كملوا الحلو

على مدى سنوات طويلة نجحت فرقة التنورة، التابعة لوزارة الثقافة المصرية، فى أن تكون معلمًا من معالم القاهرة السياحية، فهى مدرجة ضمن مزارات شركات السياحة المصرية والعالمية الخاصة بمنطقتى الأزهر والحسين، ولها جمهور متنوع من المصريين أيضًا، والإقبال على عروضها لا ينقطع أبدًا.
التنورة فى الأصل رقص صوفى يخص أتباع جلال الدين الرومى، ولكن لأن مصر تعطى كل شىء نكهتها الخاصة وروحها المبدعة الخلاقة، فقد تحول هذا الرقص المتسم بالوقار، سواء على مستوى الأداء أو لون الملابس البيضاء، إلى طقس بهجة وفرح خالص، وبات عرضًا مبهرًا يضج بألوان ما يرتديه الراقصون من تنورات واسعة وإيقاعات موسيقية سريعة تلائم حركة الدوران الدءوبة اللا متناهية بحثًا عن المطلق الكامل الذى هو الله، وفقًا للفكر الصوفى، وكل من يشاهد عرض هذ الفرقة سوف ينتشى بطاقة روحية هائلة، وسيُفتن بلوحات الجمال المُشكّلة بأجساد الراقصين الرشيقة.
ومن الجميل أن عرض هذه الفرقة يؤدى فى مكان أثرى قديم، حيث مسرح قبة الغورى، ذات المعمار الدال على عظمة مصر وأبنيتها الفخيمة خلال العصر المملوكى الأول، بينما السماء المفتوحة تطل على ذلك البهاء من عليائها لتشكل حالة فريدة من البهاء والجمال لا مثيل لها.
كراسى المسرح تمتلئ خلال كل ليلة من ليالى السبت والأربعاء بجمهور من الأجانب والمصريين، وبطاقة الدخول زهيدة السعر «١٥ جنيهًا»، ولا أدرى هل الأجانب يدفعون كالمصريين أم هناك أسعار خاصة بهم؟. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يدفعون أكثر؟
عمومًا كل هذا الجهد المبذول، وكل هذا النجاح المستمر عبر سنوات طويلة لهذه الفرقة الراقصة الفريدة، لا بد وأن نفسده، فالحلو لا يكمل، والطبخة المتقنة لا بد من تبويظها بسبب قليل من الملح، فالمدخل من الشارع إلى قبة الغورى بائس ومخجل، فلكى يتم الدخول إلى المسرح لا بد من الخوض فى أوساخ وزلط وطوب على رصيف شارع الأزهر، والمكان مظلم وبلا إضاءة، والأعجب أن الطابق الأرضى، والذى تقود إليه سلالم، يبدو أنه مؤجر لبعض تجار الأقمشة بالغورية، فحجراته مملوءة بأثواب على كل لون وشكل، والنازل على السلالم كى يدلف إلى مكان المسرح ربما يتعثر فيمن يحمل ثوبًا أو اثنين على كتفه، وعلى الزائر أن يكون حريصًا ويتفاداه حتى لا يقع ويتعثر. أين وزارة السياحة؟ أين المحافظة؟ أين هيئة نظافة وتجميل القاهرة؟ ثم أين وزارة الآثار التى تسمح بهذه المهزلة؟، حيث مخازن القماش فى واحد من أهم آثار القاهرة المملوكية، فمجموعة الغورى هى كل ما تبقى من آثار آخر سلاطين مصر المماليك العظام قبل الغزو العثمانى الغشيم للبلاد، وهو السلطان قنصوة الغورى، الذى استشهد ببلاد الشام مدافعًا عن مصر بسبب خيانة أحد أعوانه، وهو خاير بك، والذى خلّد المصريون خيانته فأسموه خاين بك.
هل من الصعب تحسين وضع المدخل يا محافظة بتمهيد الأرض أمام القبة وسفلتتها وتحسين وضع الرصيف؟ هل من الصعب يا هيئة التجميل والنظافة زرع شجرة، أو وضع إناء زرع من نوع لا يحتاج إلى رى متكرر، كالجهنمية مثلًا أو بعض أنواع من الصبار، وعمل سور يحول دون انتهاك ما يتم تجميله وحرمة مبنى القبة؟ هل مثل هذه الأمور تحتاج إلى عبقرية أو تفكير أو ميزانية كبيرة تعجز المحافظة عن دفعها؟
داخل القبة، وبعد انتهاء العرض، ورغم الجمهور الكبير، فلا يوجد غير حمام واحد للرجال، وآخر للنساء، وحمام النساء دون أكرة ودون ترباس ولا يقفل بابه جيدًا، ناهيك عن افتقاده حتى لمرآة صغيرة توضع أعلى الحوض. لماذا لا تكون هناك عدة حمامات نظيفة وأنيقة ومرتبة كحمامات الأوبرا، أو مسرح الهناجر؟.. هل هذا أمر صعب ومستحيل؟ ثم لماذا الإصرار على الأداء الحكومى البليد الموروث منذ سنوات بعيدة؟، فأثناء العرض تفتح أبواب حجرات على مكان الجمهور وتغلق بين حين وآخر ليرى الحضور جرادل ومقشات وأشياء أخرى، فهذه الحجرات يبدو أنها مخازن.. هل هذا أمر عادى ويليق؟!
بقى أن نقول: لماذا لا يكون هناك بازار صغير بجانب منطقة بيع التذاكر، تباع فيه هدايا وتذكارات يحملها السائح معه بعد انتهاء العرض، كتذكار من ذلك العرض الفريد، والأفكار كثيرة فى هذا الجانب، فحتى موسيقى العرض يمكن طبعها على أسطوانات مدمجة وبيعها؟.
تفاصيل صغيرة وتبدو للبعض تافهة بلا قيمة، لكنها فى الحقيقة تعنى الكثير لزائر يخرج عادة بانطباعات عن بلد ربما لن يزوره مرة أخرى، فإذا كان قد انبهر بأداء الفرقة الرائع وقدرات نجومها المميزة، إلا أنه لن ينسى كيف دخل إلى المكان، وضيقه وهو ينتظر فى طابور طويل أمام حمام واحد وحيد.