إيمان مرسال
عمرى ما قابلت إيمان مرسال، لكنى قابلتها كتير جدًا.
ما قابلتهاش شخصيًا لـ الأسف، لكنى قابلتها أول مرة سنة ١٩٩٠، كنت لسه بـ أبدأ طريقى فى دنيا الأدب والثقافة، وكانت هى مطروحة بـ اعتبارها «شاعرة مصر الوحيدة».
طبعًا كان فيه شاعرات كتير، بعضهن ليهم أصوات مميزة، زى كوثر مصطفى وكريمة ثابت وأمل جمال.. ووو. لكن اسم إيمان مرسال كان متفرد؛ لـ إنها مش ست/ بنت بـ تكتب شعر، إنما تقدم بـ اعتبارها «شاعرة»، مش عارف إذا كان الفرق واضح ولا لأ، بس خلينا مثلًا فى كوثر مصطفى الشاعرة الكبيرة.
كوثر مصطفى ما كنتش اتعرفت لسه فى الأغانى، ما كانش منير غنى لها حاجة، وما أفتكرش حد تانى كان غنى لها، لكنها كانت نشطة فى الندوات والأمسيات الشعرية فى كل مصر، حتى خارج القاهرة. ولما كان اسمها يتذكر فى الأوساط الأدبية الضيقة، كان ينطرح اسم ديوانها «موسم زرع البنات»، وقصيدتها: وما كنتش أنثى، فـ كونها ست/ بنت، دا حاضر فى تجربتها وتقديمها ولا يمكن فصله.
إيمان لأ، كانت مطروحة بـ اعتبارها شاعرة. نقطة. ومع إنها كانت صغيرة برضه فى السن، أوائل العشرينات- إن لم تخنى الذاكرة- ما كانتش بـ تتوصف بـ الشاعرة الشابة، لا، شاعرة. نقطة. وكان ديوانها «اتصافات» من الفتوح، ويؤسس لـ كتابة جديدة، وحساسية مختلفة فى الشعر والأدب عمومًا.
ثم إنى قابلتها تانى بعد كام سنة، منتصف التسعينيات تقريبًا، وكنا تجاوزنا السؤال: هل هى شاعرة من دون إضافة ست/ بنت/ شابة، ولا دا له حيثية، وكانت بقت بـ الفعل اسم من الأسماء المعدودة فى القصيدة الجديدة، وصدر لها ديوان: «ممر معتم يصلح لتعلم الرقص».
الديوان دا من العنوان يأخدك فى عوالم شديدة الخصوصية والألفة، ألفة بـ النسبة لى على الأقل، الديوان دا صحبنى وصحبته طويلًا، وكنت بـ أحفظ منه قصايد، رغم إنه ديوان نثر، الوزن برضه بـ يساعد على الحفظ، إنما كنت أشعر بـ إنه الديوان دا غنائى، رغم تخلصه من بحور الشعر الكلاسيكية وقوافيه.
بـ المناسبة، الديوان دا من بدايات قصيدة النثر العربية، وأظن إنه ساهم كتير فى جرأة شبان كتير وقتها «كنت منهم» على كتابة القصيدة الجديدة، مش لـ وحده طبعًا، كان وقتها إبراهيم داوود وعماد أبوصالح وصادق شرشر وطارق هاشم وغيرهم، لكن لو سمينا عشر شعراء بـ الكتير، إيمان هـ تكون منهم بـ ديوان «ممر معتم».
بعدها بـ شوية صغيرين، صدر لها «المشى أطول وقت ممكن»، ومش عارف ليه العنوان دا لزم فى ذهنى «المشى أطول فترة ممكنة»، كنت حاسس تعبير الفترة أليق على أجواء الديوان من الوقت، بعدها أفتكر هى سافرت، والدنيا اتغيرت، والبحر عاود مقبل على رأى الصعايدة، والحياة مشيت عكس الاتجاه، وفضلت إيمان بـ النسبة لى فترة طويلة علامة فى طريق بدأ. بدأ بس وما اكتملش.
بعد ٢٠١١، وانتشار فيسبوك، رجعت أقابل إيمان مرسال تانى، بس المرة دى متقاطعة مع ملفات كتير، وحاجات ثرية، لكن مش بـ أعتبر ليها خصوصية، لا ليها ولا لىّ. اسمها برز فى مجالى كـ مثقفة أديبة ناشطة، أعمالها وترجمتها والمترجم عنها بـ يفتح قضايا مش موضوعنا الخوض فيها دلوقتى.
الحاجة الوحيدة اللى بقيت من إيمان القديمة «بـ غض البصر عن الخصوصية» هو عدم المجانية، الست مش بـ تعمل أى حاجة دون إحداث أثر، وفتح مجال كلام وتفكير ونقاشات، وناس مع وناس ضد، وشجون «الكثير من الشجون فى الحقيقة».