الخميس 09 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محاكمة ChatGPT.. زياد عبدالتواب: الذكاء الاصطناعى قد يؤدى إلى عالم بلا كاتب أو عازف واحد

حرف

- الخوف الآن من ذكاء اصطناعى مستقبلى «يجعل للآلة قرارها الخاص»

- «شات جى بى تى» وإخوته تقلل القدرات العقلية للإنسان كما فعلت الآلة الحاسبة

- تطبيقات الذكاء الاصطناعى فكرة قديمة بدأت فى أمريكا عام 1956

أصدر المهندس زياد عبدالتواب، خبير التحول الرقمى وأمن المعلومات، الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء، كتابًا جديدًا يحمل عنوان: «العصابة.. محاكمة شات جى بى تى»، عن دار «بتانة» للنشر والتوزيع.

يتوجه «عبدالتواب» فى الكتاب الجديد إلى الجمهور العام وليس المتخصصين فحسب، متحدثًا عن الذكاء الاصطناعى، بداية من تاريخه، وكيف أنه فكرة قديمة تعود إلى منتصف الخمسينيات، مرورًا بمخاطره الكبيرة والمثيرة للجدل، والتى وصلت إلى حد التحذير من إمكانية أن يكون «مهددًا للبشرية» كلها.

عن هذا الكتاب، وما جاء فيه من معلومات مثيرة عن الذكاء الاصطناعى، خاصة ما تسمى «النماذج اللغوية الكبرى»، مثل «شات جى بى تى» و«جيمينى» وغيرهما، يدور حوار «حرف» التالى مع مساعد الأمين العام فى مجلس الوزراء لنظم المعلومات والتحول الرقمى.

■ ما الذى دفعك لكتابة «العصابة.. محاكمة شات جى بى تى»؟

- قبل الحديث عن الكتاب يجب الحديث أولًا عن نشأة «شات جى بى تى»، والذى ظهر فى ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٢، وينتمى إلى نوع من الذكاء الاصطناعى اسمه «النماذج اللغوية الكبرى»، بمعنى أن لديه قاعدة بيانات كبرى فيها أبحاث ودراسات ومقالات وكُتب وروايات ومسرحيات وجداول وأخبار متفرقة، ويعمل البرنامج على معالجة هذه البيانات لإخراج النتيجة، وفكرته نفس فكرة الذكاء الاصطناعى، الذى بدأ الحديث عنه فى الولايات المتحدة عام ١٩٥٦.

■ هل يعنى هذا أن «شات جى بى تى» فكرة قديمة؟ 

- نعم، هو فكرة قديمة جدًا، بدأت فى بحث علمى عام ١٩٥٦ بجامعة «دارت ماوث»، ضمن ورشة عمل عن «محاكاة العقل البشرى عن طريق العقل الإلكترونى، أى الكمبيوتر»، ويقصد بهذه المحاكاة طريقة عمل العقل البشرى، فهو يتعرض إلى مواقف وخبرات ونصائح ومواقف، ويخزنها لديه فى الذاكرة، وفى أى موقف مشابه يسترجعها، ويجرى مجموعة من العمليات العقلية عليها مثل المقارنة والتحليل والتقييم، ثم يخرج بوجهة نظر جديدة أو سياق أو قرار أو تحرك ما، لكن واجهتهم عدة عقبات.

■ ما هذه العقبات التى وقفت فى طريق الذكاء الاصطناعى؟

- لكى «نصنع» عقلًا إلكترونيًا أو ذكاء اصطناعيًا يحاكى العقل البشرى، كانت هناك أكثر من مشكلة، أولاها عدم وجود بيانات رقمية كثيرة متوافرة على الحواسب الآلية آنذاك، والقدرة التخزينية والعمليات الحسابية لهذه الأجهزة كانت ضعيفة جدًا، كما أن البرمجيات لم تكن متطورة بالشكل الكافى، لذا لو طلبت من هذه الأجهزة محاكاة العقل البشرى بتلك المعطيات كانت ستخرج نتائج أقل من طفل صغير.

بعد ذلك، استمرت مسيرة التطور التكنولوجى، فى الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وبدأت الحواسب الآلية تغزو البيوت فى الولايات المتحدة الأمريكية، منذ عام ١٩٧٦، بعد أن كانت مقتصرة على الجامعات وشركات الطيران والبنوك وغيرها، مرورًا بظهور شبكة الإنترنت، وزيادة عدد مستخدميها بشكل كبير، ثم دخول الألفية الجديدة، وطرح الهواتف الذكية وزيادة عدد مستخدميها، وصولًا إلى طفرة شبكات التواصل الاجتماعى، وما صاحب ذلك كله من ظهور أجهزة ذات سرعات وقدرات تخزينية عالية جدًا، بالتزامن مع تطور البرمجيات بقوة.

■ كيف انعكس ذلك التطور على مسيرة الذكاء الاصطناعى؟

- كل هذه التطورات جعلت الملعب مهيئًا أمام الذكاء الاصطناعى، لنعود مرة أخرى إلى الفكرة التى طُرحت فى عام ١٩٥٦، ونحاول تطبيقها فى زمننا الحالى، خاصة مع وجود بيانات رقمية ضخمة جدًا، و«رقمنة» كل المعارف القديمة وإدخالها إلى الحواسيب، وإنتاج المستخدمين بيانات لا حصر لها يوميًا، خاصة على منصات التواصل الاجتماعى، فضلًا عما شهدته الأجهزة من تطورات غير مسبوقة على مستوى القدرات التخزينية والسرعة والبرمجيات.

من هنا بدأت محاولات جديدة مع الذكاء الاصطناعى، لكنها كانت تجارب محدودة وعلى نطاق ضيق، كاستخدام برنامج ذكاء اصطناعى كجزء من آلة موجودة فى مصنع، للتفرقة بين نوعى بسكويت على سبيل المثال، أى أشياء محدودة للغاية، إلى أن جاء شهر نوفمبر من عام ٢٠٢٢، الذى شهد إطلاق الشركة الأمريكية «أوبن إيه آى» نموذج الذكاء الاصطناعى «شات جى بى تى»، مؤكدة أنه «يحاكى العقل البشرى».

والفكرة الأساسية لهذا النموذج أنك حين تسأله عن شىء ما، لن يرد عليك بنتائج بحث مثل محركات البحث القديمة، بل سيجيبك بالكتابة، تقول له ابحث عن موضوع معين، أو بيت شعر أو قصيدة، فيدخل على المواقع وقواعد البيانات الضخمة الموجودة على شبكة الإنترنت، ويعيد صياغة البيانات المطلوبة، ثم يخرج محتوى جديدًا يبدو كأنه «إبداع ذكاء اصطناعى». 

بدأ هذا البرنامج باللغة الإنجليزية، واللغات اللاتينية بصفة عامة، ثم أصبح باللغة العربية بعد ذلك، مرورًا بالكثير من التطورات الأخرى التى شهدها حتى هذه اللحظة، بما فيها الصوت ثم الفيديو فى مرحلة لاحقة. وكلما كانت البيانات المتاحة كثيرة، كانت قدرته على إخراج نتيجة جيدة أكبر.

■ ماذا حدث بعد ذلك؟

- بعد أن أنتجت «أوبن إيه آى» نموذج «شات جى بى تى» استشعرت شركة «جوجل» العملاقة، التى تملك أكبر محرك بحث، بوجود خطر كبير عليها، إذ إن الجميع قد يستعيضون عن محركها البحثى الشهير بنموذج الذكاء الاصطناعى هذا، فقررت إنتاج نموذج مشابه باسم «بارد»، الذى تحول فيما بعد إلى «جيمينى».

ودخلت شركة «مايكروسوفت» على الخط بعدها، وطرحت مساعد الذكاء الاصطناعى الشخصى «كوبايلوت»، ثم العملاقة «ميتا» برئاسة مارك زوكربيرج، التى طرحت «ميتا إيه آى». ولم يترك إيلون ماسك المجال لتلك الشركات وحدها، وطرح نموذج «جروك» على منصة «إكس».

وأشير هنا إلى وجود توقعات بوصول حجم السوق العالمية للتطبيقات شبيهة الـ«شات جى بى تى» إلى ٨٢ مليار دولار، فى عام ٢٠٣٣. بينما سيصل حجم سوق الذكاء الاصطناعى عمومًا بحلول هذا الموعد إلى ١.٣ تريليون دولار، لأن الذكاء الاصطناعى أعم من التطبيقات والنماذج اللغوية تلك، ويُستخدم أيضًا فى الاقتصاد والصناعة والزراعة والنقل الذكى والسيارات ذاتية القيادة، إلى جانب الطب واستكشاف الأمراض، والتعليم والإعلام والسينما والفنون المختلفة، والتسليح والهجمات السيبرانية وصدها.

■ ما مخاطر الذكاء الاصطناعى كما أوردتها فى الكتاب؟

- الإنسان فى حياته كان يعتمد على قدراته العضلية فى الحركة وحمل الأشياء الثقيلة، ثم استعاض عن ذلك بآلات بديلة، فبدلًا من المشى أصبح يركب سيارة، وبدلًا من الحمل أصبح يستخدم آلات رافعة، ومن هنا أصبحت قدراته البدنية أقل من إنسان العصر القديم، الذى كانت صحته أفضل، ودورته الدموية تتحرك بشكل أمثل.

بالتالى، لو أن الإنسان اعتمد على الذكاء الاصطناعى فى التفكير والمذاكرة والتخطيط، ستقل قدراته العقلية عمن سبقوه. أضرب هنا مثالًا بالآلة الحاسبة، التى وصلت إلى مصر أواخر السبعينيات، وقبلها كنا نتعلم الحساب فى المدرسة بالورقة والقلم، كنا نحسب بأيدينا والأكبر سنًا يحسبون بعقولهم بشكل تلقائى وفطرى، أى أن القدرات العقلية فى منطقة الحساب كانت تعمل بكفاءة آنذاك

حين دخلنا فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، كنا نستخدم الآلة الحاسبة، دون أن ندخل بها الامتحان، وبعدها سُمح بذلك. لذا، الآن حين تسأل أى طالب: «٣ × ١٧ بكام؟» لن يعرف، لأن القدرات العقلية المتعلقة بالعمليات الحسابية ضعفت لدى الإنسان، بعدما استعاض عنها بالآلة الحاسبة، التى توفرت فى الكمبيوتر والتليفون وكل شىء تقريبًا.

الأمر ذاته سيكون مع الذكاء الاصطناعى، إذا اعتمد عليه «إنسان المستقبل» فى القراءة والتلخيص والبحث والتخطيط وتقديم العروض، والدراسة والواجب والماجستير والدكتوراه، ليصبح لدينا برنامج يقوم بعمل الصحفى، وآخر يضع المنهج للمدرس، وهكذا، ما يؤدى إلى ذهاب قدراتنا العقلية، كما حدث مع القدرات الحسابية.

■ وماذا عن الجانب الأخلاقى والإنسانى فى تأثيرات نماذج الذكاء الاصطناعى؟

- هذه النماذج قد توحى لك بأشياء غير حقيقية على أنها حقيقية، وبالتالى تتأثر بها وتُسلم على أنها حقيقة. للأسف انبهر كثيرون بنتائج الذكاء الاصطناعى، وصاروا مسلّمين لكل ما يخرجه لهم من نتائج، دون تفكير فى تقييمها والحكم عليها.

وللذكاء الاصطناعى انحيازات، فلو أن البيانات التى أُدخلت إليه منحازة ستعمل عليها «الخوارزميات» وتُخرج نتيجة منحازة. ولو أن البيانات متعادلة أو منطقية، و«الخوارزميات» التى تعمل عليها منحازة، ستخرج البيانات أيضًا منحازة.

مثلًا، لو سألت الذكاء الاصطناعى عن رأيه فى «المثلية الجنسية»، يمكن أن يقول لك: «حرية شخصية وتنوع بشرى، ولا بد لنا من تقبل الآخر بغض النظر عن ميوله الجنسية، وأن هناك كثيرًا من الناجحين فى المجتمع لديهم مثلية جنسية..» إلخ.

الذكاء الاصطناعى هنا تعامل مع الأمر بعيدًا عن الدين، وبعيدًا عن عاداتنا وتقاليدنا، وربما بعيدًا عن العادات المستقرة قديمًا فى أوروبا وأمريكا. كان المفترض هنا أن يقول «المثلية الجنسية حرام، تجرمها الأديان والقوانين، وضد الفطرة الإنسانية، لكن بعض الدول تُقرها». بالتالى، هو هنا ليس محايدًا بقدر انحيازه لثقافة معينة، وداخل هذه الثقافة انحيازات أخرى، حتى إنهم وجدوا له انحيازات ضد الملونين.

■ كيف ذلك؟

- من صممه وضع فيه هذه الانحيازات. مثلًا كان هناك برنامج ذكاء اصطناعى اسمه «المحامى الذكى»، تمت تغذيته بكل القوانين الموجودة، وتدخل له قائمة الاتهام الخاصة بالشخص والوقائع النيابية، فينظر فيها ويضع الدفوع أمام القاضى. اكتشفوا أن هناك انحيازًا من البرنامج ضد المتهم حال كان أسمر اللون، لأن من صمموه من ذوى البشرة البيضاء. كما اكتشفوا أن برامج الذكاء الاصطناعى بها انحياز ضد المرأة، لأن من صممها رجال، وهكذا.

■ وماذا عن إشكالية سطو مثل هذه البرامج على حقوق الملكية الفكرية؟

- هذا اتهام آخر للذكاء الاصطناعى، اتهام يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، فأنت حين تطلب منه رواية، فإنه يؤلف هذه الرواية من عدة روايات موجودة بالفعل، دون الحصول على موافقة الكُتّاب الأصليين أو استشارتهم.

يحدث هذا فى الوقت الذى تقول فيه منظمة حقوق الملكية الفكرية إن الكاتب له حقوق لمدة ٥٠ عامًا بعد وفاته. وأشير هنا إلى أن كُتاب السيناريو فى أمريكا دخلوا إضرابًا عن العمل، لأنهم شعروا بأن الذكاء الاصطناعى سيحل محلهم، وشركات الإنتاج الكبرى لجأت إليه لكتابة سيناريوهات الأفلام.

كما أن الذكاء الاصطناعى لا يفصح عن مصادره، وأنت كمستخدم لا تعرف الخوارزمية التى اعتمد عليها فى الإجاية عليك. مارك زوكربيرج استدعوه فى «الكونجرس»، وواجهوه بتسبب «إنستجرام» فى تعرض الأطفال لمحتوى غير مناسب، ما أدى إلى انتحار بعضهم أو اتجاههم إلى المخدرات، فضلًا عن إصابة البعض الآخر بالتوحد وأمراض نفسية أخرى، وطلبوا منه شرح «الخوارزميات» التى يعتمد عليها التطبيق، لكنه رفض.

■ هل هناك اتهامات أخرى للذكاء الاصطناعى؟

- نعم، هناك اتهام خطير جدًا، يتعلق بأن المستخدم لا يعرف مصير البيانات التى أدخلها إلى نماذج الذكاء الاصطناعى هذه، وكيف ستستخدمها فيما بعد، فضلًا عن اتهام هذه النماذج بنشر بعض الأفكار والتوجهات غير المناسبة لبعض المجتمعات، كما سبق أن أشرت فى موضوع المثلية الجنسية.

وهناك خوف من سيطرة الذكاء الاصطناعى على البشر، كما توقعها العديد من الأفلام السينمائية الشهيرة، فضلًا عن دوره فى «قتل» الإبداع البشرى، وأن استخدامه لفترة طويلة قد يؤدى إلى عالم لا نجد فيه إنسانًا يستطيع كتابة رواية أو قصة أو مقالة، أو يعزف مقطوعة موسيقية.. إلخ.

ولا ننسى كذلك تورط الذكاء الاصطناعى فى تزييف الفيديوهات بشكل واسع، لنجد زعيمًا سياسيًا يقول كلامًا غريبًا فى فيديو ييدو واقعيًا للغاية، رغم أنه مولّد بالذكاء الاصطناعى، أو رجل دين يُقال على لسانه كلام لم يقله، فى فيديوهات تنتشر بشكل واسع، ليسهم بذلك فى نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، وتشويه الكثير من الشخصيات.

■ كتابك موجّه للنخبة أم العامة؟

- وضعت هذا الكتاب للعامة والمثقفين على حد سواء. وأريد هنا الإشارة إلى وجود ذكاء اصطناعى ضعيف، هو ما نستخدمه فى الوقت الحالى، وذكاء اصطناعى آخر أكثر خطورة، ما زال مخططات على الورق، ويمكن من خلاله أن يكون للآلة «قرارها الخاص».