الخميس 19 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

إبراهيم داوود.. الشاعر والمثقف

إبراهيم داوود
إبراهيم داوود

ما عنديش «مثل أعلى»، وعمرى ما فهمت التعبير دا، علشان كل واحد فى الحياة عنده سيرته ومسيرته وطريقته وبصمته، لكن دا ما يمنعش برضه إنك وإنت صغير تقابل حد، فـ تقول: يا ريت لما أكبر أبقى زيه، والحد دا كان فى حياتى هو «إبراهيم داوود».

عرفت إبراهيم فى الدستور سنة ١٩٩٥، كان بـ يعمل شغل «الديسك» «أى إعادة الصياغة» وأقدر أقول إنه أول واحد اتعلمت منه يعنى إيه القصة دى، وهو كان أسطى من أسطواتها، وجراح فى تعامله مع الجمل والفقرات، إنما كان فيه أسطوات تانيين، دى مش نقطة تفرد عنده، حتى لو كان متميز فيها.

التفرد جه من حاجات تانية خالص، زى إنه كان بـ يفصل تمامًا بين إعادة صياغة مادة صحفية، وكتابة مقال شخصى، كتير من أساتذة الديسك لما يكتبوا، تحس إنه ديسك بـ يكتب، بـ معنى إنه الانضباط سابق الإبداع بـ مسافات، والمنطق سادد طريق الإحساس، إنما داوود كان مختلف، ومقالاته أشبه بـ قصايد وقطع أدبية، مازلت أحتفظ بـ بعض فقراتها وأستعيدها زى ما بـ أستعيد الشعر.

لـ ذلك ما اندهشتش ساعتها لما عرفت إنه داوود شاعر، وقريت له دواوين كانت حدث، ونقطة فارقة فى مسار الشعر الحديث «فى تقديرى» وبعيدًا عن التقييم الأدبى الخاضع لـ الذائقة، فـ داوود من القليلين اللى فضلوا مؤمنين بـ الشعر ومخلصين ليه، ومنتجين، فى ظل توقف عشرات وربما مئات الشعراء لـ إنه الجو العام مش بـ يحتفى بـ الشعر، قد ما بـ يهتم بـ الرواية والكتابة الصحفية وما إلى ذلك.

لكن برضه، مش هو دا اللى بـ أستدعيه لما أفكر فى اسم إبراهيم داوود، إنما فيه تأثير كبير له على، لما خلانى أشوف نموذج لـ المثقف اللى مش بـ يهتم يبدو مثقفًا.

مثلًا مثلًا، كان عيب جدًا إنه المثقف يهتم بـ كرة القدم، أو يكتب عنها، أو يجيب سيرتها، أو يبين إنه مشجع ليها، لكن داوود من أوائل الناس اللى اتكلموا عن تهافت الفكرة دى، مش انطلاقًا من أهمية كرة القدم، ولا لـ إن ليها دور أو حجم أو أى حاجة، إنما من باب إنك ما تكونش إنت، إذا بـ تحب شأن ومهتم بيه، وعندك تعلق، فـ ليه كـ فرد وكـ جماعة وكـ مجتمع تحرم نفسك من التعامل مع هذا الشأن، تحت أى دعاوى، ليه ما تكتشفش نفسك؟ ليه؟

مش بس كرة القدم، لكن حاجات كتيرة، زى تعلقه بـ عالم مقرئى القرآن، هو اللى نبهنى وأنا فى بدايات حياتى لـ كنوز التلاوة والتجويد من مصطفى إسماعيل لـ المنشاوى لـ الطبلاوى لـ لـ لـ، كمان الاعتناء بـ عالم الأغنية، اللى كان كتير من المثقفين على أيامنا بـ يستنكفوا الظهور كـ مهتمين بـ ما يجرى على الساحة الغنائية وتحليله. 

أذكر إنه داوود كان له مقال عن عماد بعرور، ودا مطرب ظهر وانتشر بـ أغنية العنب العنب، وعلى قد ما المقال نفسه كان ساحر والرؤية بصيرة، فـ كان مدهش جرأة واحد من المثقفين رفيعى المستوى إنه يكتب عن مطرب زى دا، أنا شخصيًا، وأنا كنت على قدى خالص، كان صعب جدًا أعمل كدا.

داوود راجل عايش لـ البنى آدم اللى جواه، تفاعل، وقدم وأنتج، واعترض ووافق وراح وجه، إنما المهم إنك فى كل دا بـ تشوف «الإنسان»، الإنسان اللى ما يهموش إنه يقدم حاجة مهمة، قد ما يهمه يقدم نفسه، فـ تطلع كل حاجة بـ يقدمها، مهمة.