الجمعة 27 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد الشهاوى: لا أكتب لأصيد جائزة بل لأحقق ذاتى.. والكتابة أعظم تكريم بالنسبة لى

أحمد الشهاوى
أحمد الشهاوى

- الجوائز مجرد حافز تمنح المتلقى إشارات ليعاود قراءتى

- كنت عضوًا فى لجنة الشعر لـ6 سنوات ولم أسافر مرة على حساب الوزارة

يمكننا القول إن أحمد الشهاوى أصبح «شاعرًا عالميًا»، فما الذى قد يحتاجه شاعر تُرجمت قصائده إلى أغلب اللغات التى يتحدث بها البشر، وألقى أشعاره فى معظم منصات الشعر الدولية؛ من أجل أن يصل إلى العالمية؟

«الشهاوى» لا يتوقف عن إحراز الإنجازات والنجاحات، وآخرها فوزه مؤخرًا بجائزة «كاثاك» الأدبية لعام 2024، التى تسلمها فى مدينة «كلكتا الهندية»، قبل أسبوعين، إلى جانب توقيع كتابه الشعرى المترجم إلى اللغتين الإنجليزية والبنغالية هناك، وسط حالة من الاحتفاء والزخم الإعلامى الكبير.

حول هذه الجائزة، ورحلته إلى الهند، وانطباعاته عن أعماله المترجمة، وتفاصيل مشروعاته المقبلة، أجرت «حرف» الحوار التالى معه.

■ بداية.. ماذا تقول عن جائزة «كاثاك» التى فزت بها مؤخرًا؟

- كانت هذه الجائزة مفاجأة لى، لأننى لم أتوقعها، ولم أكن أعرف بها من قبل، رغم أن شعراء كبارًا من العالم نالوها قبلى. ومن المعروف أن بعض إدارات الجوائز يسأل الشاعر أو الروائى الذى سيُمنح الجائزة هل يوافق على نيلها أم لا؟، والحقيقة أنهم تواصلوا معى بالفعل ووافقت.

هذه الجائزة تصدر من بنجلاديش، التى تتكلم اللغة البنغالية. وكان مناسبًا أنها جاءت مع الكتاب الشعرى الذى صدر لى فى مدينة كلكتا الهندية باللغتين الإنجليزية والبنغالية، تلك اللغة التى كان يكتب بها الشاعر الهندى طاغور، الذى حاز جائزة «نوبل» فى الآداب، وهو الوحيد الذى نالها من الهند، والتى يستحق شعرها وأدبها الجائزة مرات عديدة، رغم أنها مثلها مثل الوطن العربى، الذى لم ينل «نوبل» إلا مرة واحدة عام ١٩٨٨، عندما حصل عليها الكاتب الروائى المصرى نجيب محفوظ.

هذه الجائزة هى الثالثة التى أنالها من بلدان خارج مصر. الجائزة الأولى كانت عام ١٩٩٥، وهى جائزة «اليونسكو» فى الآداب، ثم جائزة «كفافيس» الدولية فى الشعر عام ١٩٩٨. صحيح أنها تُمنح فى مصر. لكن اللجنة الخاصة بها يونانية قبرصية مصرية. وتمنح على أرض مصر لكون الشاعر الذى تحمل الجائزة اسمه، وهو قسطنطين كفافيس، ولد وعاش ومات فى الإسكندرية، وهو شاعر يونانى سكندرى.

■ حصلت على العديد من التكريمات.. ما الذى تفعله الجوائز فى الشاعر؟

- وصلت إلى قائمة جائزة «زايد» للكتاب ٤ مرات، ٣ مرات عن ٣ كتب شعرية لى هى: «سماء باسمى» و«لا أرانى» و«ما أنا فيه»، ثم روايتى «حجاب الساحر». وأنا أكتب فقط، وليس لأصيد جائزة، أو أحصل على تكريم، لأن أكبر جائزة هى الكتابة، وأعظم تكريم هو الكتابة.

أنا على الأقل، لا أكتب إلا لأرى نفسى فيما أكتب، وأحقق ذاتى فى الشعر الذى أكتبه. وهذه الجوائز وغيرها بالنسبة لى هى مجرد حافز، أو أنها تمنح المتلقى إشارات لأن يعاود قراءتى، أو يقرؤنى إن لم يكن قد قرأ بعض كتبى، بمعنى أنها تمنح القارئ فرصة لأن يعرف شاعرًا اسمه أحمد الشهاوى، سواء فى اللغة العربية أو اللغات الأخرى، لأن كتبى موجودة فى لغات عديدة.

■ معنى ذلك أن الجائزة مهمة للفت الانتباه؟

- نعم، لا شك أن الجائزة، أى جائزة، تلفت الانتباه إلى المنجز الذى أصدره الشاعر أو الكاتب على مدار مسيرته الأدبية. وهنا لا ينبغى لفائز أن يستكين أو يتقاعس أو يقول الحمد لله نلتُ جائزة وهذا كافٍ. كما قلت الجائزة هى الكتابة. ومشكلتنا فى البلدان العربية عدم الاستمرارية. لا نستمر بمعدل متنام، أو على الأقل بمعدل ثابت. من المفترض أن الكتابة هى الحركة والإبداع، فعل ديناميكى وليس استاتيكيًا، بمعنى أنه يتسم بالإيقاع السريع الحركى، والانتقال من مرحلة إلى أخرى.

وأظن أن وجود ترجمات لى فى اللغات الأخرى، مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والتركية والألمانية وغيرها، يجعل الإنسان مقروءًا فى بلدان أخرى، ويكون محط نظر فى المشاركات الدولية، خاصة فى مهرجانات الشعر التى أشارك فيها منذ ما يزيد على ٣٠ عامًا.

وبالمناسبة أنا أشارك بنفسى، وليس لمشاركتى أى علاقة بجهات ثقافية مصرية، خاصة وزارة الثقافة، هى مشاركات فردية، والدعوات توجه إلى أحمد الشهاوى. وعلى الرغم من أننى كنت عضوًا فى «لجنة الشعر» بالمجلس الأعلى للثقافة لمدة ٦ سنوات، لم أسافر، ولو لمرة واحدة، على نفقة اللجنة أو وزارة الثقافة. وهذا أمر يعصمنى من أننى أُمنَح أسفارًا على نفقة الدولة.

■ ماذا عن رحلتك الأخيرة إلى الهند، خاصة أنك قلت فى حوار سابق إنك تتمنى السفر إليها.. وسافرت إليها بالفعل ٣ مرات؟

- هذا صحيح، الهند كانت إحدى الجهات أو الدول التى تمنيت منذ صباى أن أسافر إليها. كنت أطمح منذ صباى فى السفر إلى إسبانيا، إذ كنت وما زلت مفتونًا بالمدن الأندلسية، وقد تحقق لى ذلك كثيرًا، ثم تركيا، وتحقق ذلك أكثر، وصدرت كتبى مترجمة إلى الإسبانية والتركية. أيضًا الهند التى سافرت إليها ٣ مرات. ولا تزال هناك دولتان أطمح أن أسافر إليهما، هما الصين وإيران. وتصدر لى خلال شهر من الآن مختارات شعرية باللغة الفارسية، ترجمها الشاعر والمترجم الإيرانى الشهير موسى بيدج.

كانت الرحلة الأولى إلى الهند عام ٢٠١١، إلى مدينتى ناجبور ومومباى. وفى العام الماضى ٢٠٢٣، سافرت إلى كلكتا، التى تتكلم اللغة البنغالية. ثم إلى مدينة جوواهاتى التى تتكلم اللغة الآسامية، وفيها يعيش عدد من المسلمين إلى جانب ديانات أخرى.

■ ماذا عن الترجمة الأخيرة التى صدرت لك باللغتين الإنجليزية والبنغالية فى مجلد واحد؟

- فى العام الماضى، عندما عدت من كلكتا، العاصمة السابقة للهند، التى خرج منها ٥ حصلوا على جوائز «نوبل» فى الآداب ومجالات أخرى، وتعد مدينة مهمة ثقافيًا وفكريًا ونضاليًا- وقع الاختيار على أن يترجم لى كتاب شعرى، ويصدر باللغة الإنجليزية، ثم من الإنجليزية إلى البنغالية.

قامت بالترجمة الإنجليزية الدكتورة سارة حامد حواس، مدرس الأدب الإنجليزى بكلية الآداب جامعة المنصورة، التى قدمت عملًا جديدًا ومدهشًا، بعد أن اختارت ١٠٠ قصيدة قصيرة من شعرى، وترجمتها إلى الإنجليزية، وهذا أمر لم أعرفه فى الترجمات السابقة. ولعلها فى هذا العمل أعادت الحياة إلى قصائد كنت لا ألقيها فى المهرجانات أو الأمسيات الشعرية.

هى نفخت فى هذه القصائد الروح، عندما نقلت إلى الإنجليزية ومنها إلى البنغالية. ومن المتوقع أن تترجم إلى عدد من اللغات الهندية، لأن الهند متعددة الديانات واللغات. لم تكتفِ باختيار القصائد المائة من ٥ كتب شعرية، لكنها أنجزت مقدمة مستفيضة حول الشاعر وشعره، وأيضا أجرت حوارًا مطولًا معى.

■ فى هذا الحوار كانت هناك بعض الكلمات الصوفية التى يصعب فهمها والوعى بها لغير القارئ العربى.. ماذا عنها؟

- الحوار يكشف للقارئ كيف يفكر الشاعر وكيف يكتب، بعدما دار حول الظواهر والسمات والعناصر والمحاور التى وجدتها فى شعرى. قدمت الدكتورة سارة حواس شيئًا جديدًا، هو أنها أنجزت ملحقًا صدر فى نهاية الكتاب، تضمن المصطلحات الصوفية والتعابير الدينية التى وردت فى القصائد، لأننا فى الإنجليزية أو البنغالية، القارئ سيكون أمام نصوص شعرية قادمة من مصر، أى من لغة أخرى هى اللغة العربية، ومن ديانة أخرى هى الإسلامية، فابتكرت وأنجزت هذا الملحق.

أتصور أن الملحق يساعد القارئ الأجنبى على فهم ومعرفة الأجواء التى تدور فيها النصوص، خاصة أنه بالفعل يمكن أن يتوقف أمام لفظة أو مفردة أو جملة أو تعبير من التعبيرات التى وردت فى القصائد. وأنا أعول على هذه الترجمة، التى استقبلت استقبالًا جيدًا فى الهند، وناقشتها الدكتورة سارة حواس عندما أقيمت لها ندوة موسعة فى كلكتا، وناقشتها أيضًا بروفيسور هندية متخصصة فى الأدب الإنجليزى.

■ كيف ترى طباعة وإخراج هذا الكتاب مقارنة بمصر؟

- الكتاب هو ترجمة إلى الإنجليزية والبنغالية معًا، وقد اضطلع بالترجمة من الإنجليزية، التى أنجزتها الدكتورة سارة حواس، إلى البنغالية، الشاعر الهندى شوديبتو شتارجى. والمفارقة أنه أستاذ أكاديمى فى كلية الطب بجامعة كلكتا، والذى لم يتركنا، وكان معنا فى كل يوم واهتم بنا.

وبخصوص الطباعة، الكتاب الذى ترجمته الدكتورة سارة حواس هو «Hard Cover»، أى مجلد وليس كتابًا ورقيًا عاديًا. وهذه المرة الثانية فى حياتى التى يصدر لى فيها كتاب من هذا النوع. الأولى كانت فى إسطنبول لديوانى «سماء باسمى»، الذى ترجمه البروفيسور محمد حقى صوتشين، والذى نال جائزة الشارقة فى الترجمة، قبل أيام. والحقيقة كان لمشاركتى صدى واسع فى الصحافة الهندية، وأجريت معى حوارات فى الإذاعة ووسائل الإعلام الهندية المختلفة، وأيضًا حوارات «بودكاست».

■ ماذا عن ترجمة أعمالك إلى اللغة البنغالية.. لأول مرة؟

- أتذكر الآن مجلة «لوتس» التى أسسها الكاتب الراحل يوسف السباعى، وهى مجلة كانت تعنى بالأدب الآسيوى والإفريقى واللاتينى، وكنت أحرص وأنا طالب فى المدرسة ثم فى بداية الجامعة على اقتنائها، وكانت تصدر عن اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهذا الاتحاد ما زال موجودًا، ومركزه القاهرة، لكنه يكاد يكون متوقفًا عن النشاط.

كانت مجلة «لوتس» تنشر نصوصًا شعرية وقصصية من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكنت أتابع فيها النصوص الهندية التى تنشر، ومنذ ذك الوقت لم نعد نعرف شيئًا عما تنتجه الهند من أدب، باستثناء شعر طاغور، الذى حصل على جائزة «نوبل» فى الآداب.

ومن وقتها لا نعرف إلا ما هو متاح فى اللغة الإنجليزية. لكننا لا نعرف ماذا يحدث ويدور فى الهند ويصدر من كتب، باستثناء الكتاب أو الكاتبات الذين واللاتى حازوا وحُزنَ جائزة «البوكر»، لأنهم يكتبون بالإنجليزية، أو هم بريطانيون من أصل هندى، مثل الروائى سلمان رشدى، وعدد كبير من الهنود الذين ترجمت أعمالهم إلى اللغة العربية.

لكن الهند بلد كبير متعدد الأعراق والأجناس والديانات، وبه لغات يتحدث بها ملايين من البشر، وللأسف لا تُدرس فى الجامعات المصرية، لذا نجد أن هناك لغات كثيرة تنتج أدبًا مهمًا ولا نعرف عنه شيئًا. من المفترض أن يهتم الأساتذة فى أقسام اللغات الشرقية بترجمة النصوص الأدبية. لكنهم يمارسون عملهم كأساتذة داخل الجامعة فقط، ولا يخرجون منها بإصدار كتب أو ترجمة، متحججين أن مثل هذه الأعمال لا تدر ربحًا، لذا يكتفون بالكتب الجامعية التى يقررونها على الطلاب لدراستها.

■ هل هناك نية لترجمات أخرى تصدر قريبًا بالبنغالية؟

- أتصور أن الكتاب الذى صدر باللغة الإنجليزية والبنغالية معًا سيفتح الطريق أمامى، لأننى قابلت أكثر من ناشر فى الهند، وطلبوا منى ومن الدكتورة سارة حواس أن نعيد الكرة مرات وليس مرة واحدة، من خلال إصدار كتب داخل الهند. وبالمناسبة الطباعة متقدمة جدًا فى الهند، والاحتفاء بالكاتب مهم. وجدت فى فكرة الديوان الشعرى المنشور بطريقة الـ«Hard Cover» أمرًا مهمًا. لكنه فى بلداننا مكلف جدًا. لذا نادرًا ما أرى شاعرًا يصدر له كتاب بهذا الشكل، فى مصر والبلدان العربية.

أتمنى أن تنتقل نصوصى من اللغة الإنجليزية إلى لغات أخرى هندية، وهذا أمر يشجعنى ويجعلنى أذهب إلى الهند مرات أخرى. وجهت إلىّ دعوات للمشاركة فى مهرجانات شعرية دولية تعقد فى العام المقبل بالهند، وهذا كله بسبب الترجمة، خاصة إلى لغة مهمة مثل البنغالية، التى يتكلمها أكثر من 300 مليون، فى بنجلاديش كلها، وكلكتا أيضًا، وعدد من المناطق المحيطة بها، ويعتز بها الهنود بشدة، لأنها اللغة التى كتب بها «طاغور»، ونال من خلالها جائزة «نوبل» عام 1913.