بين الاقتباس والتمصير
كان اللجوء إلى النصوص المسرحية التى تم تمصيرها لكى تناسب المتلقى المصرى هو الأساس فى قصص الأفلام بدايات السينما المصرية. فلم تكن الكتابة خصيصًا للسينما قد حازت على الاهتمام الكافى، هذا بالإضافة لأن هذه النصوص سبق ولاقت نجاحًا حينما عرضت كمسرحيات، ومن المتوقع أن تحقق نفس النجاح فى السينما.
ومع تطور الصناعة كان اللجوء للأدب بعيدًا عن النصوص المسرحية، فتم اقتباس العديد من الأعمال الأدبية وتحويلها إلى أعمال سينمائية، وأيضًا تم تمصير العديد من الأفلام لجعلها مناسبة للبيئة المصرية.
أنا أفضّل أن يكون مصطلح الاقتباس خاصًا بالأدب، خاصة الأدب المحلى الذى لا يحتاج إلى أى حيل فنية لجعله مناسبًا للبيئة المصرية، ولتقريب الصورة أكثر نجد لدينا فيلم «هذا الرجل أحبه»، وهو مقتبس من رواية «جين إير» لشارلوت برونتى، وقام بعمل الإعداد السينمائى والسيناريو والحوار والإخراج أيضًا حسين حلمى المهندس، وهو نموذج على الاقتباس السيئ من العمل الأصلى، والذى تم التحايل على عقدة الرواية الأصلية بعدم السماح للبطل بالزواج الثانى لأن الرواية تدور فى إنجلترا حيث الأبطال يدينون بالمسيحية، وحتى لا يجعل حسين حلمى المهندس العائلة مسيحية لسبب غير معلوم، لجأ للصدفة، واخترع مواقف قانونية ساذجة حتى لا يتزوج البطلة، فإن كانت الرواية غير صالحة للمجتمع المصرى أو لأن تكون العائلة والبطلة مسيحية فلماذا الإصرار على تقديمها؟
نفس الشىء حدث مع فيلم «نهر الحب» لفاتن حمامة وعمر الشريف، والمقتبس من رواية «أنا كارنينا» لتولستوى، وقام أيضًا عزالدين ذوالفقار بعمل المعالجة السينمائية والسيناريو والحوار والإخراج. فى الرواية الأصلية اضطرت البطلة أن تتزوج من شخص غنى لأسباب أسرية وكانت تشعر معه بالتعاسة، ودخلت فى قصة حب أخرى ولكنها لا تستطيع الطلاق منه بسبب كونها مسيحية أيضًا، فاضطر المؤلف المخرج لجعل شخصية الزوج كريهة، تمتلك قدرًا كبيرًا من الصلف والجلافة، لإعطاء البطلة السبب فى خيانته والتعاطف معها فى المجتمع المصرى. على عكس الأعمال المأخوذة من أعمال أدبية محلية، مثل الأعمال المقتبسة من روايات إحسان عبدالقدوس مثلًا، أو يوسف السباعى أو عوالم نجيب محفوظ الأدبية، بصرف النظر عن جودة الأعمال.
وهذا لا يعنى أن كل الأعمال المأخوذة عن نصوص أجنبية يكون بها ضعف شديد، فعمل مثل «خرج ولم يعد»، المأخوذ عن رواية «براعم الربيع» للكاتب «ه.أ. بينش»، إخراج «محمد خان» وسيناريو وحوار «عاصم توفيق»، حيث قام فيه بعمل تغييرات جذرية فى العمل الروائى لكى يتناسب مع البيئة المصرية والحياة الاجتماعية، حتى إنه يكاد يكون كتب عملًا موازيًا للعمل الأصلى بصيغة سينمائية، فهو هنا أخذ الفكرة الرئيسية وقام بصنع عمل خاص بالبيئة المصرية.
وحينما نأتى للتمصير فأول ما يقال إن العمل «مسروق» من فيلم أجنبى، وتكون هذه حقيقة فى حال عدم الإشارة إلى الفيلم الأصلى، وفى الماضى لم تكن تلك الإشارة مهمة، إلا أنه مع انتشار حقوق الملكية الفكرية فى العالم أصبحت تلك الإشارة مهمة، ويتم التغاضى عنها كثيرًا للبعد عن هذه الحقوق.
من أشهر الأفلام التى تم تمصيرها «شمس الزناتى»، الذى تم تمصيره من فيلم «الساموراى السبعة»، والذى تم عمل منه نسختين، واحدة فى سنة ١٩٦٠، والثانية فى ٢٠١٧، وتم عمل نسخة منه فى إيطاليا، وكان رجال الكوزا نوسترا هم الأبطال، وفى مصر تم اختيار فترة بداية الحرب العالمية الثانية التى اهتمت فيها الداخلية بحماية مقرات الجيش الإنجليزى وتركت فراغًا أمنيًا كبيرًا، فكان هذا هو الزمن والحدث المحلى المناسب لتمصير الفيلم.
ومن أحسن الأفلام التى تم تمصيرها عن فيلم أجنبى، «غريب فى بيتى»، سيناريو وحوار وحيد حامد، وإخراج سمير سيف، والمأخوذ عن الفيلم الأمريكى «فتاة الوداع» الذى تم إنتاجه سنة ١٩٧٧، وتم تحويل مهنة البطل من عازف كمان إلى لاعب كرة قدم.
كثيرة هى الأفلام التى تم تمصيرها فى السينما المصرية، بالإضافة لفكرة إعادة الإنتاج التى تقوم بها الشركة الأم المنتجة لعمل أكثر من نسخة للعمل بممثلين محليين وحوار محلى حتى لو لم يتناسب هذا مع أجواء العمل.