الأربعاء 15 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الأحد عشـر.. أحمد القرملاوى: استعنت بالتوراة فى كتابة «يوسف وإخوته»

أحمد القرملاوي
أحمد القرملاوي

- لم أعتمد على القصة القرآنية فقط فى العمل

- مارست «لعبة سردية» فى العمل بالمزج بين نص مسرحى وروائى

- شخصيات أبطالى تتسم بالالتباس وليست المحرك الحقيقى للأحداث

يمكن وصف أحمد القرملاوى بالروائى المتجدد، فهو حريص باستمرار على ضخ دماء جديدة فى عروق كيانه الروائى الكبير الملىء بالأعمال الناجحة والمختلفة، فكان من الطبيعى أن تحقق هذه الأعمال شعبية عالية بين القراء، خاصة الشباب.

الدماء الجديدة التى ضخها «القرملاوى» تتمثل فى روايته «الأحد عشر»، التى أصدرها قبل أيام، عن دار «ديوان» للنشر، ويخوض فيها رحلة إلى الماضى السحيق، حيث حكاية النبى يوسف الصديق عليه السلام وإخوته.

فى هذه الرواية يمارس «القرملاوى» لعبة سردية، تتمثل فى المزج بين نص مسرحى وآخر روائى، مستوحيًا قصة «عزيز مصر» ومنقذها من القحط، من النص القرآنى والنص التوراتى أيضًا، ليخلق حالة وروحًا مختلفة للحكاية.

فى السطور التالية، «حرف» تحاور الروائى أحمد القرملاوى، عن روايته الجديدة، وتفاصيل بنائها السردى، وكيف ينظر إلى الكتابة بصفة عامة.

■ مزجت نصًا مسرحيًا وآخر روائيًا فى روايتك الجديدة «الأحد عشر».. كيف جاءتك هذه الفكرة؟

- كنت أحب أن أؤدى لعبة سردية جديدة، واعتقدت فى البداية أننى سأكتب فى المسرح، وأن هذا العمل سيكون مسرحية، لأننى كنت أشعر أن الفكرة تستدعى هذا القالب المسرحى، وأشعر بأن هناك تقصيرًا من جيلنا بالنسبة للكتابة للمسرح، لذا كانت هذه فكرة مطروحة أولًا. لكننى خشيت من خوض التجربة المسرحية إلى آخرها بلا خبرة كبيرة لدىّ فى هذا النوع من الكتابة. ومع الوقت تطورت الفكرة للمزاوجة بين النصين، والقالب نفسه تطور من الشكل الروائى، وأصبح هناك صراع ضمنى داخل الرواية بين شكلين ونصين وطريقتى كتابة.

■ ماذا عن جذور الفكرة وكيفية تطورها؟

- أخشى أن أتحدث عن الجذور الخاصة بالفكرة، فيكون هناك حرق لعالم الرواية، بالنسبة لمن يقرأ بعد قراءته هذا الحوار. لكن يمكننى القول إنها كانت قصة تاريخية تشغلنى كثيرًا، تلح علىّ بقوة أن أكتبها، ففكرت أن أفعل ذلك، وبحثت عن القالب الدرامى المناسب، وتطورت القصة بعد ذلك. أنا فعلًا لا أريد حرق عالم الرواية للقراء.

■ لكن عنوان «الأحد عشر» يوحى بأنك تقصد إخوة يوسف؟

- الفكرة الخاصة بالنص لو خضنا فيها، بالتأكيد سنخوض فى عالم الرواية بتفاصيله وشخصياته، ومن العنوان فعلًا تستطيع أن تقول إنها تتحدث عن إخوة يوسف، والحقيقة أننى كنت مشغولًا بهذه الفكرة، وهى أننا دائمًا نتناول قصة «يوسف» من وجهة نظر واحدة هى الأبيض والأسود، فيوسف عليه السلام فى كل القصص هو البطل الجميل الذى يرى الكثير من الرؤى والأحلام، وفيه كل مميزات البطل الحقيقية التى تجعل النقيض فى الصراع هو الأسود المحض أو الشر الخالص. لذا أردت تناول هذا العالم بشكل روائى، وان أمنح صوتًا للشخصيات الشريرة لكى أستطيع فهم المبررات النفسية والاجتماعية التى خلقت هذه الحكاية من وجهة نظر روائية، وحين بدأت بناء هذا العالم تطورت الفكرة بشكل مختلف جدًا، ولم تدر حول هذه الشخصيات بهذا الشكل.

■ لماذا إذن اخترت هذا العنوان؟

- فى الحقيقة لأننى وجدت فيه الكثير من المميزات، أولًا لأن فيه إشارة للشخصيات التى تشكل هذا العالم وهذا الزمن والمكان أيضًا، وفى نفس الوقت وجدت أنه العنوان الأنسب للنص، وهو الذى يمكن أيضًا أن يغطى ٣ خطوط تشكل النص، وليس فقط الزمن التاريخى، عنوان قادر على ربط كل الخطوط المتوازية فى النص.

■ الجميع يتناولون شخصية يوسف عليه السلام وإخوته من خلال الحكاية المتواترة عن النص القرآنى فقط، ولكنك درت حول الحكاية، وأرخت أيضًا للمكان فى هذه الفترة.. لماذا؟

- بالضبط، هذه الفكرة حين شرعت فى كتابتها وجدت أنها تنمو وتتطور، وبدأت تأخذ شكلًا آخر بخلاف الذى كنت أنتويه، ومع البحث التاريخى الذى أجريته بدأت لدىّ خيوط جديدة فى التكشف، ودراما خصبة جدًا تحيط بهذا العالم. هذه الدراما أخذتنى كلية من الفكرة الأساسية التى كنت أتصورها، وهى قصة يوسف عليه السلام، وجعلتنى أعيد رسم الشخصيات ومحاكمتها.

الفكرة تطورت من تلقاء نفسها، وذهبت إلى ناحية أخرى لم أكن قد وضعتها مسبقًا فى حسبانى، بعد أن وجدت أن هناك دراما تاريخية كثيرة جدًا موجودة فى هذه الفترة. ولم أعتمد على القصة القرآنية فقط فى هذا الأمر بالمناسبة. اعتمدت أيضًا على النص التوراتى المتواتر إلينا من العهد القديم.

■ «شكيم» التى يدور حولها عملك الجديد كانت محور تجارة، وذُكرت فى نص مصرى قديم.. هل اعتمدت على مصادر أخرى غير القرآن والتوراة؟

- أنا حين قرأت القصة فى العهد القديم وجدتها قد وردت فى سطور قليلة جدًا، ٣ أو ٤ سطور فقط لا غير. لكن كل كلمة فى كل سطر كانت تحمل إشارة ما، تستطيع الخروج منها بتفاصيل كثيرة، أو يمكن البناء عليها.

لم أعتمد على مراجع كثيرة. لكننى تعاملت مع ما ورد فى العهد القديم، إلى جانب بعض المعلومات القليلة الواردة فى بعض المراجع الأجنبية، مع ترك مساحة كبيرة للخيال.

لم أحب أن أقرأ الكثير من التفاصيل والمعلومات، حتى يتسنى لى اللعب بالخيال فى هذه المنطقة والعمل عليها. لكن بالتأكيد كانت هناك مراجع علمية وتاريخية رجعت إليها، هى عبارة عن كتب قديمة ومتخصصة فى الديانات القديمة فى هذه المنطقة، وتشرح أيضًا شكل العبادة والمعابد، وذلك دون أن أرجع إلى مراجع كثيرة تخص القصة نفسها.

■ ما حدود تدخلك الروائى بالخيال فى عالم الحكاية؟

- التدخل الروائى كبير وواسع جدًا، لأننى اعتمدت على قصة وردت فى ٤ سطور بالعهد القديم، كما سبق أن ذكرت. عملية بناء العالم كله جاءت بشكل روائى. ستعرف أن هناك شخصيات معينة، لكن لماذا ذهبت إلى هناك؟ وكيف تطورت القصة لهذه النهاية الدرامية؟ كل هذا خلقته من البداية بتفاصيله الكثيرة، فكانت حدود التدخل الروائى كبيرة جدًا.

■ فى «أمطار صيفية» و«التدوينة الأخيرة» دمجت التاريخ للتدليل على الحاضر.. هل نستطيع القول إن هناك غواية بالتاريخ عند أحمد القرملاوى؟

- فى روايتى الأولى «التدوينة الأخيرة» رجعت إلى عالم بدائى جدًا، لكنه ينتمى بتفاصيله إلى الحضارات القديمة، من دون تحديد أى حضارة أو عالم معين أو منطقة جغرافية معينة، بل كانت جزيرة متخيلة، مع وجود إشارات تقول إنها تنتمى إلى العوالم القديمة.

أنا معك فى هذا، هناك غواية فى هذه المنطقة بالنسبة لى، لأنها تمنحنى مساحة كبيرة جدًا للخيال، ولبناء التفاصيل والعالم كله، إلى جانب طريقة الحياة أيضًا، وشكل المعمار، وكل هذا يمنحنى المساحة الكافية لرسم التفاصيل بشخصيات وأزياء وعمارة وطرق حياة، دون أن أكون مقيدًا بالتفاصيل الواقعية. هى غواية فعلًا، وإن يمكن أن يرجع هذا إلى طبيعة مهنتى، فأنا عملى مهندس عمارة داخلية، ومن الطبيعى أن يكون لدىّ هاجس فى شكل بناء التفاصيل وتخيل العوالم وأشكالها.

■ هل يمكن القول إن أحمد القرملاوى له معجمه الخاص؟

- لا أعتبر أن الكاتب له لغته وقاموسه اللغوى الثابت، اللغة أداة للكاتب لخلق العالم، ويطوعها ويستفيد منها على حسب العالم الذى يحب بناؤه، وليس فقط بين نص وآخر وعالم وآخر. وأريد القول إن اللغة تتغير وتتطوع أيضًا داخل النص نفسه. رواية «الأحد عشر» ستجد فيها أن هناك خطًا معاصرًا وآخر تاريخيًا، ونصًا مسرحيًا وآخر روائيًا، وكل حالة منهما لها شكل لغة وأسلوب خاص بها ومناسب لها أيضًا.

هذه طريقتى فى الكتابة، ولا أرى أن هناك «صح وخطأ». حقيقى أن هناك من يقول إن الكاتب له شخصية معينة فى استخدامه للغة، أى أنها تكون بصمة ثابتة يُعرَف الكاتب بها، وهذا موجود فى الحقيقة. لكن مهما غيرت وعدلت فى الرواية، فأنا لى بصمتى الخاصة فى الأسلوب، الخاص أو صوتى فى الكتابة، والذى يختلف قليلًا بشكل أو بآخر، فمثلًا صوتى فى الهمس بطريقة، وفى تلاوة القرآن بطريقة، وفى الزعيق بطريقة، وفى الكلام نفسه بطريقة، الصوت نفسه يتطوع على حسب الموقف والحالة التى تحب بناءها.

■ منذ أولى مجموعاتك القصصية «أول عباس»، مرورًا بكلٍ من «التدوينة الأخيرة» و«دستينو» و«أمطار صيفية» و«نداء أخير للركاب».. هل هناك رابط خفى يربط كل هذه الأعمال ويمثل مشروعًا خاصًا لك؟

- دور القارئ والناقد أن يستخرج هذا من كتابتى. لكننى أشعر فعلًا أن هناك أمورًا متكررة فى كل أعمالى، كما ذكرت، أمور وملاحظات يمكن استنتاجها مما أكتبه. فى الحقيقة، شخصيات الأبطال لدىّ تتسم بشىء من السردية والالتباس، ولا تكون المحرك الحقيقى للحدث. أنا لا أعرف لماذا. لكنها أشياء ألاحظها فعلًا وأراها، أتعاطف كثيرًا مع الشخصيات الأضعف، وأحيانًا أتعاطف مع الشخصيات الأكثر شرًا، ألاحظ ذلك بقوة فى أعمالى.

دعنى أقول إن الرابط بالنسبة لى وما يشغلنى هو سؤال المعرفة وسؤال الحقيقة. كيف أن الحقيقة التى يتفق الناس على أنها حقيقة تتشكل ويمكن أن تكون كذبة أحيانًا، وهم يرونها حقيقة على عكس حقيقتها، وكيف يمكن للحقيقة أن تتبدل حين تراها من زوايا مختلفة. هذا موجود فى كل النصوص التى كتبتها بشكل أو بآخر.

■ أنت مولع بالمكان على حساب الزمن وتقنيات أخرىهل هذا يرجع لدراستك العمارة؟

- ملاحظة دقيقة جدًا، وأنا الحقيقة أحب أن أشير إلى أنه لدىّ هذا النوع من الغواية، غواية المكان ورسمه وتأثيره، لأنه ينعكس على نفوس الشخصيات التى تعيش فى هذا المكان. لهذا أحب ترك كل ما له علاقة بقراءة النصوص، والخروج منها باستنتاجات للقارئ والناقد، ولا أحب الخوض فيها برؤيتى الشخصية، أو الخوض فيها بنفسى.