الجمعة 27 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد الخميسى: أكتب طوال الوقت.. حتى وأنا نصف نائم

أحمد الخميسى والزميل
أحمد الخميسى والزميل ايهاب مصطفى

- أكتب ببطء وقد أراجع القصة 40 مرة.. وأرى أن اللغة ليست أدبًا

- الفكاهة عميقة فى روحى واللهم أبعدنى عن قتلها!

- وصول «حفيف صندل» إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى فاجأنى

- الجوائز لا تصنع مُبدعًا.. وأؤمن بأن مواصلة الكتابة هى الجائزة

وصل الدكتور أحمد الخميسى إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، عن مجموعته القصصية «حفيف صندل»، الصادرة عن دار «كيان» للنشر والتوزيع، وهو المصرى الوحيد ضمن القائمة، التى أُعلنت نتائجها أمس الأول. وصحيح أنه يرى وصوله إلى القائمة الطويلة «مفاجأة» بالنسبة له، خاصة أنه لم يتقدم إلى الجائزة بنفسه، لكن يمكن اعتبار هذا الوصول مستحقًا وأكثر، بالنسبة لكاتب يعتبر الكتابة أقرب إلى «فتح جرح»، ومواصلتها بشكل يومى هى الجائزة فى حد ذاتها.

عن وصوله إلى جائزة الملتقى، ورأيه فى الجوائز ودورها فى حياة المبدع، وطبيعة وأسلوب أعماله القصصية، ونظرته إلى الكتابة بصفة عامة، يدور حوار «حرف» التالى مع الدكتور أحمد الخميسى.

■ ماذا تقول عن وصولك إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية؟

- وصول مجموعتى «حفيف صندل» إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى كان مفاجأة لى، والسبب أننى لم أكن أنا من تقدم إلى الجائزة، التى تعد أكبر جائزة للقصة فى العالم العربى، بل كان الناشر، وهو دار «كيان» للنشر والتوزيع.

هذا لأننى حقيقة لا أتابع حركة الجوائز العربية والمصرية، وربما يعود ذلك إلى شعورى، أو حتى يقينى بأننى وكل كاتب يفوز بجائزة مواصلة الكتابة فى حد ذاتها كل يوم. ومع ذلك فقد أسعدنى بالطبع أن أكون فى العشرة الأوائل من كُتاب القصة فى عالمنا العربى. وصدقنى إذا قلت لك إن جزءًا كبيرًا من هذه السعادة مرده أننى المصرى الوحيد، مع ٩ مبدعين آخرين من البلدان العربية.

سعيد بأن أسجل حضور الأدب المصرى مع أدباء كبار. كان من المكن أن يسجل حضورنا القاص محمد خير أو صفاء النجار أو عزة دياب، أو أى من مبدعينا الأعزاء فى فن القصة، ولم تكن سعادتى لتقل فى تلك الحال، لأن المهم تكريم إنجازات الأدب المصرى، بغض النظر عن الأسماء.

فى هذا الصدد أجدنى أتذكر جملة للكاتب الروسى العظيم أنطون تشيخوف قال فيها: «إن الكُتّاب يتقدمون ليس فى صف رأسى، الأول فالثانى فالثالث، بل يتقدمون فى صف أفقى بالعرض، معًا، كتفًا بكتف، معًا». أنا لدى إيمان عميق، بأننى وزملائى من الأدباء نقوم معًا برسم وتصوير الزمن الذى نعيشه، كل بريشته وألوانه الخاصة، معًا نرسم لوحة كبيرة.

■ كيف ترى الجوائز وما تقدمه للمبدع؟ وهل نحن فى حاجة لجوائز جديدة فى القصة والشعر والرواية؟

- لا شك أن الجوائز تقدم للمبدع حافزًا معنويًا على الاستمرار، بل وماديًا أيضًا، فى ظل الظروف التى أصبح مردود الأدب فيها ضئيلًا. الجوائز حافز على طريق الإبداع، لكنها لا تصنع مبدعًا.

أما عن احتياجنا لجوائز جديدة فهذا أمر واضح وضرورى. نعم نحن فى مصر تحديدًا بحاجة إلى جوائز، لا أقول جديدة ولكن أقول كبيرة، خاصة فى مجال القصة القصيرة، وربما فى الشعر أيضًا. أما عن الرواية فإنها تحظى بقدر كبير من الاهتمام.

■ «تعب فى الركبة» قصة من مجموعتك «حفيف صندل»، تميل إلى عرض الحياة من زاوية فكاهية، ومنذ أيام، نشرت قصة «ونسة» التى تميل إلى نفس الجانب.. هل تمثل هذه النظرة ملمحًا أساسيًا لدى أحمد الخميسى؟

- فى واقع الأمر، التناول الفكاهى لقضايا الحياة فى الأدب عميق وأصيل فى نفسى. لكنه ظل محرومًا دومًا من الظهور والتجسد. بهذا التناول كتبت مسرحية اسمها «الجبل»، فازت بالمناسبة بجائزة سورية، وكانت حافلة بالكوميديا الأقرب إلى «الفارس الشعبى» و«التهريج».

هذا الجانب عميق فى روحى، لكنه قلما يظهر، وذلك لسبب غريب، أن الكتابة عندى فى معظم أوقاتها وحالاتها أقرب إلى فتح جرح، لذا ما أن اقترب من الورق حتى أجدنى أقترب من جراحى وجراح الآخرين، ومن ثم تخبو عندى روح الفكاهة.

لكن الجانب الفكاهى، كان يظل يثب أمامى من فترة إلى أخرى، وبرز فى قصص مثل «أفندم» و«تعب فى الركبة» و«خطاب شكر». ومؤخرًا كتبت فى ذلك النوع قصة اسمها «فنان»، ثم قصة «ونسة» التى نشرت منذ أيام قليلة فى جريدة «الجمهورية».

كثيرًا حينما يبرز هذا السؤال أجدنى أتذكر كلمة الدكتور على الراعى، حين قال عن توفيق الحكيم: «قتل فى نفسه المهرج الشعبى لصالح المفكر البارد»، فأقول لنفسى: «اللهم أبعدنى عن قتل الفكاهة»، فالتناول الفكاهى شىء أصيل فى نفسى وفى الأدبين العالمى والمحلى أيضًا.

■ فى المجموعة أيضًا قصة بعنوان «أول العشق».. هل يمكن أن نطلق عليها «قصة رومانسية»، خاصة أن الدكتور يسرى عبدالله قال إن أدبك «يقوم على مزيج من الرومانسية والواقعية»؟

- كان الدكتور يسرى عبدالله محقًا تمامًا، حين وضع يده بخبرة وعين الناقد الكبير على المزيج الذى تتميز به قصصى، أقصد مزيج الرومانسية والواقعية. فى «حفيف صندل» عدد غير قليل من القصص الرومانسية، مثل: «ضوء فى الشرفة» و«غريبان» و«لحظة حب» و«أشواق شاقة» و«أول العشق».

والحقيقة أن هذا الجانب، إذا جاز أن نطلق عليه الرومانسى، جانب أصيل من الصعب تفسير سطوته، أو فهم لماذا يغلب على قصصى. كما أنه من الصعب تفسير لماذا يغلب حب الطبيعة والوصف على ما عداه فى أدب تورجينيف، أو لماذا يغلب حب الواقع الاجتماعى التاريخى على ما عداه فى روايات تولستوى، أو لماذا يغلب الجانب الفلسفى على ما عداه فى أعمال نجيب محفوظ.

من الصعب تفسير ذلك، لكنى أعتقد أن هذا يعود الى أسباب معقدة خاصة بشخصية الكاتب وطفولته وثقافته وأحلامه. لكن فى كل الأحوال، هذا الجانب يشكل ركيزة عندى، مع العلم أن الرومانسية فيما أكتبه ليست تلك الرومانسية بالمعنى المتعارف عليها، بل هى أقرب إلى الولوج أو التوغل فى عالم الأحلام والأمنيات. أظنها تظهر عندى بهذا المعنى. ولا أستطيع أن أدعى أن ذلك إيجابى أو سلبى، لكنها طبيعتى الشخصية التى لا أستطيع التخلص منها.

أحمد الخميسى والزميل ايهاب مصطفى

■ صدرت مؤخرًا أعمالك الكاملة عن دار «أطياف».. كيف استقبلت ذلك؟

- تكرمت الصديقة العزيزة الكاتبة الكبيرة صفاء النجار بجمع كل ما كتبته من قصص، فى جزأين ضخمين، تحت عنوان: «الأعمال القصصية الكاملة لأحمد الخميسى». هل أقول إن ذلك كان التفاتة تكريم عزيز؟ هو أكثر من ذلك إذا نظرت إلى حجم السعادة التى حركها ذلك النشر. كان ذلك أقرب إلى رسالة محبة نبيلة من دار «أطياف».

■ عملت مراسلًا لجريدة «الاتحاد»، وزرت الشيشان فى ظروف الصراع الشيشانى الروسى، ثم أصدرت كتابًا بعنوان «الصعود إلى الجبال الشيشانية».. كيف ترى تأثير هذه التجارب فى كاتب القصة؟

- خلال وجودى فى موسكو عملت مراسلًا لجريدة «الاتحاد» الإماراتية، وكان على أن أزور داغستان قاصدًا الشريط الحدودى بين داغستان والشيشان، الذى كان يلجأ إليه آلاف الشيشانيين هربًا من القصف الروسى. كان المطلوب تحديدًا أن أغطى الظروف التى يعيشها أولئك اللاجئون فى خيام.

حين وصلت إلى الشريط الحدودى رأيت الشيشان على بعد ٢٠٠ متر منى، فقلت لنفسى: كيف أكون هنا ولا أرى الحرب المشتعلة؟ قررت أن أعبر الحدود إلى الشيشان، رغم القصف، وأبلغت الصحيفة بقرارى فأصابهم الفزع وقالوا لى إن الصحفيين يُقتلون هناك كالذباب، فلا تذهب إلا بعد أن نرتب لك تأمينًا على الحياة تنتفع به ابنتك إذا حدث شىء!

رتبوا لى تأمينًا بالفعل، وبعدها بأيام دخلت إلى الشيشان فى عربة خاصة استأجرتها. هناك جلست مع المقاتلين بين الجبال نحو أسبوع. وفى طريق عودتى كانت كل البيوت التى رأيتها سابقًا مجرد أنقاض وركام. مغامرة شيقة وغنية، ورحلة فى تاريخ تلك المنطقة التى دخلها الإسلام فى القرن السابع الميلادى، وفى تاريخ الصراع الروسى الشيشانى، وفى نفوس من التقيت بهم طوال الطريق. وحين عدت إلى داغستان التقيت بشاعرها العظيم رسول حمزاتوف.

بالطبع هى خبرة خاصة، ولا شك أن لها تأثيرًا ربما لا يظهر فورًا فى أعمال أدبية. لكنه ظهر فى كتاب كامل اسمه «الصعود إلى الجبال الشيشانية»، وفى اختزانى نماذج بشرية مقاتلة تعرفت إليها بين الجبال تحت وقع الرصاص. كانت هناك ما زلت أذكرها شابة اسمها «فاطمة»، كانت تتحرك وعلى كتفها طوال الوقت البندقية. تقدم لنا الشاى وتتحسس السلاح. تبقى هذه النماذج فى الروح ولعلها تتحين فرصة الظهور فى عمل أدبى.

■ وصفك الناقد الكبير علاء الديب بأنك «صائغ يشتغل فى الذهب الغالى».. هل يمكن أن تحدد أسلوب كتابتك القصة القصيرة؟

- لم أكن أعرف الناقد الكبير الأستاذ العزيز علاء الديب شخصيًا إلى أن كتب مقالًا عن مجموعتى «قطعة ليل»، وهى أولى المجاميع التى أصدرتها بمفردى. قال فى ذلك المقال إننى أشبه بـ«صائغ يشتغل فى قصصه على الذهب الغالى». كان هذا المقال حافزًا للتعرف عليه وزيارته، ثم أصبحنا صديقين مقربين.

ملاحظة علاء الديب هذه دقيقة جدًا لا يلتقطها إلا ناقد كبير حقًا. وأذكر أيضًا أنه قال: «إن هذا كاتب لا يهدأ حتى تستقر كلماته على شاطئ الموسيقى». بمعنى أن القارئ يشعر دائمًا بإيقاع الموسيقى فى لغة القصة. هذا ملمح مهم فى تجربتى الكتابية.

فى هذا السياق، أتصور أن هناك قواعد عامة تحكم القصة القصيرة، ثم يأتى داخل هذه القواعد تميز كل أديب وروحه الخاصة. بالنسبة لى أنا أولى اللغة اهتمامًا بالغًا. وطالما كنت أكرر فى ورش القصة التى نظمتها، إن اللغة ليست أدبًا، بمعنى أننا قد نجد نصوصًا بليغة مثل، خطب مصطفى كامل وسعد زغلول وشيشرون الرومانى. فى هذه الخطب تظهر بلاغة اللغة. لكن اللغة ليست أدبًا. أما الأدب فهو لغة، كله لغة. بمعنى أن الكاتب إذا لم يكن متمكنًا من اللغة فإنه يصبح عاجزًا عن التعبير والوصف والتفسير.

أيضًا هناك ما هو ثابت فى القصة القصيرة وما هو متحرك، بمعنى أنه لدى كل أديب مساحة يتحرك فيها. لكن حركته تظل محكومة بقواعد أساسية تميز القصة القصيرة كنوع أدبى. من هذه القواعد أنه لا بد أن يكون هناك حدث، وأن تكون شخصيات القصة القصيرة قليلة، والمكان محدود، والزمان أيضًا.

هذه الثوابت. أما المتحركات فهى ما الذى يمكن أن يطرحه الأديب فى إطار هذه الثوابت؟ ما الذى يمكن أن يميزه من الناحية الشخصية؟ هل يميزك الجانب الشعرى أم الفلسفى؟ كل كاتب يتميز بنبرته الخاصة. عندى اهتمام بالإيجاز والشاعرية، أو ما أطلق عليه الدكتور يسرى عبدالله «الرومانسية».

■ هل لديك أعمال لم تنشر بعد أو تكتبها حاليًا؟

- نعم، عندى أعمال ومخطوطات كثيرة لم تُنشر، تتطلب كلها الجهد والصحة والوقت، خاصة أننى أكتب ببطء، وأراجع القصة الواحدة أحيانًا 40 مرة. وهناك قصص أعمل عليها حاليًا، وأنا فى الحقيقة أكتب طوال الوقت، أكتب وأنا صامت، أكتب وأنا آكل، أكتب وأنا نصف نائم.

تظل القصص التى أعمل عليها فى رأسى لا تبرحه، تطرح نفسها مثل كائنات تريد أن ترى الحياة. عندى كثير من الأفكار والمسودات، وأعمال كتبت إلى منتصفها، وأعمال كُتبت كاملة لكن غير راض عنها. كل ما أرجوه أن تُتاح لى فرصة لاستكمال ما بدأته.