المحترف.. ياسر ثابت: أكتب كل يوم مثل نجيب محفوظ
- كتاباتى جناحا طائر الأول تاريخى والثانى إبداعى
- أجلس إلى مكتبى يوميًا ولساعات وأعتبر هذا شيئًا مُقدسًا
- بدأت وظللت قارئًا ووفائى للقراءة أكثر من وفائى للكتابة
- كتابى «شهقة اليائسين» عن الانتحار فريد من نوعه فى العالم العربى
الروائى والشاعر الدكتور ياسر ثابت مبدع غزير الإنتاج، فهو يكتب فى فروع الأدب المختلفة، ويخرج منها إلى فضاء الكتابة العامة، فى الرياضة وعالم الطبخ والتاريخ بمساحاته المختلفة، كما يبدع فى التحليل الاجتماعى والطبقى، وغير ذلك من الأفكار والمجالات.
لذلك ليس غريبًا أن يصدر هذا العام وحده أكثر من 8 كتب فى مختلف المجالات، وموزعة بين عدد من دور النشر، منها كتب تاريخية واجتماعية وتوثيقية وإبداعية، وبعضها عن الطعام وكرة القدم والشعر، فضلًا عن سياقات أخرى.
يعمل بدأب شديد وفى صمت تام، ويكتب بشكل يومى، ويلتقط الأفكار من ورق الجرائد أو المقالات أو أى شىء يمر عليه. كما أن إجادته عدة لغات أسهمت فى تعرفه على الثقافات الغربية والقراءة بلسانها والبحث فى مراجعها، ومن هنا لم يكن غريبًا أن يصدر له هذا الكم من الكتب.
عن كتبه الجديدة وأفكاره التى يطرحها فيها، وعاداته فى القراءة والكتابة، أجرت «حرف» الحوار التالى مع ياسر ثابت.
■ ما إصداراتك فى الدورة الجديدة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب؟
- هناك مجموعة من الكتب المتنوعة التى تصدر لى فى معرض الكتاب ٢٠٢٥، على سبيل المثال، هناك كتب جديدة من عينة «تاريخ كوكب القاهرة» يصدر عن دار المحرر، يتناول مجموعة من اللمحات التاريخية بالغة الأهمية عن القاهرة على مر العصور، عبارة عن قضايا ومواقف وشخصيات وموضوعات استطعت أن أجد فيها الرابط الخاص بمدينة القاهرة منذ نشأتها، منذ مسمياتها المختلفة وتوسعاتها فيما بعد.
وهناك كتاب «ثورة المائدة»، وهو رحلة تاريخية عبر مائدة الطعام وتنوع الأطعمة والأغذية، تحديدًا فى مصر والمنطقة العربية، هى محاولة لاقتفاء أثر كيف تطورت الأطعمة والأغذية ومسمياتها وكيف حصل العديد من المتغيرات عليها، وهو مزج لطيف ومتنوع للطعام وأصنافه المختلفة فى مصر والعالم العربى وربما مع التوسع الذى يحدث فى العالم، وكيف تطورت المسميات نفسها، وكيف تغير الإنسان معها فى مراحل مختلفة.
وهناك كتاب «سينما النهايات الخالدة» هذا الكتاب أيضًا يلتقط بعض الموضوعات التى تتعلق بالسينما الحديثة وكيف نقرؤها ونرى أهم لقطاتها وموضوعاتها مصريًا وعربيًا ودوليًا.
ومن ضمن ما يصدر كتاب «قصة كرة القدم فى مصر» ويصدر عن دار اكتب، وهو محاولة لتقصى نشأة كرة القدم فى مصر، كيف نشأت مع مستعمرات الاحتلال الإنجليزى فى مصر، وكيف أصبح المصريون مولعين بكرة القدم وكيف نشأت الأندية المصرية، ودور الأندية المصرية والغربية فى مصر فى مرحلة البداية وكيف نشأت الأندية الشعبية الكبرى مثل الأهلى والزمالك والاتحاد والإسماعيلى، هناك أيضًا قضايا متعلقة بالأرقام والتواريخ والشخصيات الأساسية التى صنعت كرة القدم فى مصر، من لاعبين ومدربين ورؤساء أندية.
وعملت أيضًا على إصدار سلسلة كبيرة اسمها «كيف تقرأ» ويصدر عنها الجزآن الأول والثانى وهما «كيف تقرأ.. عن كافكا أديب العزلة ورائد الكتابة الكابوسية فى العالم»، والثانى «ماركيز» والسلسلة كلها دليل للقارئ لكى يعرف طريقه إلى ذهن الأديب الكبير بتخصص أكبر، وما الكتب التى تستحق القراءة فى مشروع هذا الأديب، وكيف يفهمها، وإضاءة لجوانب مجهولة فى الشخصيات، واستقراء لبواطن الرموز، وتفكيك لكل الكتاب، الكتاب يمنحك إرشادات لكل كاتب وكيف تقرأ أعماله ورواياته ويقول الكتاب للقارئ هذه الرواية يجب أن تقرأ أولًا، ويقول ما القواسم المشتركة فى الأعمال، هى نصيحة مفيدة لكل مهتم بالقراءة، ولكل مهتم بهذه الشخصية من الشخصيات الواردة، وهناك قراءة فى الأعمال، وعن «ماركيز» وكيف تطور أسلوبه، وما أهم المحطات التى يجب أن يركز عليها القارئ وتوصيات أخرى.
أيضًا من ضمن الكتابات، مجموعة شعرية سوف تصدر لى بعنوان «إحساس عابر بالأبدية»، وهناك مجموعة من الكتب أيضًا يعاد طبعها وكانت قد صدرت منذ ١٥ عامًا مضت وبعضها يعاد طبعها مثل «فتوات وأفندية» عن تاريخ مصر فى مائة عام من ١٨٥٠ إلى ١٩٥٠، ويحلل قضايا وطبقات مصر من الأفندية الذين نشأوا فى مراحل مختلفة وتطرق لأشهر الحوادث فى هذا العصر.
وهناك كتاب «حياة جميلة مرت بجانبنا»، عن شخصيات أدبية وفنية، هذه الكتابة نوع من الاقتراب من الشخصيات التى تركت فينا أثرًا من الفنانين والمبدعين.
وهناك كتاب «أيام العظمة والانحدار.. صفحات من تاريخ المحروسة» وفيه محاولة لدراسة تاريخ مصر، فى محطاته المختلفة وأيضًا بعض الموضوعات المتنوعة والمؤثرة والحكايات المدهشة من تاريخ المحروسة كما يبدو من عنوانه.
■ أعمالك متنوعة.. كيف تختار المادة التى سوف تكتب فيها؟
-البعض قد يظن أن الكتاب يصدر فى مرة واحدة، لكن بعض الكتب قد يكون هناك فكرة أنطلق منها لأكتب، وأظل بضعة أشهر حتى أنتهى منها، وهناك كتب تستغرق كتابتها أعوامًا وأعوامًا، بمعنى أننى أكتب أجزاء منها، ثم أقف وأتركها لوقتها ولزمنها ثم أعود إليها لأكملها.
هناك كتب تبدأ فكرتها من فكرة معينة، وهناك موضوعات أضع لها الخيط الناظم عبر أعوام، فأترك الفكرة لتنضج وتأخذ مسارها، وهناك كتب تكتب فورًا، على سبيل المثال أنت حين تشاهد التليفزيون تجد أن هناك أربعة أو خمسة أعمال لفنان واحد، فتظن أنه كدس كل أعماله لهذا الشهر، لكنك لا تدرى أنه ربما كان هذا العمل قديمًا واستُكمل أو أنه أُنجز طوال العام ليظهر فى شهر رمضان، فتظن أن الكاتب أنجزه خلال شهر، ولكن هو نتيجة العام كله، وهكذا الأمر بالنسبة للكتب، هناك كتب استغرقت كتابتها أعوامًا، بمعنى أن هناك أفكارًا تنضج وتكتب وأحيانًا فكرة وأنطلق منها، كتابى «ثورة المائدة» أنجز فى بضعة أشهر عن تاريخ الأطعمة، ولكن هناك كتب نضجت على مهل وأخذت وقتًا أطول مثل كتاب «قصة كرة القدم فى مصر»، كتبته على مدى أعوام وبحثت عن تواريخ ومواعيد وأسماء وشخصيات حتى اكتملت الفكرة ونضجت وحان وقت صدورها عبر حبر المطابع.
■ هل معنى ذلك أنك من الممكن أن تترك ما تكتبه أحيانًا لتكتب فكرة ملحة ثم تعود لتكمل ما بدأته فى الكتاب الآخر؟
- لا أدرى طبيعة الأمر بالنسبة للآخرين، ولكن هذا يحدث لى كثيرًا، الكاتب أحيانًا يكون ملولًا، أكتب مثلًا فى كتاب ثم أمل منه وأقتطف بعض أفكار أخرى، ثم أفتح فى كتاب آخر وأضيف إليه، وأنتقل من كتاب لكتاب آخر لكنى كتبتها بالتوازى.
■ معنى ذلك أنه لكل كتاب مراحل بحث مختلف حسبما يقتضى؟
- أحيانًا قد ينبع هذا من قراءات، على سبيل المثال بعض الأفكار أجدها فى بعض الأخبار مثلًا، وليس بعض الكتب، أجد فيها ما يلهم لكتابة فصل من الفصول أو ربما فكرة أكملها وأطورها لأستفيد وأفيد، أردت أن أكتب عن فنان معين أو مخرج معين، فأكتب عنه، سعاد حسنى مثلًا أو فاتن حمامة، أو أحمد زكى، ثم أريد أن أنظم هذه المجموعة فى خيط واحد وتصبح سلسلة معينة أو حلقة مترابطة الأطراف.
أذكر أننى قرات كتابًا اسمه «الكولينالية والثورة»، عن الأصول الاجتماعية والثقافية لحركة عرابى فى مصر فألهمتنى فكرة معينة لأضيف جزءًا ما فى كتاب «تاريخ كوكب القاهرة»، القراءة تلهم فى الكتابة، الأحداث تلهم فى أى كتاب، ولكل فكرة وحدث وكتاب ما يناسبه، المهم أن يكون الكاتب لديه خطة ولديه مشروع واضح يتناول عبر هذه الخطة ما يريد أن يكتبه ويضيفه وأين يضيفه.
■ ماذا عن الكتابة نفسها؟ وهل تعتكف مثلًا أو تخصص وقتًا للكتابة كل يوم كما كان يفعل نجيب محفوظ؟
- بالفعل كما ذكرت أنا أميل لمدرسة نجيب محفوظ، أجلس وأنتظر الفكرة التى تأتى فى الموعد الذى حددته لها، أجلس إلى مكتبى يوميًا ولساعات وأعتبر هذا شيئًا مقدسًا لى مهما كنت مشغولًا، عادة تأتى الكتابة ليلًا، وأحيانًا آخذ من جزء النوم لأكتب وأحيانًا تسنح لى فكرة فى أثناء العمل فأكتبها وأدونها لكى لا تختفى، وربما تكون مدخلًا لفكرة أخرى مثلًا، لذلك فأنا لست من أصحاب الكتابة المزاجية، أو الكتاب الذين يعانون حبسة الكتابة وما إلى ذلك.
أذكر أن هناك صديقًا كتب كتابًا عن الطعام وطلب منى كتابة مقدمة لكتابه، فكتبت له مقدمة فإذ بها تكون بداية لكتاب كامل عن ثورة المائدة وتاريخ أصناف الطعام.
أذكر أنه جاءنى باحث أجنبى يجيد اللغة العربية، يحضر رسالة الدكتوراه، وكان يناقشنى فى كتاب قديم، فخرجت من النقاش الكبير معه بفكرة، لأنه كان دارسًا حقيقيًا وملمًا بأبعاد الموضوع الذى كان بصدد مناقشته، وبدأت أنا شخصيًا أملأ فراغًا معينًا.
هناك كتابات أدبية أو إبداعية تخضع لطبيعة معينة وحالات معينة، وأنا أرى كتاباتى مثل جناحى طائر، لدى مشروع فى الجناح الأول للطائر وهو الكتابة التاريخية، التى أبحث فيها فى التاريخ المصرى بكل أطيافه فى الفن والتاريخ والأدب والسياسة والسينما والموسيقى وما إلى ذلك، وأبحث عن فراغات التاريخ لكى أملأه وأراجع التاريخ وأزوره مرة أخرى.
والجناح الآخر للطائر هو الكتابة الإبداعية سواء أكانت شعرًا أم نثرًا، قصة أو رواية وأجرب كل الأصناف بتحرر تام لأنه فى الأخير جزء من مشروعى.
■ ما الذى يحتاجه الكاتب ليوصل أفكاره إلى القراء؟
أنا شخصيًا أرى أن القارئ الجيد هو الكاتب الجيد، الذى يقرأ بنهم فيهضم القراءات فتمكنه من التفكير بشكل مختلف، لا يكون الكاتب كاتبًا إلا حينما يقرأ أضعاف ما يكتب، هذه نقطة بالغة الأهمية، أنا بدأت قارئًا وظللت قارئًا ووفائى للقراءة أكثر من وفائى للكتابة، على قدر ما يرى الكثيرون أننى غزير فى الإنتاج الكتابى، لكنهم لا يعرفون أن القراءة لدى واجب مقدس أؤديه يوميًا.
القراءة تفرز كتابة وتصنع كتابة، تشبه الرحيق لدى خلية النحل التى تصنع العسل، أنا أميل منذ بداياتى للكتابة الموسوعية المتنوعة، البعض يميل إلى التخصص وهذا شأنهم، وأنا أحترم هذا، لكن لم أبتدع هذا من حديث، إنما وجدت كتابًا يكتبون فى الفلك والعلوم والطب، ابن سينا مثلًا والرازى وغيرهما وغيرهما، يميلون للكتابة الموسوعية، تجد أحدهم فقيهًا لكنه يكتب فى التاريخ ويكتب فى الموسيقى، وعلوم أخرى، تجده طبيبًا ويكتب فى غير مجاله بعلم وتبحر، كأن العلم لا حدود ولا ضفاف له.
كتابتى تلبى رغبتى لأن الأساس عندى أننى أحب الكتابة بشغف، أنا لا أتربح من كتبى، ومعظم كتابنا لا يتربحون من كتبهم، كل ما يهمنى هو أن أكون مفيدًا، لذلك دائمًا فى كل كتبى أقول «أتمنى لكم قراءة تجمع بين الفائدة والمتعة، وهذا ديدنى، كما استفدت أنا واستمعت».
أنا مثلًا لدى كتاب «شهقة اليائسين.. الانتحار فى العالم العربى» وأحسبه فريدًا من نوعه، الكثيرون كتبوا فصولًا عن الانتحار، لكننى كتبت كتابًا كاملًا عن الانتحار فكان كتابا نادرًا فى العالم العربى، هذا الكتاب بدأ بحادث ربما تأثرت به أو تأثرت برحيل كاتب أو صديق أو مبدع فوجدت فيها مدخلًا للاهتمام بدراسة الانتحار، والانتحار فى الدراسات على سبيل المثال لا بد أن تدرس فيه كتبًا تأسيسية ومؤسسة وبلغات أجنبية، ودعنى أؤكد لك أن جزءًا من تنوع كتاباتى ينبع من تنوع إجادتى للغات الأجنبية، لأن هذه نقطة بالغة الأهمية، انفتحت على ثقافات مختلفة، وبلغات مختلفة، وأجدت لغات مختلفة، فوجدت لدىّ ثراءً أيضًا فى زوايا التناول والمعالجة، وأيضًا الرجوع للقصص وعقد ما يسمى بالأدب المقارن والتاريخ المقارن وعلم الاجتماع المقارن وكل هذه الأشياء التى تقارن بين الأمور، وتعيد تصحيح الأمور من خلال عدة مصادر وعدة مؤلفات وعدة مداخل للحدث الواحد أو الموضوع الواحد نفسه.
■ هل تعتبر أن الكتابة رسالة أم يجب أن يكون لها عائد؟
- أنت ككاتب لا بد أن يكون لك عنصران، أن تكتب بدأب النمل، ودأب النمل هو ألا تمل ولا يحبطك الكثيرون، وأن تفعل كما فعل نبى الله نوح حين أُمِر بأن يبنى السفينة فى الصحراء، فبناها، والعنصر الآخر أن تكتب بدافع الشغف وحب القراءة والكتابة، فلا تنتظر شيئًا يأخذ ويقلل من عزيمتك، مثل عبارات لا أحد يقرأ أو لا أحد يهتم، اكتب، وفى نقطة ما فى لحظة ما فى يوم ما، قارئ فى أقاصى الدنيا ربما قرأ لك، القراء موجودون ربما فى نجع من النجوع وفى قرية من القرى وفى مدينة من المدن، شخص يقرأ لك ويتابع ما تكتبه ويهتم به، وربما أشار إليه، هؤلاء هم أهم الكنوز.