الأربعاء 18 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هشام عوف

هشام عوف
هشام عوف

سافر هشام عوف من غير وداع.

فى فورة ٢٠١١ وما بعدها بـ قليل، كان كل يوم يظهر ناس تقول: كانوا فين دول من زمان؟ وإزاى ما عرفتهمش؟ ناس فى كل مجال ومن كل جهة. بس بعد شوية يبدأ الفرز، وتعرف إنه اللى رمى فلان دا فى طريقك هو الموجة اللى شالت حاجات كتير مكانها قاع البحر، وفضل بس اللى عنده قدرة على مقاومة سحب البحر، ومن اللى فضلوا كان هشام عوف.

طول عمرنا وكلمة البراجماتية متهمة، وفيه خلط بينها وبين مفاهيم سلبية أخلاقية زى الانتهازية، أو الأنانية أو النفاق أو أو أو، وطول الوقت، رغم إنى مش براجماتى، كنت أحس إنه هذا التوجه مشوه، ومن خلال قراءات الواحد المتواضعة، فـ هى تعنى الالتفات إلى التأثير العملى لـ الأدوات، مش الأدوات ذاتها، وعلى رأس الأدوات دى هى الفكر.

بـ بساطة، مش شغلانة الفكر هو تحديد ما ينبغى، ولا معرفة الحقيقة، ولا تقديم وصف «سليم» لـ الظواهر، لكن التعامل مع أى فكرة بـ مسطرة قدرتها على التفاعل مع، ومن ثم التأثير فى مكونات الواقع، مهما كان التأثير دا محدود، لكن غيابه يعنى عدم الاعتداد بـ الفكرة من أساسه، مهما بدت منمقة ومرتبة ومتماسكة نظريًا ومنطقيًا.

لكن فى حياتى ما كنتش قابلت حد تنطبق عليه صفة البراجماتية، ولو نسبيًا. عالمنا الغارق حتى أذنيه فى مثاليات من كل الاتجاهات، لا يفرز سوى مطلقى شعارات، سواء يمين أو يسار، دينى أو لا دينى، قومى ولا أممى ولا وطنى، الكل يلتفت إلى ما ينبغى، ويتكلم انطلاقًا منه وانتهاء بيه، لـ حد ما قابلت هشام عوف.

عن قرب، شفت إزاى البراجماتية ممكن يكون ليها نسق إنسانى، مش عايز أقول أخلاقى علشان ما نغرقش فى نفس ذات نفس الدايرة، بس يعنى إيه تقيس كل حاجة بـ العملية والنفعية مع ذلك لا تتحول إلى ذات تقبل أى شىء فى سبيل «المصلحة» بـ المفهوم الضيق، ومنه اتعلمت أمور كتيرة.

الميزة الكبرى فى هشام إنه كان متصل بـ مجالات متنوعة، يعنى ثقافيًا هو كان قارئًا جيدًا جدًا، واشتغل فى مجال الكتب، وعلى معرفة بـ النشر وسبله ووسائله، كمان اتصاله بـ الميديا من عدة جوانب كان بـ يعمق هذا الجانب النظرى، وكان الحوار معاه ممتعًا لـ أبعد حد.

على جانب آخر هو كان «بيزنيس مان» حرفيًا، بـ معنى «رجل أعمال» مش فكرة شخص غنى معاه فلوس وبـ يدير شركات، لأ، هو رجل أعمال يعنى يفهم ما هو العمل، وكيف تتكون الشركات، وكيف تدار الصراعات، وكان على اطلاع بـ تاريخ الشركات الكبرى وطبيعة تكونها، والنزاعات اللى خاضتها.

ثم، رغم إنه مش كاتب بـ المعنى الاحترافى، لكن قلمه بـ اللغة المصرية كان رشيقًا، فـ سجل بعض هذه المعرفة والأفكار فى صفحة «يوميات برجوازى صغير»، اللى كانت إلى جانب جرعة المعرفة والمعلومات خفيفة الظل إلى حد بعيد، ولو كان ركز فى إنه كان يقدم محتوى اقتصادى شعبى، كان ممكن يعمل حاجة متميزة جدًا.

تقاطعت معاه كما هو معلوم فى تجربة الحزب، وفى عدة تجارب بعضها اتعرف، بعضها لم يكتمل، بعضها كان فكرة أو حلم، ودا خلانا نتقابل كتير، وكانت أكتر حاجة مدهشة فيه هى موضوعيته الهائلة، وقدرته على فصل الأمور، تقريبًا عمرى ما سمعته بـ يهاجم حد لـ الآخر، أو يتبنى حد أو فكرة لـ الآخر، وإجمالًا كان شخص نموذج لـ التفاعل المريح.

يالا، كلنا لها.