلى يوسف إدريس».

ما لم يكن يعرفونه أن يوسف إدريس قَبِل بمنصب رئيس التحرير لهدف واحد فقط، هو أنه كان يريد نشر مقالاته دون أن تمر على أحد ليراجعها، خاصة أنه عانى الأمرين من قبل فى تغيير بعض الفقرات، بل والتعديل على الأعمدة، حتى إنه كان يتم تغيير شكل المقال بالكامل، فيُفهَم منه عكس ما كان يريد قوله.

■ من خلال لقاءاتك الطويلة معه.. ما أسعد لحظة فى حياة يوسف إدريس؟

- هناك الكثير من اللحظات السعيدة بالطبع، لكنه أخبرنى مثلًا أنه بعد صدور مجموعته القصصية الأولى «أرخص ليالى» عام ١٩٥٤، كتب عنه كل نقاد مصر تقريبًا، وكذلك كل رؤساء التحرير. الجميع كتبوا عنه ضمن ضجة هائلة جعلت النقاد يبحثون عن هذا الكاتب الجديد.

هذه الضجة هى التى جعلت الدكتور طه حسين يقرأ ما كتبه يوسف إدريس، بعد أن أعجبته القصص، فأخذ يبحث عنه فى كل مكان، لرغبته فى كتابة مقدمة له بنفسه، لكن يوسف إدريس فى هذه الفترة كان فى المعتقل، فانتظر طه حسين خروجه من السجن، وفوجئ يوسف إدريس بذلك، فأرسل لعميد الأدب العربى المجموعة الجديدة وقابله، ودارت بينهما مناقشات كثيرة حول الكتاب.

كان يوسف إدريس يقول لى عن هذه المقدمة: «بركة من طه حسين، مهما اختلفنا فى الرأى حوله. لا أظننى أستطيع أن أعيد طباعة المجموعة دون أن أشرف بطبعها مع المقدمة».

■ ماذا جاء فى هذه المقدمة؟

- كتب عميد الأدب العربى يقول فى مقدمته لقصص يوسف إدريس:

«هذا كتاب ممتع أقدمه للقراء سعيدًا بتقديمه أعظم السعادة وأقواها، لأن كاتبه من هؤلاء الشبان الذين تعقد بهم الآمال وتناط بهم الأمانى ليضيفوا إلى رقى مصر رقيًا، وإلى ازدهار الحياة العقلية فيها ازدهارًا.

وكان كل شىء فى حياة هذا الشاب الأديب جديرًا أن يشغله عن هذا الجهد الأدبى وأمثاله بأشياء أخرى أليست أقل من الأدب نفعًا للناس وإمتاعًا للقلب والعقل، فهو قد تهيأ فى أول شبابه لدراسة الطب، وجَدّ فى درسه وتحصيله متى تخرج وأصبح طبيبًا، ولكن للأدب استئثارًا ببعض النفوس وسلطانًا على بعض القلوب لا يستطيع مقاومته والامتناع عليه إلا الأقلون».

وقد كلف هذا الشاب بالقراءة، ثم أحس بالرغبة فى الكتابة، فجرب نفسه فيها ألوانًا من التجربة، ثم لم يملك أن يمضى فى تجاربه تلك، وإذا هو أمام كتاب يريد أن يخرج للناس فيخرجه على استحياء، ويقرأ الناس كتابه الأول «أرخص ليالى» فيرضون عنه ويستمتعون به، ويقرأه الناقدون للآثار الأدبية، فيعجبون له ويُعجبون به، ويشجعون صاحبه على المضى فى الإنتاج، فيمضى فيه ويظهر هذا الكتاب.

■ هل تتذكر مواقف أخرى مع «تشيخوف العرب»؟

- سألت يوسف إدريس فى مرة عن الكُتاب الذين يستحقون جائزة نوبل فى القصة القصيرة، فأخبرنى بعدة أسماء، كان من بينها سكينة فؤاد وسناء البيسى. وحين سألته: لماذا لم تضع اسمك بين هؤلاء الكُتاب؟» قال لى: «أنا مرشح.. لكن هناك أسماءً أخرى تستحق الجائزة».

وأذكر أنه قال لى: «أرجو ألا يغضب أحد من كلامى.. أنا من أنصار أن يحدث طلاق واثنان وثلاثة إلى أن يقع الإنسان على اختيار صحيح، بدلًا من أن يضيع العمر فى اختبار شىء».

وقال أيضًا: «أنا لست من أنصار ألا يهدى الكاتب شيئًا مما يكتب لزوجته. حتى وقت قريب لم أكن أستطيع أن أكتب ورجاء (زوجته رجاء الرفاعى) فى المنزل. كنت أبعث بها إلى أمها، فالكتابة عورة كنت لا أطلع عليها أحدًا إلا بعد أن تصبح متدثرة فى المطبعة».