هوارد جاردنر: الطفل المصرى الأذكى حتى يدخل المدرسة «ادعاء غبى»
- الجغرافيا والتاريخ والفلسفة تجهزنا للحياة وليس فقط سوق العمل
- تطوير التعليم لا يعنى التخلص من أنظمة الماضى الناجحة مثل «الفصل»
- صياغة نظام تعليمى خاص لكل بلد وخلفية ثقافية «فكرة غبية»
لا صوت يعلو هذا الأيام، ولو شئت فلتقل فى كل الأيام، على التعليم وتطويره، وهو ما زادت حدته بعد الإعلان عن النظام الجديد للتعليم قبل الجامعى، عقب الانتهاء من امتحانات الثانوية العامة، والاستعداد لتطبيقه فى العام الدراسى الجديد، المقرر انطلاقه بعد أسابيع.
وما بين تعليم تقليدى وآخر ذاتى، واستخدام الوسائل الرقمية فى التحصيل والامتحانات، أو الاعتماد على الكتاب الورقى، إضافة إلى الجدل الدائر حول عدد المواد الدراسية فى كل فصل دراسى، وخروج مواد بعينها من «المجموع الكلى»، يمضى ملف تطوير التعليم، أملًا فى الوصول إلى النظام الأفضل.
«حرف» تحاول الوصول إلى رؤية تقترب من هذا النظام الأفضل، خلال حوارها التالى مع البروفيسور هوارد جاردنر، عالم النفس وأستاذ الإدراك والتعلم بجامعة «هارفارد»، صاحب نظرية «الذكاءات المتعددة» أو «Multiple Intelligence»، التى أعادت تعريف مفهوم الذكاء، ووسعت أفق التعليم ليشمل قدرات مختلفة تتجاوز الأطر التقليدية.
و«جاردنر» لمن لا يعرفه أصبح اسمه مرادفًا للابتكار فى التعليم، خاصة بعدما أصدر 30 كتابًا وأكثر من 100 نظرية علمية ومئات المقالات، التى ألهمت مئات المعلمين حول العالم، ووضعتهم على طريق إعادة التفكير فى طرقهم التعليمية ومناهجهم الدراسية.. فماذا قال؟
■ ما الذى يجعل أممًا، لا نبالغ إن قلنا إنها اخترعت العلم، يتدهور حال التعليم بها، حتى صار لا يتعدى كونه مجرد مرحلة يسارع الطلاب لإنهائها على أى حال؟
- يجب على القادة والمسئولين إدراك أهمية وقيمة التعليم، وإتاحة الموارد الكافية لتأمين تعليم جيد. إن لم يفعلوا فسيكون التعليم، أو بالأحرى الحصول على تعليم جيد، هو مسئولية العائلات والطلاب أنفسهم.
■ فى السنوات الأخيرة، أنا ومن فى جيلى، لم نتعلم فى المدارس والجامعات بالقدر الذى تعلمناه بأنفسنا، أو ما نسميه بـ«التعليم الذاتى»، سواء على الإنترنت، أو عبر التدريبات فى أماكن غير الجامعة، لماذا هذا التحول؟
- التعليم الذاتى اختيار جيد، وكثيرًا ما يكون هو الخيار المتاح. لكن دائمًا يحتاج المتعلم إلى أدوات للحصول على هذا التعليم الذاتى، ليستفيد منه بشكل صحيح. ومعظمنا يحتاج أيضًا إلى التوجيه والمهارات، قبل أن نتمكن بشكل كافٍ من مواصلة التعليم بمفردنا.
■ هل حقًا ترتبط جودة التعليم بالرفاهية الاقتصادية؟ وإن كان الأمر كذلك، ما الحل بالنسبة للدول النامية؟
- إذا أردنا أن يكون التعليم فعالًا ويؤدى الفائدة المرجوة منه، فنعم، يحتاج المرء إلى الرفاهية الاقتصادية، ونعم سيكون هناك عدد قليل من الأفراد أو العائلات ممن يستطيعون تعليم وتثقيف أنفسهم بطريقة جيدة. لكن كما ذكرتِ، الثروة تضمن الحصول على التعليم، لكنها لا تضمن جودته.
■ فى ضوء التطورات الحديثة، هل تعتقد أن النموذج التقليدى للفصل الدراسى ما زال فعالًا؟ وكيف يمكن إعادة تشكيله ليصبح أكثر توافقًا مع احتياجات القرن الـ٢١؟
- أعتقد أن التعليم سيحتاج إلى إعادة تشكيله بالكامل ليناسب القرن الحادى والعشرين. لكن يجب أن نفعل هذا بتمعن وحذر كبيرين. فنحن لا يمكننا ببساطة محو أو التخلص من الأنظمة التى نجحت فى الماضى. من المهم إجراء تجارب بسيطة، ومشاركة ما نجح من هذه التجارب وما لم ينجح، وعرض الأسباب فى الحالتين.
■ هل يجب أن نصوغ لكل بلد وكل خلفية ثقافية طريقة مختلفة للتعليم؟
- أعتقد أن صياغة نظام تعليم خاص لكل خلفية ثقافية هى فكرة غبية، لأن معظم عمليات التعليم، مثل تعلم القراءة والحساب، والتاريخ والعلوم، يجب أن تكون هى نفسها فى جميع أنحاء العالم. أما بالنسبة للتعليم الدينى والسياسى، فهذه قضايا منفصلة، ولا أعتقد أنه ينبغى أن تدرس فى المدارس العامة.
■ هناك من ينادى بإلغاء تدريس العلوم الإنسانية مثل الجغرافيا والتاريخ والفلسفة، بحجة أنها لا تلبى احتياجات سوق العمل اليوم، كيف ترد عليهم؟
- الهدف من التعليم ليس فقط هو إعداد أفراد لسوق العمل، بل هو إعداد بشر للحياة، وهذا يتضمن فهم العالم بكل تعقيداته، والقدرة على المساهمة فى تحسين هذا العالم مستقبلًا، وهذه بالتأكيد أهداف عالمية وخالدة.
■ كيف يمكن تصميم مناهج تعليمية شاملة تلبى احتياجات الطلاب بمختلف مستويات الذكاء والاهتمامات؟
- كنت قد كرست عملى فى مجال التعليم للتعرف على مدى الذكاء البشرى، والتأكد من أن كل شخص فى العالم يستطيع الحصول على تعليم يُمكنه من الاستفادة مما تعلم. وعن هذه الأفكار كتبت معظم أعمالى.
هذا العام ٢٠٢٤، سيصدر لى كتابان جمعت بهما أبحاثى فى هذا الموضوع، عن مطبعة كلية المعلمين فى نيويورك. فى هذين الكتابين سأوجه القراء المهتمين إلى ما وصلت إليه تلك الأبحاث، وربما سيترجم الكتابان أيضًا إلى لغات أخرى.
■ هل يمكن دمج تقنيات التعليم الحديثة، مثل التعلم الرقمى والتعلم الذاتى، مع الأساليب التقليدية، لتحقيق أفضل النتائج؟
- أظن أن هذا هو السؤال الذى لا بد من طرحه. وهذا يعنى أن المعلمين أولًا بحاجة إلى تعلم وفهم التقنيات الجديدة، والتعامل معها بشكل فعال. ومن ناحية أخرى يجب على الطلاب المتعلمين المتعاملين مع هذه التقنية التحلى بالصبر مع معلميهم، واحترام العلوم التى أتقنها أولئك المعلمون سابقًا.
■ كعالِم فى أساليب التعليم، ما أفضل الطرق التى يمكن أن نحسن بها التعليم فى بلادنا؟
- لا أدرى إن كنت على اطلاع بمناهج التعليم وطرق التدريس فى الشرق الأوسط أم لا، لكن يبدو أنها لا تحقق المرجو منها بالقدر والكفاءة المطلوبة. يجب التعلم والاستفادة من التجارب التعليمية الناجحة حول العالم. حاليًا تحقق سنغافورة وفنلندا والدول الإسكندنافية الأخرى أفضل النتائج. كذلك عليهم الاستفادة من عمل منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، التى يقع مقرها الرئيسى فى باريس، من خلال أدواتها ومنشوراتها المختلفة، خاصة برنامجها «Programme for International Student Assessment، المعروف اختصارًا بـ«PISA»، أو «برنامج تقييم الطلاب الدولى»، وهو المعيار الذهبى فى القياس والإنجاز التعليمى.
■ فى ضوء انتقاداتك للأنظمة التعليمية التقليدية.. كيف ترى مستقبل التعليم؟ وما الذى يجب تغييره؟
- تلك النقطة هى محور كتابى «خمسة عقول للمستقبل»، الذى ناقشت فيه المهارات العقلية الخمس التى ستكون أساسية لتحقيق النجاح فى المستقبل، وكيف أن هذه العقول ستكون ضرورية للتكيف مع التحولات والتحديات المعاصرة، فى عالم يتسم بالتغير السريع.
الخمسة عقول هى: العقل النمطى، والعقل التركيبى، والعقل المبدع، والعقل المحترم، والعقل الأخلاقى. المدارس فى الوقت الحالى مصممة لتطوير «العقل النمطى». لكن يجب عليها محاولة تنمية «العقل الإبداعى» و«العقل التركيبى». أما بالنسبة لـ«العقل المحترم» و«العقل الأخلاقى»، ففى الواقع هذه مهمة العائلات والمجتمع الأوسع، على الرغم من أن المدارس يجب أن تسهم أيضًا.
■ كيف يمكن للتعليم أن يتحول من التركيز على الحفظ والمعلومات إلى التركيز على اكتساب المهارات العملية والقدرات النقدية؟
- أنا متفق على السعى لتحقيق هذا الهدف. لكن إذا لم يتشارك المعلمون والمتعلِمون فى السعى لتحقيق هذا الهدف فلن يتحقق. لهذا الهدف بالتحديد ابتكرت جامعة هارفارد «Harvard Project Zero»، أو «مشروع صفر هارفارد»، الذى عملت عليه لأكثر من نصف قرن، وأوصى بالتعرف والاستفادة من نتائجه وتقنياته.
تأسس المشروع عام ١٩٦٧، والهدف الأساسى منه دراسة وتطوير الفهم فى مجالات التعليم والفنون والإبداع، ويركز أكثر على تعزيز الفهم العميق لدى الطلاب، بدلًا من التركيز على الحفظ السطحى للمعلومات، وهو منشور على موقع « pz.harvard.edu».
■ ما المواد الدراسية التى تعتقد أنها لم تعد تلبى احتياجات الطلاب اليوم؟ وما المواد التى يجب إضافتها؟
- لن أنحى أى مواد أو موضوعات راسخة ما لم يظهر أنها غير ضرورية. أما بالنسبة للموضوعات التى يجب إضافتها، فأعتقد أن تدريس وفهم ما يمكن أن تفعله أجهزة الكمبيوتر والأنظمة الحاسوبية، وكيفية عملها، وما لا يمكنها أو لا ينبغى لها فعله، هو أمر حتمى فى القرن الحادى والعشرين.
■ هل حقًا هناك أنظمة تعليم ومناهج دراسية تقلل من ذكاء الأطفال؟
- أظن أن هذا ادعاء غبى. فقد تتغير دوافع الطالب أو اهتماماته أو إبداعه. لكن لا يوجد أى أساس للادعاء بأن الفطنة أو الذكاء يتضاءل لمجرد أن شخصًا ما يذهب إلى المدرسة!