مصطفى ذكرى
سهل جدًا يبقى عندك وجهة نظر، وإنه وجهة النظر دى ينتج عنها رأى، والرأى دا يؤدى إلى موقف، لكن صعب جدًا تلتزم بـ الموقف دا عمليًا، مهما كانت التكلفة، ومهما كانت الإغراءات.
عرفنا اسم مصطفى ذكرى منتصف التسعينيات، كان هو لسه ما كملش تلاتين سنة، لكن اسمه بقى زى الطبل، بعد ما اتعرض فيلمه «عفاريت الأسفلت» من إخراج أسامة فوزى. وقتها كان إنتاج فيلم عمومًا أمر شديد الصعوبة، حتى للنجوم الكبار من فنانين أو مخرجين أو كتاب، وكان عدد الأفلام فى السنة قليل جدًا، فـ إنك يظهر لك فيلم دى حاجة تخليك نجم كبير بـ سهولة.
فى نفس الوقت، كان برضه إنتاج الكتب مش ميسور، خصوصًا الكتب الأدبية، وما كانتش كتب البوب ظهرت، ولا الفكرة نفسها منتشرة، كان النشر فى الدولة، ودى ليها شروط معينة قاسية، وكان كتّاب بـ يقفوا طوابير، وفى السياق دا كانت دار «شرقيات» تمثل حالة خاصة أقرب لـ المغامرة، وما كانتش برضه أعمالها بـ الكم اللى يخلق سوق، كانت انتقائية جدًا جدًا، وكان اسم مصطفى من الأسماء القليلة اللى أخدت حيز مهم من إنتاجها.
«الطبيعى» ساعتها إن مصطفى كان يبقى «جماهيرى»، حتى لو كانت الجماهيرية مبنية على إنه مش جماهيرى، لـ إنه آه، عادى، ياما كتّاب عملوا شعبية، وقاعدة من المتلقين ومريدين كمان، وبنوا هذا على إنهم بـ يكتبوا «مش لـ أى حد»، وإنهم على درجة من العمق بـ حيث إنه اللى يقدر يقراهم دا لازم يكون من نخبة ما.
مش عايز أقول أسماء، لـ إن الحكاية مش شخصية، إنما ظاهرة الكاتب الجماهيرى النخبوى دى بدأت من الأدب، وانتقلت لـ الصحافة، وياما ناس أكلت منها عيش، هى بس كان ليها شروط ومتطلبات كلها متوفرة لـ ذكرى ومن وسع.
هو اختار بـ محض إرادته، وبـ صلابة فريدة إنه لأ. الكتابة عنده فعل نخبوى، موجّه إلى قارئ محترف، بل يمكن القول إنه موجّه من كاتب إلى كاتب آخر «على ما أفتكر إنه دا كان كلامه حرفًا فى حوار ما» وهو يبتعد تمامًا تمامًا عن الواقع فى إنتاج كتابته، اللى إنت كـ متلقى خاص هـ تفهم منه الواقع، وتفسر كتير من مكوناته، بس دا موضوعك.
أكيد كاتب زيى مش هـ يكون عنده نفس موقف مصطفى ولا رأيه، إنما ما توقفت وتابعته بـ انبهار هو صلابته فى أن يبقى كما يريد طوال الوقت، رغم إنه دايمًا متاح له كسره أو على الأقل التحايل عليه.
زمان كان عندى فكرة عن الرهبان، إنهم ناس عندهم مشكلة نفسية ما، أو فشل فى التعامل مع الحياة، أو تلقوا صدمة ما خلتهم ينعزلوا، وكانوا بـ يصعبوا علىّ. لـ حد ما بـ الصدفة اشتغلت مع رهبان وراهبات كتير، ولـ فترة طويلة من الزمن، واكتشفت إنه مش بـ الضرورة، بل إنه دا مش الأغلب.
الرهبان اللى احتكيت بيهم، هم ناس محبين لـ الحياة، متفاعلين معاها، طبيعيين جدًا، لكن ليهم نظرة خاصة خلتهم يفضلوا تكوين موقع ليهم بره المنظومة اليومية الاعتيادية، لـ إنه دا مناسب ليهم أكتر، ويخليهم مؤثرين أكتر بـ غض البصر عن حجم التأثير كميًا.
ما شفتش رهبان مصريين كتير، لكن عرفت مصطفى ذكرى، وبـ أتابع بـ حرص ما يكتبه على حسابه، اللى سهل جدًا يلاقى له صيغ تخليه «نجم» بـ كل معانى النجومية ومكتسباتها، لكنه بـ يفضل بـ اختيار حر إنه يحافظ على نقاء أدبه وأفكاره والمتصلين بيه.
حقيقى، اللى فايته التعاطى مع منتج مصطفى ذكرى، فايته كتير.