تأصيل الذكورية.. كيف تقهر السينما المصرية المرأة؟
مصر من أوائل الدول التى قامت فيها صناعة سينما فى العالم، وتاريخ السينما قام على أكتاف النساء من خلال حماسة النساء للفن الجديد، فتاريخ السينما المصرية يحمل أسماء مثل عزيزة أمير، وبهيجة حافظ وآسيا، والعديد من الأسماء، واللاتى عبدن الطريق فيما بعد ذلك لصناعة سينما متميزة، ومهدن للعصر الذهبى للسينما فيما بعد.
وعلى الرغم من أن الريادة تحملها النساء إلا أن السينما لم تتخلص من التمييز ضد المرأة فيما بعد، فسيطر الذكور على مجالات ما وراء الكاميرا، حتى إنه فى حقبتى الخمسينيات والستينيات لا نجد المرأة المخرجة أو السيناريست- ظلت آسيا داغر على عرش الإنتاج السينمائى من خلال شركتها لوتس فيلم- بالتبعية أفرزت هذه الهيمنة الذكورية نظرة خاصة تجاه المرأة وقضاياها، والتى تمت مناقشتها من خلال وجهة نظر رجل بلا شراكة حقيقية من المرأة إلا كونها ممثلة.
فكانت الصورة النمطية للمرأة على الشاشة إما الفتاة المقهورة، والتى تكون نجاتها من خلال رجل ينقذها من القهر، أو المرأة اللعوب التى تريد الاستحواذ على نفس الرجل حتى لا يذهب للفتاة المقهورة ملائكية الطباع، هذا بخلاف صورة الأم، والتى لا تخرج أيضًا عن النمطين الأم المغلوبة على أمرها، وعلى الجانب الآخر الأم المتسلطة.
فكفاح البطلات كله يدور حول الزواج من البطل، والتى تنتهى الأفلام بالنهاية السعيدة بزواج البطل والبطلة.
هذا بخلاف الصفعة التى تتلقاها البطلة أو المرأة المتسلطة، وتقبلاها ويتم تغيير الأحداث للوصول للنهاية السعيدة المنتظرة.
من أشهر هذه الصفعات صفعة الريس حنفى لزوجته أم حميدة فى فيلم ابن حميدو، من إخراج فطين عبدالوهاب، والتى انتهت بأنها أطلقت زغرودة، وتم الزفاف السعيد.
أيضًا فى فيلم خلى بالك من زوزو، من بطولة سعاد حسنى وحسين فهمى، إخراج حسين الإمام، والذى قام فيه المخرج التقدمى سعيد بصفع الفتاة زوزو على وجهها حتى لا تذهب لترقص فى كباريهات شارع الهرم، فى موقف غير منطقى، فالبطل لم يحاول أن يتحدث مع البطلة الجامعية المأزومة، حتى إن هذه البطلة، والتى فى الأساس راقصة ابنة راقصة «من كار العوالم»، تقبلتها صامتة مع صيحة الأم ينصر دينك.
يخرج المتفرجون من السينما وهم مقتنعون بأن جميع المشاكل مع النساء يتم حلها عن طريق الضرب فى العموم، ومن هذا الجيل لم تتمن أن تكون مثل سعاد حسنى؟ فأصبح العنف هو لغة الحب والاهتمام، ولغة النقاش.
وحتى نكون منصفين لم تخلُ حقبتا الخمسينيات والستينيات من أفلام حاولت أن تكون مختلفة فى مناقشة قضايا المرأة، مثل فيلم أنا حرة لصلاح أبوسيف، أو فيلم المراهقات من إنتاج ماجدة الصباحى بطلة الفيلم، ومن إخراج أحمد ضياء، والذى ناقش فكرة تسلط المرأة على المرأة، وأيضًا مشاكل الفتيات فى المجتمع الشرقى، ولكن كالعادة فى تلك الحقبة انتهت مشكلة الفتيات بالخطبة والزواج، ومشكلة الفتاة الحامل سفاحًا بالانتحار، دون تقديم أى حلول حقيقية لهذه المشكلات أو القضايا المطروحة؟
من غير المنطقى أن نحاول أن نحكم على أفلام هذا العصر بمعاييرنا، فما تم تناوله كان جريئًا فى تلك الفترة، ولكنه أيضًا منقوص، حتى لو لم يكن دور الفن تقديم حلول، إلا أن هذه الأفلام وغيرها أصلت أن مشكلة المرأة الوحيدة هى الرجل، فهى مستعدة للتضحية بطموحها الوظيفى والعلمى من أجل رجل، مثل فيلم أنا حرة، والزواج والخروج من سيطرة الأسرة لسيطرة رجل فى فيلم المراهقات.
يظل أفضل مشهد على الإطلاق تناول فكرة ضرب المرأة هو فيلم الزوجة رقم ١٣، من إخراج فطين عبدالوهاب، فحينما قام البطل مراد، والذى قام بدوره رشدى أباظة، بصفع البطلة، قامت عايدة والتى قامت بدورها شادية برد الصفعة له، فهى أيضًا قادرة على العنف ورد الإهانة.