الخميس 19 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

المثقفون يفتحون النار على توفيق الحكيم

حرف

- عندما هاجم أحد النقاد الحكيم عام 1959 هجومًا كاسحًا، تدخل عبدالناصر وأوقف الحملة

- محمد عودة لم يترك الحكيم فنانًا وإنسانًا ومفكرًا وكاتبًا ولكنه توقف عند كل تفاصيل حياته

فى عام 1984 كان غبار معركة كتاب «عودة الوعى» لتوفيق الحكيم الذى صدر عام 1974، التقى الدكتور والناقد الأدبى الكبير غالى شكرى، بالكاتب المسرحى والروائى توفيق الحكيم، وفى ذلك اللقاء، استطاع شكرى أن يجذب الحكيم إلى مناطق شائكة، بالتالى يقول كلامًا لم يقله من قبل، والذى يعرف الطريقة التى يتبعها الدكتور غالى شكرى فى إعداد مثل تلك الحوارات، فهو يضع الأسئلة أى كانت كثرتها، وكان يحمل معه جهازًا صغيرًا للتسجيل، وعند تفريع أى حوار وتحريره، كان يرفع أسئلته، ويترك حديث المصدر فقط، وقد أعد شكرى كتابًا كبيرًا تضمن دراسة طويلة كمقدمة للكتاب، تحت عنوان «الإطار المرجعى للمثقف والسلطة»، وهو كتاب سيظل بالفعل مرجعًا مهمًا لدراسة تلك الإشكالية «المثقف والسلطة»، وصدر عام 1990 عن دار أخبار اليوم، وجاءت فى الكتاب شهادات مهمة، شهادات لشخصيات تقاطعت بشكل مباشر مع السلطة، منهم فتحى رضوان، وخالد محيى الدين، ولويس عوض، وزكى نجيب محمود، وتوفيق الحكيم، وبعدما يدلى كل واحد من هؤلاء بشهادته، يأتى دور غالى شكرى فى التأويل والتفسير والتحليل.

فى ذلك الحوار الذى جاء بعد واقعة «عودة الوعى» بعشر سنوات كاملة، اعترف الحكيم بأنه لو عاد للخلف منذ بداياته الأولى، لن يختار مهنة الكتابة بشكل قاطع وحاسم، وقال إن كل ما كتبه هو وزملاؤه لم يأت بالثمار المرجوة، فهو يشعر بأنه مازال يعيش فى القرن الثامن عشر، فالكتابة ربما تأتى بالشهرة للكاتب، لكنه لو كان رجل صناعة كان سيحقق تلك الشهرة، ولكنه سوف يحقق شيئًا ملموسًا، يلعب دورًا فى تطوير المجتمع الملموس، فالصناعة لها قوام وشكل، لكن الكتابة ليست ملموسة، ومن الطبيعى أن مستهلكى الكتابة أو متلقيها، قليلون، لكن مستهلكى الصناعة كثيرون، فضلًا عن أن الكتابة طوال الوقت لم تكن مأمونة الجانب، لأنه تلقى أكثر من تهديد بالقتل فى حياته لأسباب مختلفة، ولا بد من ملاحظة أن الحكيم كان يدلى بشهادته فى أواخر عمره، وكان فى منتصف العقد التاسع من عمره، لم يكن مخرفًا، بل كان يعى كل ما يقوله، ورغم أنه كان ساخطًا على حرفة الكتابة، إلا أنه كان يدافع عن كتاباته ومواقفه، ويتضح من ذلك أنه كان متأثرًا بما ناله من هجوم وسخط بعد كتاب «عودة الوعى»، وقال لغالى شكرى بأنه لم يسب جمال عبدالناصر، ولم يهاجمه، ولكنه انتقده برفق كما يرى، وسرد لغالى شكرى وقائع عديدة حدثت فى عهده تستأهل النقد والمساءلة، وهو ما فعله فعلًا، لأنه يحب جمال عبدالناصر، وهو الذى دافع عنه- أى ناصر- وسرد ما ذكرناه فى الحلقة السابقة عندما كانت حملة التطهير تفصل من تراهم غير نافعين للثورة فى بداياتها، وعندما فعلوا ذلك مع توفيق الحكيم، تدخل جمال عبدالناصر، ورفض الإطاحة به، وكان يعمل فى ذلك الوقت رئيسًا لدار الكتب، بل فعل أكثر من ذلك، حيث أطاح بالوزير الذى فكر فى فصل توفيق الحكيم، وعندما هاجم أحد النقاد الحكيم عام ١٩٥٩ هجومًا كاسحًا، تدخل عبدالناصر، وأوقف الحملة، ولم يفعل ذلك فقط، بل قرر منحه قلادة النيل، وعندما قال أحدهم لجمال عبدالناصر بأن تلك القلادة تمنح للملوك والرؤساء فقط، فقال بأن الحكيم ليس أقل من أى أحد، وبالفعل سلمه الجائزة، رغم أن الحكيم قال فى شهادته تلك، وفى كتابه «عودة الوعى» بأنه لم يلتق بجمال عبدالناصر مطلقًا، لأنه يرفض أن يلتقى الحكام وهم فى السلطة، وهذا التصريح ينفيه ذلك الحفل الذى سلمه فيه جمال عبدالناصر قلادة النيل، إلا إذا كان الحكيم بأنه لم يلتق به على انفراد، واستدرك الحكيم فى شهادته بأنه التقى الرئيس السادات مرتين على انفراد، ومرة ثالثة عندما قرر السادات أن يزور اتحاد الكتاب، عندما كان الحكيم رئيسًا له، ويحكى الحكيم بأنه كان مضطرًا أن يلتقى بالسادات، لأن الرئيس السادات كان له حيلة جهنمية، حيث يتصل واحد من رياسة الجمهورية ويقول له: «سيارة الرئاسة جاية لحضرتك لمقابلة السيد الرئيس، ويجد نفسه أمام الأمر الواقع، مرة كانت فى القناطر الخيرية، بعد أزمة ما تم التعارف عليه بأزمة بيان الحكيم، وفى اللقاء ناقشه فى ذلك البيان، وبنوده، وكان رد الحكيم بأن البيان لم يأت بجديد، سوى أنه يقول ما وعد به الرئيس».

لا أريد أن أستطرد فى حديث الحكيم الممتع إلى غالى شكرى، ولكن ذلك الحوار، وغيره من حوارات دفاعية، بعدما تعرض لحملة واسعة وشرسة من كثير من الكتاب والمثقفين، فعدا تلك المقالات التى راحت تتواتر فى الصحف والمجلات، أصدر الكاتب محمد عودة كتابًا ساحقًا ماحقًا، فى بدايات عام ١٩٧٥ عن دار «القاهرة الثقافية العربية»، وكتب كمال الدين رفعت أحد أهم الضباط الأحرار، كلمة الغلاف الخلفية، لم يخض فيها بأى كلام عن الحكيم، ولكن جاءت كلماته فى تقدير ثورة ٢٣ يوليو ودورها، واستدعى-عودة- فى كتابه حياة توفيق الحكيم الفنية والأدبية والسياسية كلها، وبدأ الكتاب بجملة حادة وشديدة القسوة، إذ كتب فى صدر الكتاب: «قال الموسيقار الشاب للمايسترو الكبير (بالنسبة لتوسكانينى الفنان، فإننى أحنى، وبالنسبة لتوسكانينى الإنسان..)، وخلع حذاءه وانهال عليه.. عن قصة مشهورة»، ولكن يبدو أن محمد عودة لم يترك الحكيم فنانًا وإنسانًا ومفكرًا وكاتبًا، ولكنه توقف عند كل تفاصيل حياته، وقد استعرض كثيرًا من علاقة الحكيم بالثورة منذ قيامها، وهذا ما سرده الحكيم نفسه فى كتابات كثيرة، وذكر عودة بأن الحكيم كتب قائمة حافلة من الكتب، ليس من بينها ما يثبت من قريب أو بعيد أنه فقد وعيه لحظة واحدة، كذلك كتب بعد الثورة بقليل مسرحيته «الأيدى الناعمة»، عن الأرستقراطية التى خلعتها الثورة، وكيف تقبلت مصيرها بروح رياضية، كما أنه كتب مسرحيته «السلطان الحائر» عام ١٩٦٠، وكانت عن مشكلة السلطة والحكم، وهل يدار الحكم بالسيف أم بالقانون، وبالناس، أم بالصفوة، وكانت حوارًا- كما يكتب عودة- وجدلًا بينه وبين الثورة وقائدها، وكان السلطان فى المسرحية نبيلًا متجردًا يفيض إنسانية، ولا يعنيه أو يضنيه سوى الحقيقة والبحث عنها!!

ويحكى توفيق الحكيم لغالى شكرى أنه قد سمع من بعض المحافظين والمسئولين فى ذلك الوقت، بأنهم لن يسيروا على خطى القانون، لأن هناك بعض الأمور تحتاج إلى بعض من العنف وتجاوز للقانون، مما حرك توفيق الحكيم ليكتب مسرحيته، وقبل أن يقبل على نشرها، أعطاها للدكتور ثروت عكاشة، بالتالى أعطاها ثروت عكاشة إلى جمال عبدالناصر ليقرأها ويجيز نشرها، ويوافق جمال عبدالناصر على نشر المسرحية، والمسرحية لم تكن عنيفة، ولم يكن الحوار بين السلطان والآخرين ينطوى على أى ألغاز، وفى النهاية ينتصر السلطان للقانون، وهذا الأمر لم يغضب عبدالناصر، وكما حدث فى السلطان الحائر، حدث فى «بنك القلق»، وأعطاها الحكيم لهيكل، حيث تنطوى على مناقشة الأوضاع السيئة فى أجهزة الدولة، تلك الأوضاع التى أدت إلى كارثة ١٩٦٧، ومن الطبيعى أنها ستؤدى إلى كوارث أخرى، وقال لهيكل، لا بد من عرضها على جمال عبدالناصر، وبالفعل تم عرضها عليه، وقال له: انشرها يامحمد، توفيق الحكيم يكتب ما يريد، ولا مانع من نشر أى شىء يكتبه.

هذه نماذج قليلة من نماذج كثيرة طرحها الأستاذ عودة، لكى يقول بأنه لم يكن ممنوعًا من أى شىء، أو من التعبير، بل بالعكس كان مميزًا عن غيره من الكتاب والأدباء والمفكرين، وذلك لأنه كان صاحب تأثير على جمال عبدالناصر، وكان ملهمه، وهنا لا بد أن أشير إلى بعض التأويلات التى ذهب إليها بعض الباحثين والنقاد فى ذلك الأثر، حيث إن ذلك الأثر الذى تحدث عنه كثيرون، جاء من رواية «عودة الروح»، تلك الرواية التى كتبها عام ١٩٢٧، فى ظل الزخم الذى أحدثته ثورة ١٩١٩، لكنه نشرها فى ١٩٣٣، وكانت الجملة التى قرأها الناس، وأخذوها فى تفسيرات متعددة، وهى «الكل فى واحد»، بالطبع كان المقصود بالكل، الشعب، وكان المقصود آنذاك بالواحد، الوطن، ولكن تم اختراع تأويل آخر لإرضاء السلطة الجديدة، ذلك التأويل تم تفسيره على أن الواحد، هو الزعيم، ولم يكن أحد يجادل كثيرًا فى ذلك التأويل الذى ساد، لكى ينطبق على جمال عبدالناصر، وتم تصوير الأمر بأن جمال عبدالناصر نفسه، فهم الجملة على هذا النحو، رغم أن الحكيم لم يشر فى أى موضع من مواضع الرواية ينم عن ذلك القصد، ولكن التأويل السياسى، هو الذى غلب، ولكن سرعان ما تأتى دراسات لناجى نجيب، ولأحمد محمد عطية، وتعيد للتفسير الصحيح اعتباره.

نعود لمحمد عودة، الذى وعدنا بأنه سيرفع القبعة لتوفيق الحكيم الإنسان أو الفنان، لكنه زعم بأن كتاب عودة الوعى، تقاضى عليه أكبر مكافأة فى مصر من دار الشروق، حيث إنها كانت تكن ذلك العداء التاريخى آنذاك، وكانت فى تلك الفترة تطبع للرجعيين المعادين لجمال عبدالناصر، ورغم أن هناك كتّابًا وصحفيين كثيرين كتبوا فى هجاء جمال عبدالناصر، لكنهم لم يستطيعوا تحريك البحيرة الساكنة، بالتالى فدار الشروق لم تغامر عندما أغرت الحكيم بمكافأة استثنائية وكبيرة- حسب محمد عودة-، وذلك لأن توفيق الحكيم لما يحمل من دلالات كثيرة للهجوم على عبدالناصر، فهو أولًا كاتب كبير، ثانيًا أنه صاحب الأثر الكبير على جمال عبدالناصر، فعملا بمقولة «وشهد شاهد من أهلها»، والحكيم ليس من أهلها وفقط، بل هو ملهمها وحكيمها وراعيها الروحى، وبالفعل كانت رمية قوية فى ساحة الهجوم على عبدالناصر، ويرى عودة بأن الكتاب لم يكن لقول رأى، أو إظهار حقيقة كانت مختفية، أو تراجع مبدأى عن أفكار وآراء قالها الحكيم من قبل، ولكن الأمر يتلخص فى المكافأة الكبرى التى طلبها الحكيم، بعيدًا عن المسرحية التى عبر عن بعض أجزائها فى مقدمة الكتاب، وهى لم تكن إلا مجرد أوراق تم تسريبها، وهى لم تكن كذلك على الإطلاق، والأزمة عند عودة، لم تكن مجرد أزمة سياسية، بل هى أيضًا أزمة أخلاقية.

ويعقد عودة مقارنة بين الحكيم نفسه، وبين أبطال كتاباته، وعلى سبيل المثال يقتبس فقرات من كتابه «يوميات نائب فى الأرياف» يقول الاقتباس: «إنى بطبعى لا أصلح إلا لملاحظة الناس خفية يتحركون فوق مسرح الحياة»، إذن هو يرى الأحداث- كما يفسر عودة- مهما كانت كفيلم أو شريط سينمائى، أو شريط تسجيل لا يشترك فيه ولا ينحاز لشىء فيه، ولكى يتسلى به ويبدد ملله وهمومه الذاتية، وهو لا يكتب لأنه لا بد أن يكتب، وأن هناك قضية يريد أن يرفعها وأن يكسبها، لكن عودة يقتبس فقرة أخرى يطبقها على الحكيم يقول فيها: «لماذا أدون حياتى فى يوميات لأنها حياة هنية؟ كلا إن صاحب الحياة الهنيئة لا يدونها، بل يحياها»، ثم: «أيتها الصفحات التى لن تنشر، ما أنت إلا نافذة مفتوحة أطلق منها حريتى فى ساعة الضيق»، ومن هنا يعقد عودة مقارنة بين ما كتبه الحكيم طوال حياته، وبين الموقف الأخير الخاص بكتاب «عودة الوعى»، ورغم أن عودة كان يناقش قضية مشروعة ومثيرة، ويناقش كاتبا مرموقا ذا تأثير واسع، إلا أنه كان مفرطا فى تقزيم الحكيم ونفيه ونسف منجزه، رغم أنه وعد بغير ذلك فى بداية الكتاب، ولكن المخزون الذى تراكم أمامه من الحكيم كان قويًا، فالحكيم لم يكن صالح جودت، أو جلال الدين الحمامصى اللذين مدحا عبدالناصر فى كل ما كان يكتبه كل منهما، وبعد ذلك انقلبا على عبدالناصر وعصره، كذلك كان فؤاد سراج الدين أو أحمد أبوالفتح، فهما كانا عدوين طبيعيين لعبدالناصر وتجربته، وأسباب هجومهما وعدائهما مبررة، كذلك جماعة الإخوان المسلمين الذين أفرطوا فى الكذب، مثل زينب الغزالى التى كتبت مذكراتها عن السجن، وزعمت بأن جمال عبدالناصر كان يأتى بنفسه لمشاهدة حفلات التعذيب التى تتلقاها من رجاله، وغير ذلك من أكاذيب، فكتابات الإخوان العدائية، مبررة، لأنهم أعداء تاريخيون للثورة ولعبدالناصر، ولعصره كله، لكن توفيق الحكيم كان مختلفًا عن كل هؤلاء.

وكما جاء كتاب محمد عودة حادًا وعنيفًا «سقوط الحكيم» حادًا وعنيفًا أيضًا، وهو رد على الكتاب الثانى، أو اللاحق لكتاب «عودة الوعى»، وهو كتاب «وثائق فى طريق عودة الوعى»، وقد كان كروم هاجمه من قبل فى كتابه «جمال عبدالناصر المفترى عليه»، وهنا كروم يرى أن الحكيم لا يفعل سوى التجارة بالديمقراطية بهذا الكتاب، ويحاول أن يستقطب آخرين لمعركته كما يقول كروم: «..توفيق الحكيم لا يفعل كما يفعل الطابور الرجعى، وإنما يهاجم عبدالناصر وإنجازاته بضراوة، ويمالئ الشيوعيين فى نفس الوقت، ويصمت عن الطابور الرجعى، وعن هجوم الرجعية الناجح لاستلاب العمال والفلاحين أبسط حقوقهم»، حسنين كروم يرى أن الحكيم يدلس ويكذب، ودخل المعركة ليس متفرجًا، بل دخل كطرف أساسى فيها، وهو يدير معركته كأنه يكتب مسرحية فاشلة ورديئة، ويرى حسنين أن التبرير الذى وضعه الحكيم فى مقدمة كتابه السيئ الذكر، وهو أنه كان فاقدًا للوعى، كان مبررًا رديئًا، ومن ثم فكتاب سقوط الحكيم جاء ردًا على كل التفاصيل التى أتت فى الوثائق، وعلى رأسها مناقشة الرسالة التى كتبها الحكيم وأرسلها إلى جمال عبدالناصر بخصوص هيكل، وتم تكليف حاتم صادق زوج ابنة عبدالناصر بتوصيل الرسالة، وفى الكتاب يكشف كروم عن أكاذيب وأحداث وأخبار لم يقلها الحكيم، مما يجعلنا نعتقد بأن الكتاب جاء متاجرة بالديمقراطية، ومجرد فخ نصبه أعداء جمال عبدالناصر، ووضعوا على رأس ذلك الفخ شيخًا حكيمًا يبدو وقورًا وهو توفيق الحكيم.

بعد هذين الكتابين، لم تتوقف الكتابات التى تناولت أفكار توفيق الحكيم السياسية، والتى ابتعدت عن إنتاج الحكيم الإبداعى، مثل كتاب «توفيق الحكيم اللا منتمى» للناقد أحمد محمد عطية، والذى حدد فى مقدمة كتابه، بأنه سيقصر جهده على كتاباته السياسية، وعلى رأسها كتاب «التعادلية» الذى صدر عام ١٩٥٥، والذى فجر غالى شكرى فى كتابه «المثقفون والسلطة» مفاجأة غريبة، وهى أن توفيق الحكيم كان متفقًا مع أحد الكتاب والمفكرين لإعداد ذلك الكتاب، حيث إن الكتاب عبارة عن مقتطفات من كتبه السابقة، ولأن ذلك الشخص تأخر، فسارع هو بإعداد الكتاب ونشره عام ١٩٥٥، ليقنع قيادة ثورة يوليو بأن أفكاره التى أوردها فى كتاباته، تتطابق كثيرًا مع ما تقوله وتقرره الثورة.

ولم يتوقف النقد لتوفيق الحكيم فى كثير من الوقت الذى عاشه فيما بعد، وهنا نتذكر كتاب رجاء النقاش «الانعزاليون فى مصر»، واعتبره زعيمًا لهؤلاء الانعزاليين مثل لويس عوض وحسين فوزى اللذين كانا يطالبان بحياد مصر مثل سويسرا، وفى معركة كتاب «عودة الوعى» لم تنتصر قوى عاقلة، مثلما انتصرت قوى اليسار، ومن هنا تبادل الحكيم ولطفى الخولى بصدد إجراء حوار مطول بين توفيق الحكيم، وبين اليسار، استمر لتسعة شهور، وهو ما سنختم به حلقاتنا فى الحلقة القادمة.. إن شاء الله.