«المجدد صاحب الجلالة».. شهدى عطية يبحث عن أمجاد محمد التابعى
- شهدى عطية: كتب تحت اسم «حندس» حتى لا يُفصل من وظيفته
- أخرج للصحافة تلاميذ مثل هيكل ومصطفى وعلى أمين واكتشف «صاروخان»
- الملك فاروق غضب عليه بعد نشره صور «تزلج الملكة نازلى»
يظل محمد التابعى، أمير الصحافة، وصاحب القلم الجرىء الذى شكل ملامح الصحافة العربية الحديثة، معينًا لا ينضب أبدًا، فما زالت مسيرته وحياته المليئة بالصراعات والإنجازات، وأسلوبه المتفرد فى الكتابة، وتحقيقاته الصحفية المميزة، ملهمة للأجيال اللاحقة.
هذه المسيرة الحافلة كانت مصدر إلهام للكاتب والباحث شهدى عطية، الذى أصدر مؤخرًا كتابه الجديد «المُجدِد صاحب الجلالة.. محمد التابعى»، عن دار «ريشة» للنشر والتوزيع، ويتتبع فيه مشوار أمير الصحافة العربية، ومغامراته فى الحياة والكتابة.
فى كتابه يحكى شهدى عطية عن الميلاد الصحفى لمحمد التابعى، وأهم معاركه الصحفية، وعلاقاته بتلاميذه مصطفى وعلى أمين ومحمد حسنين هيكل، وأيضًا رسام الكاريكاتير صاروخان، وغيرها من الحكايات الشيقة الأخرى التى يستعرض بعضًا منها، فى حواره التالى مع «حرف».
■ بداية.. كيف يمكنك تعريف القارئ بكتابك الجديد؟
- كتاب «المُجدِد صاحب الجلالة.. محمد التابعى» هو نواة لكتب كثيرة ستأتى لأعلام الصحافة المصرية، وبدأت بمحمد التابعى لأنه أستاذ الجيل كله.
رغم قيمته الصحفية الكبيرة التى يعرفها القاصى والدانى، لا يوجد سوى كتاب واحد فقط يرصد سيرة «التابعى»، والذى ألفه صبرى أبوالمجد بعنوان «محمد التابعى».
رغم أن كتاب «محمد التابعى» نُشر فى الثمانينيات، أنهاه مؤلفه عند فترة الأربعينيات. وحين نعرف أن «التابعى» توفى فى ١٩٧٦، نجد أن هناك ٣٦ عامًا لم يتطرق إليها الكتاب، وكان فيها الكثير من الأحداث التى تستحق الذكر. لذلك فى كتابى «المُجِدد» أكملت هذه الفترات. أيضًا من خلال بحثى فى الأرشيف، وجدت أن هناك الكثير من بدايات «التابعى» لم يشر إليه صبرى أبوالمجد.
■ ما أهم المعارك الصحفية التى يتطرق إليها كتابك؟
- الكتاب يتتبع سيرة «التابعى» من ولادته وحتى مماته كما قلت، لكنه يتطرق فعلًا للعديد من المعارك، وأهمها معركة «فن حرامية»، التى شارك فيها نجوم السياسة والصحافة والفن أيضًا، وهى معركة تتبعتها على مدار ١٠ أعوام كاملة، منذ ١٩٥٣ وحتى ١٩٦٢، وكانت عن الاقتباس وسرقة الألحان الغربية ودمجها فى الموسيقى العربية.
كتب فى هذه المعركة أكثر من ٢٠ كاتبًا مصريًا، منهم أحمد بهاء الدين، ومحمد حسنين هيكل، وكامل الشناوى، وتوفيق الحكيم، وفتحى غانم، ومفيد فوزى، والدكتور مصطفى محمود، والشاعر الكبير بيرم التونسى، والفنان كمال الشناوى، والموسيقار محمد عبدالوهاب، والموسيقار محمد فوزى، لذا كتبتها بكل التفاصيل لدرجة أنها استحوذت على ٥٠ صفحة كاملة من الكتاب.
■ أى هذه المعارك كان الأكثر جدلًا؟
- هناك معارك كثيرة لـ«التابعى» منها معركة ثورة يوليو وموقفه منها، وخلافه مع تلميذيه مصطفى أمين وعلى أمين. ولا يقتصر الكتاب على هذه المعارك فحسب، بل يستعرض أهم المواقف الرئيسية فى حياة «التابعى»، منذ دخوله الصحافة وحتى وفاته. كما يقف على أهم مقالاته، وكواليس إصداره لأهم كتبه، مثل كتابه الشهير «من أسرار الساسة والسياسة»، وكتابه الآخر «أسمهان تروى قصتها»، وغيرهما الكثير.
ويضم الكتاب ملحقًا كاملًا لأهم الوثائق الخاصة بمحمد التابعى، ويتضمن كتاباته فى «روزاليوسف» و«آخر ساعة» و«الجيل» و«أخبار اليوم» و«الأخبار»، إلى جانب صحف ودوريات مجهولة كتب فيها، مثل «الطيارة»، و«الرغائب»، وكلها صحف كانت لها علاقة به، وكتبت قصتها فى هذا الكتاب.
■ لـ«التابعى» قصة مع تأسيس جريدة «المصرى».. هل يمكنك أن تذكرها؟
- يتطرق الكتاب لتأسيس محمد التابعى جريدة «المصرى»، ويرصد كتاباته فيها، لأن كل ما ذُكر عن محمد التابعى يقول إنه حدث خلاف كبير ترك على إثره الجريدة. لكننى رصدت له معارك خاضها على صفحاتها، قبل أن ينسحب منها عام ١٩٣٨.
رصدت علاقته بفنان الكاريكاتير الأرمنى الكبير «صاروخان»، الذى كان يرسم فى جرائد ومجلات مغمورة، حتى اكتشفه «التابعى» وأحضره معه لصحيفة «روزاليوسف»، لتكون انطلاقته الحقيقية مع أمير الصحافة، ويظل يرسم فى «روزاليوسف» حتى وفاته، بعد وفاة أستاذه محمد التابعى بأسبوع واحد.
هناك فصل كامل عن علاقة محمد التابعى بمصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل، تلميذيه فى «آخر ساعة»، وفصل عن مذكرات سعد زغلول، وهذه لها قصة كبيرة، فـ«التابعى» هو من فجر هذه المذكرات ونشرها فى «روزاليوسف» عام ١٩٢٧، وفى كتابى، أكشف عن كواليسها وتفاصيلها الدقيقة.
كما ان هناك فصلًا كاملًا عن «بريد التابعى»، وكيف أن هذا البريد كان عبارة عن دفتر أحوال المجتمع المصرى كله، وتضمن آراء جريئة جدًا، فضلًا عن التطرق إلى الحملات الصحفية لمحمد التابعى ضد وزير التموين إبان هذه الفترة.
■ كيف رأيت شخصيته؟
- كان صحفيًا لم يأخذ حقه من التقديم والنقد الموضوعى أيضًا، والحقيقة جزء كبير من هذه المسئولية يقع على عاتق «التابعى» نفسه، لأنه جعل الكثيرين ينظرون إليه على أنه «دونجوان» متعدد العلاقات الغرامية.
■ هل تطرقت إلى علاقاته الغرامية هذه؟
- لا، لم أفعل هذا مطلقًا، تجنبت الأمر تمامًا، لأنه يستحق أن يُنظَر إليه كواحد من أهم الصحفيين فى تاريخ الصحافة المصرية، وحصره فى هذه المساحة يفقده الكثير من المصداقية. ربما لا يعرف الكثيرون أن محمد التابعى فجر ثورة حقيقية فى الأداء الصحفى والعناوين، وغَيّر تمامًا من شكل الصحافة المصرية، لذا أطلقت عليه «مجدد صاحب الجلالة»، وهو يستحق أن يوصف بذلك.
وبعيدًا عن مغامراته النسائية المتعددة التى لم يكن ينكرها، لو نظرنا بشكل كلى إلى تجربة محمد التابعى، سنجد صحفيًا من العيار الثقيل، لا «دونجوان» له غراميات وعلاقات نسائية.
رغم أنه تناول شخصية «أسمهان» والعديد من النساء فى كتابه «بعض من عرفت»، أرى أن التركيز على هذا الجانب يُعد أمرًا خاطئًا، بالرغم من أنه نفسه أسهم فى تشكيل هذه الصورة من خلال كتاباته.
وكتاب «بعض من عرفت» أسهم بدوره فى تعزيز هذا الانطباع لدى أبناء الجيل السابق، وقدمه بصورة «دونجوان»، وهو ما حاولت تجنبه فى كتابى، الذى ركزت فيه على إبراز مكانته كصحفى كبير، بعيدًا عن أى أبعاد شخصية أو جانبية قد تطغى على إنجازاته المهنية.
و«التابعى» له عبارة مشهورة يقول فيها «إن قول الحق لم يدع لى صديقًا»، لم يكن يهمه أحد، لكنه كان يتحدث بصدق، ويتيقن تمامًا من معلوماته ويأتى بها من مصادرها الصحيحة، ولم يكن يهمه أن يقول أحد إنه اختلف معه. كان صادقًا كبيرًا، وله قلم ساخر ومتميز جدًا، ويكفى أنه أخرج للصحافة المصرية تلاميذ من عينة مصطفى وعلى أمين ومحمد حسنين هيكل.
■ ألم تتطرق إلى علاقته مع أسرة الملك فاروق؟
- فى الفصل المخصص لمشاركة محمد التابعى فى تأسيس جريدة «المصرى»، رفقة محمود أبوالفتح وكريم ثابت، تناولتُ بالتفصيل بداية فكرة الجريدة، وكيف تطورت عبر مراحل متعددة، واستعرضتُ ترشيحات مختلفة للشراكة، بدءًا من محمود عزمى ثم فكرى أباظة، قبل أن يستقر الاختيار النهائى على كريم ثابت، ليشارك «التابعى» و«أبوالفتح» فى هذا المشروع الصحفى الطموح.
تطرقت فى الفصل نفسه إلى تغطية محمد التابعى للرحلة الملكية الشهيرة، التى كتب موضوعات عنها لجريدة «المصرى»، فى الفترة من مارس إلى يونيو ١٩٣٧. هذه الرحلة الملكية شهدت مواقف متوترة بين «التابعى» والملك فاروق من جهة، وبين «التابعى» وكريم ثابت من جهة أخرى، ما ألقى بظلاله على علاقته بالملك والصحافة السياسية آنذاك.
بدأ التوتر عندما نشرت جريدة «الأهرام» اقتراحًا بإقامة حفل تتويج للملك فاروق فى القلعة، يتضمن ارتداء الملك ثياب جده محمد على، وأن يتولى شيخ الأزهر مراسم التتويج، ما يضفى على الحفل صبغة دينية.
فى البداية، أبدى الملك موافقته على الفكرة، ما أثار استياء حزب «الوفد»، الذى رأى فى ذلك تجاوزًا للدستور. وبما أن جريدة «المصرى» كانت وفدية، أطلق كريم ثابت حملة صحفية شديدة ضد هذا الاقتراح عبر صفحات الجريدة.
هذا الموقف أغضب الملك فاروق، إذ اعتبر أن انتقاد الجريدة التى يشارك «التابعى» فى تأسيسها يُعد رفضًا لقراره، وتسبب ذلك فى توتر العلاقة بين الملك و«التابعى»، الذى وجد نفسه فى موقف حرج، لذا بعث «التابعى» رسالة غاضبة إلى كريم ثابت، متهمًا إياه بتعمد استغلال الجريدة للإيقاع بينه وبين الملك، معتبرًا ذلك مؤامرة تستهدف علاقته بالقصر.
أما بالنسبة لقصة الرحلة الملكية، فنشر «التابعى» صورًا منها فى جريدة «المصرى»، كونه الصحفى الوحيد الذى شارك فى الرحلة على نفقته الخاصة، فكانت لديه فرصة حصرية لتوثيقها، لكن إحدى الصور ظهرت فيها الملكة نازلى وهى تتزلج على الثلوج، ما أغضب الملك فاروق، الذى أصدر أوامر صارمة بمنع نشر أى صور لأفراد العائلة الملكية.
■ لماذا كتب تحت اسم «حندس»؟
- كان «التابعى» يكتب مقالات نقدية باسم «حندس» فى جريدة «الأهرام»، بين عامى ١٩٢٤ و ١٩٢٥، وبلغ مجموع تلك المقالات ١٦ مقالًا، ولم يكن وقتها يستطيع أن يكتب باسمه الحقيقى لأنه كان لا يزال موظفًا فى مجلس النواب، والقانون وقتها يحظر العمل بأكثر من مهنة، خاصة الصحافة.
بدأ محمد التابعى حياته الصحفية دون أن يوقع باسمه الحقيقى، إذ كان يستخدم أسماء مستعارة أو يكتب دون توقيع حتى عام ١٩٢٨، عندما قرر الاستقالة من وظيفته بمجلس النواب ليتفرغ للصحافة بشكل كامل.
فى عام ١٩٢٧، تعرض «التابعى» لأول تجربة سجن بسبب مقالاته، التى لم تكن تحمل توقيعه، ما دفع رئيس التحرير المسئول آنذاك إبراهيم خليل إلى الاعتراف تحت الضغط بأن محمد التابعى هو كاتب المقالات المثيرة للجدل. خرج «التابعى» من السجن بعد أسبوع بكفالة قيمتها ٥٠ جنيهًا، ليكرس حياته للصحافة، مستغنيًا عن أى وظيفة أخرى حتى وفاته.
وعندما توقفت مجلة «آخر ساعة» لمدة ٣ أشهر فى عام ١٩٣٩، لجأت أسرة التحرير إلى الكتابة فى مجلة «المصرى أفندى» فى هذه الفترة، وعاد «التابعى» لاستخدام الاسم المستعار «حندس» لكتابة بعض المقالات، وهى المرة الأخيرة التى كتب فيها دون توقيع باسمه الحقيقى، فمنذ تلك اللحظة وحتى وفاته، التزم بتوقيع كل أعماله باسمه الكامل.
وفى فصل خاص بعنوان «المحاكمة الأخيرة للتابعى»، تناولت تفاصيل توقف مجلة «آخر ساعة» عام ١٩٣٩، والتى شهدت آخر مرة وقف فيها «التابعى» أمام المحكمة بسبب مقال كتبه، لتكون تلك المحاكمة فصلًا أخيرًا فى صراعه مع السلطات حول حرية الكلمة.
■ قلت إن هناك مشروعًا كبيرًا يؤرخ لأعلام الصحافة المصرية.. ما أهم الأسماء التى يتضمنها؟
- كنت أكتب فى «المجدد محمد التابعى»، وفكرت حينها فى مشروع عن أساطير وأسطوات الصحافة المصرية، بعدما جمعت الكثير من المواد الأرشيفية الخاصة بكُتاب كبار مثل محمود السعدنى وأحمد بهاء الدين وصلاح حافظ، إلى جانب محمد حسنين هيكل، الذى رغم أنه كُتب عنه أكثر من ٢٥ كتابًا، ما زلت أفكر فى تأليف كتاب منفصل عنه.
المشروع يتبنى فكرة مغايرة عن الكُتّاب الصحفيين، فهو يرصد بدايات كل كاتب فى عالم الصحافة، وأرشيفه الخاص بعيدًا عن المقالات، مع بحثى عما كتبه الكاتب بنفسه وعن سيرته منذ بداياته الصحفية وحتى وفاته، وعرض الكثير من التفاصيل والأحداث، منها معاركه التى خاضها، والمعارك التى لم يتطرق أحد إليها، ومواقفه مع الكبار.
■ لماذا لم تكتب فيه عن «التابعى» وأصدرت عنه كتابا منفصلًا؟
- كتبت فيه فصلًا كاملًا عن «التابعى»، وبعد كتابته قررت أن أؤجل نشره ليكون نواة للكتاب الجديد، أى أن يكون فى كتاب مستقل تمامًا وكامل عن أمير الصحافة العربية محمد التابعى.