هذا الحوار الأسود.. أنا ونجيب محفوظ ومفيد فوزى
لم يكن قد مضى على وفاة نجيب محفوظ- 31 أغسطس 2006- سوى أيام قليلة، حتى وجدت الكاتب الكبير والمحاور اللامع مفيد فوزى يتواصل معى.
قال لى: هل تريد أن تسمع كلامًا مختلفًا عن الأستاذ نجيب؟
وقبل أن أجيبه بشىء، قال: منتظرك فى البيت بعد ساعة.
أملانى الأستاذ مفيد العنوان، وقبل الساعة بدقائق كنت أجلس فى بيته الأنيق القريب من نادى الصيد.
لم يكن ما دار بينى وبينه حوارًا بالمعنى التقليدى، فلم تكن لدىّ فرصة لا للبحث ولا القراءة، ولا حتى معرفة أبعاد العلاقة بين نجيب ومفيد، ولا ما الذى يدفع مفيد إلى أن يطلب حوارًا يقول خلاله ما يعتبره أسرارًا عن حياة نجيب محفوظ؟ ولماذا لا يكتب ما يريد فى مقال، وهو الذى ترحب كل الصحف بنشر مقالاته وحواراته؟
بعد أن انتهيت من الاستماع إلى كل ما قاله الأستاذ مفيد، أدركت لماذا اختار أن يكون ما سيعلن عنه عن حياة الأستاذ نجيب عبر حوار وليس مقالًا يحمل توقيعه.
كان يريد أن يمنح نفسه فرصة التراجع إذا ما أثار الحوار الزوابع، وهو ما لن يكون قادرًا عليه لو أنه كتب ما لديه فى مقال بتوقيعه الصريح.
لقد دخل مفيد تحت جلد نجيب، تحدث عن حياته الخاصة، علاقته بزوجته وأبنائه، أشار إلى مدى التعاسة التى كان يعيشها نجيب الإنسان، مرر لى كثيرًا مما قاله له الأستاذ مشفوعًا برغبته فى عدم النشر، لم يتردد عن كشف أسرار صاحب نوبل، والحديث عن أصدقائه ومريديه، بل أشار إلى أنه كان أول من فجّر الخلاف بين نجيب ويوسف إدريس، من خلال الحوار الذى تعمد أن يجريه مع يوسف وهو يعرف أنه فى لحظة مشتعلة، وقد تعمد ذلك لأنه كان يعرف أن يوسف كانت تأكله الغيرة طوال الوقت مما حققه نجيب وما وصل إليه.
لا أخفيكم سرًا أننى فرحت بالحوار، كان بالنسبة لى كنزًا صحفيًا، ففى المولد المنصوب حول الأستاذ نجيب على هامش وفاته، لدىّ الجديد الذى لم يُنشر من قبل، وكان الجميع قد تسابق على نشر ما سبق ونشره، وإعادة ما سبق وقاله.
بعد النشر كانت ردود الأفعال كلها سلبية، لكننى فوجئت بأن الأستاذ مفيد منتشيًا.
قال لى: ما نشرته على لسانى سيظل أصدق ما قيل عن الأستاذ نجيب.
قلت للأستاذ مفيد: لماذا انتظرت حتى وفاته؟ لماذا لم تبادر بنشر ما قلته لى وهو على قيد الحياة؟ هل كنت تخشاه؟
لم يرد علىّ الأستاذ مفيد ردًا منطقيًا، اكتفى بأن قال إن ما قاله كان مؤتمنًا عليه، طلب منه نجيب عدم نشره، أما وأن الأستاذ الآن فارق حياتنا فمن حق الناس أن تعرف بعضًا مما حدث، فالتاريخ لا يجب أن يموت مع أصحابه.
ظل ما كتبته يطاردنى سنوات طويلة، وكنت أعتبره من أسوأ ما نشرت، لكننى لم أتبرأ منه أبدًا، ولم أندم عليه كذلك، فقد كنت أتفق مع ما قاله الأستاذ مفيد ولا أزال، وعندما أعيد نشر هذا الحوار بعد مرور ثمانية عشر عامًا على وفاة الأستاذ، فإننى أؤكد على حق الأجيال فى معرفة بعض مما كان عليه الروائى الأعظم فى تاريخ العرب.
إننا نتوب إلى الله مما ارتكبناه من آثام، ونحاول التكفير عن خطايانا، لكننا أبدًا لا يمكن أن نتبرأ مما اقترفته أيدينا، على الأقل من باب المصالحة مع النفس، ولأن ما نكتبه فى النهاية من الصعب أن يمحوه الزمن، فما نخطه يظل يطاردنا حتى الموت.
عندما أصف هذا الحوار بأنه الحوار الأسود لا أغسل يدى منه، ولكنه أعتراف بأنه لم يكن مناسبًا، وهو الاعتراف الذى لا أريد به إخفاء آثار الجريمة، لأنها ستظل قائمة ولن تختفى أبدًا.
لقد ختمت هذا الحوار بقولى: هل تستطيع أن تعرف هل يحب مفيد فوزى نجيب محفوظ؟
إذا أردت أن تدرك ذلك فالحوار أمامك.. يمكن أن تقرأه ثانية.
وهو السؤال الذى أعيده الآن مرة ثانية وأنا أعيد نشر الحوار.
أما الإجابة فلا تزال عندك أنت.
اقرأ الحوار:
مفيد فوزى يفتح خزانة أسراره: نجيب محفوظ لم يكن زوجًا سعيدًا فى بيته