ياسر عبداللطيف وقانون الصدق
من الحاجات اللى بـ تهمنى جدًا إنك ما تكذبش علىّ. دايمًا بـ أقول لـ بناتى إننا ما ينفعش نكذب على بعض، مش لـ إن الكذب حرام، ولا لـ إن الكداب هـ يخش النار، ولا علشان هو رذيلة، إنما بـ الأساس لـ إن الكدب بـ يضيع الطمأنينة بين الناس، والطمأنينة تكاد تكون أهم ما يبحث عنه الإنسان، إذ إن تبديد المخاوف مقدم على إشباع الرغبات.
بعيدًا عن العلاقات الشخصية المباشرة، لو تأملنا الكتابة مثلًا، هـ نلاقى من نوادر النوادر إنك تلاقى كاتب ما يكذبش عليك.
الكذب هنا، حفظك الله، مش عملية نقل معلومات مغلوطة مثلًا، أو تصدير ادعاء ما، أو شهادة زور أو ما أشبه من أمور اعتيادية ومتوقعة. إذ إنه فيه ناس بسم الله ما شاء الله تمتلك قدرة رهيبة على صياغة حكاية طويلة عريضة، مفيهاش ولا معلومة غلط، لكن كلها كدب فى كدب، مش عايز أذكر أسماء، بس هـ يروحوا من ربنا فين؟
الصدق، بـ عبارة بسيطة، هو وضع كل الأمور فى سياقها وبـ حجمها، وعدم التعمية عن بعض الأجزاء بـ طبيعة الحال. وهى دى الميزة الأهم فى كتابات ياسر عبداللطيف، اللى بـ أحس إنه حتى لو عايز يكدب مش هـ يعرف.
أول حاجة عرفتنى على ياسر رواية «قانون الوراثة»، ومن خلالها اكتشفت مصدرًا جديدًا لـ الجمالية بـ النسبة لى، وهو ما يمكن أن أسميه «جمالية الصدق». لـ الأسف، تعبير «الصدق» فى سياق الكتابة بقى مبتذل، لـ إنه بـ يستخدم عادة بـ معنى إنه المشاعر قوية «ويا حبذا لو سينتمنتال» أو فى أفضل الأحوال بـ يشار بيها إلى إنه الكاتب نقل لنا ما يشعر به تمامًا.
الحاجات دى مفيهاش جمالية فى تقديرى، ما ممكن تنقل لنا ما تشعر به فعلًا، بس يبقى تافه، أو إنت شخصيًا تبقى تافه عديم القيمة. كما إنى لا أفهم معنى «قوة المشاعر»، المشاعر لا تكون قوية بـ الدلدقة، لـ ذلك ما كنتش بـ أحبذ تعبير «الصدق» فى سياق الأدب، لكنى راجعت نفسى بعد عدة أعمال، ربما يكون أولها قانون الوراثة.
ياسر فى الرواية دى قدر يسرد جزء معتبر من تجربته هو فى الحياة، وهو بـ ينظر لها من بره، كـ إنه حد تانى بـ يحكيها، رغم كدا فضلت التجربة مشحونة بـ ثقل المشاعر والتفاعل، وراصدة لـ التحولات الشخصية والطبقية، ومسجلة لـ تفاصيل مش هـ تلاقيها مكتوبة غير فى الرواية دى، لا أدب ولا صحافة ولا حتى هـ تشوفها فى وثائقيات.
رغم مرور سنين كتير على صدور قانون الوراثة، لكن ما لاحظته إنه ياسر لم يفقد جمالية الصدق دى، بـ المفهوم دا، مطلقًا، لا فى أعماله، ولا حتى فى تفاعلاته بـ ما فى ذلك العابر منها، ولو كان كومنت على بوست فى فيسبوك.
آخر حاجة قريتها له عملين، محمد شطا الشاعر أم الفلاح الأجير، وعمل تانى عن الليلة الكبيرة، فى قصة شطا لاحظت إن تجربته بقت أغنى وأعنف، مع ذلك أصدق، لـ إنه حكاها منعكسة فى تجارب تانية ما عاشهاش، لكن كل واحد مننا عاشها بـ طريقته، أو عاش الأجزاء المهمة منها فى حياته بـ شكل مخيف.
ما أعتقدش إنه حد من سنى، أو مولود عشر سنين قبلى أو عشر سنين بعدى، هـ يقرا محمد شطا من غير ما يشوف نفسه على الأقل فى تفصيلة أو تفصيلتين مهمين.
هو دا الصدق، الصدق يعنى الطمأنينة، والطمأنينة هى الونس.