نجوم رمضان زمان 2
جمال الشاعر: «الجائزة الكبرى» الأب الروحى لبرامج المسابقات الدينية

- سهير الإتربى رفضت الفكرة واعتبرتها مغامرة وعلماء الأزهر الشريف بكوا عند تقديم أول حلقة
- سيستم سنترال رمسيس سقط بسبب ضغط الاتصالات التليفونية للإجابة عن مسابقات البرنامج
«نفحة إلهية السبب فى نجاح البرنامج»، هكذا تحدث الإعلامى الكبير جمال الشاعر عن برنامج المسابقات الأشهر فى حقبة التسعينيات وبداية الألفية «الجائزة الكبرى»، وهو البرنامج الذى نجح فى حصد عدد مشاهدات كبير للغاية، فى موسم كانت الغلبة فيه للفوازير وبرامج التسلية والمسلسلات الدرامية، ألا وهو موسم شهر رمضان الكريم، ليأتى الجائزة الكُبرى بمثابة تغيير كبير فى شكل وخريطة البرامج الرمضانية.
15 عامًا ظل برنامج الجائزة الكبرى محتفظًا برونقه وكم المشاهدات الهائل للإجابة عن أسئلة البرنامج، سواءً فى الشارع من خلال حديث الإعلامى جمال الشاعر مع المواطنين أو عبر رسائلهم واتصالاتهم على خطوط البرنامج للفوز برحلة حج أو عمرة، وهى الجائزة الكبرى التى كان يمنحها البرنامج للمتسابق الفائز.
عن «الجائزة الكبرى»؛ الأب الروحى لبرامج المسابقات الدينية، كما وصفها الإعلامى جمال الشاعر، وبداية الفكرة وكواليسها وأبرز المعوقات والمواقف التى واجهت البرنامج، يتحدث الإعلامى الكبير لـ«حرف» مستعيدًا ذكريات الماضى.

■ «الجائزة الكبرى» أيقونة وعلامة مضيئة على مدار تاريخ البرامج الدينية.. كيف بدأت الفكرة؟
- الفكرة جاءت بهدف صنع حالة من الوعى لدى الإنسان المسلم تجعله يتأمل فى آيات القرأن الكريم وبالتحديد فى قصارى السور بعد أن اكتشفنا أن الجميع يحفظها عن ظهر قلب دون أن يعرف معناها أو ماهيتها، لذلك كان لا بد أن نبدأ حملة تعريفية بمعانى القرآن الكريم لكى يستفيد منها كل مسلم، وكان القصد أن يبدأ البرنامج فى شهر رمضان الكريم لما يحمله الشهر من أجواء روحانية دينية، فى وقت كان الاتجاه المسيطر على شاشة التليفزيون هو الفوازير والتسلية والبرامج الترفيهية.
■ إعلامى يتجول فى الشارع يتحدث مع العامة فى أمور الدين.. فكرة جريئة بالتأكيد مرت بمعوقات هل تتذكرها؟
- بالفعل، الفكرة عند بداية عرضها على الإعلامية سهير الإتربى، رئيسة التليفزيون المصرى فى ذلك الوقت، قوبلت برفض شديد وتخوف مشوب بالحذر، فكيف لإعلامى وليس داعية أن يتجول بين المارة ويتناقش معهم فى أمور الدين وفى معانٍ دقيقة للقرآن الكريم؟ وطالبت بعرض الحلقات على لجنة من مؤسسة الأزهر الشريف.

■ وماذا عن رد فعل اللجنة بعد عرض الحلقات عليها؟
- التأثر حتى البكاء فى رد فعل مفاجئ وغير متوقع من علماء كبار بحجم شيوخ الأزهر الشريف، والتأثر هنا جاء من مشاهدتهم إحدى الحلقات التى تم تسجيلها من داخل أكاديمية الفنون مع مجموعة من شباب الفنانين الذين يغلب عليهم التحرر بالمعنى الدارج، وكان سؤال الحلقة للشباب هل تعرفوا عدد أسماء الله الحسنى؟ وكانت الإجابة صحيحة ٩٩ اسمًا، لأطلب منهم على الفور ذكر عدد قليل من الأسامى وهنا كانت المفاجأة، بعد أن قام هؤلاء الشباب بتأدية أسماء الله الحسنى عز وجل كاملة على طريقة المنشد الكبير سيد النقشبندى، فى موقف غريب للغاية لم يتوقعه أحد، حيث ظن المتابعون وأنا على رأسهم أن الشباب لن يستطيعوا ذكر حتى ٣٠ اسمًا من أسماء الله الحسنى، لتكون المفاجأة بإجادة الشباب وحفظهم للأسماء دون خطأ يذكر، وعند سماع أعضاء اللجنة للشباب انتابتهم القشعريرة وبدأوا فى البكاء بشدة تأثرًا بالمشهد.
■ وماذا عن رد لجنة الأزهر الشريف وتقييمها لفكرة البرنامج؟
- لجنة العلماء التى تولت عملية التقييم أشادت بالفكرة بشكل كبير جدًا واعتبروا حلقاته خطوة تكشف البعد الدينى الفطرى عند المواطن المصرى بشكل تلقائى دون ترتيب أو تنسيق مسبق ومنحوا لنا ولفريق عمل البرنامج دعمًا لا محدود من أجل استكمال حلقات البرنامج، بما يخدم الأمة والفرد والمجتمع المسلم.

■ هل رحلات الحج والعمرة التى كان يمنحها البرنامج للمتسابقين أسهمت فى زيادة التفاعلية مع الجمهور؟
- بالتأكيد، فما من مسلم لا يتمنى أن يؤدى فريضة الحج والعمرة ولا يعوقه سوى التكلفة المادية التى قد لا تتناسب مع إمكاناته، لذلك كان التفاعل لافتًا للغاية عبر الاتصال بخطوط البرنامج المخصصة للإجابة عن الأسئلة من أجل الفوز برحلة حج أو عمرة، حتى إن سنترال رمسيس فى ذلك الوقت تعرض لأزمة كبيرة سقطت على إثرها خطوطه الهاتفية بسبب ضغط المتصلين على خطوط البرنامج وطالبونا بزيادة عدد الخطوط، كما أن تغيير نمط البرنامج الدينى الذى صنعه الجائزة الكبرى كان له دور كبير فى زيادة التفاعل أيضًا بعد أن أصبح الجمهور هو بطل الحلقات وليس المذيع أو الشيخ.
■ ردود الأفعال الإيجابية عن البرنامج.. كيف رصدتها فى بداية عرض حلقاته؟
- ردود الأفعال كانت متنوعة من الجميع، سواءً رجل الشارع العادى أو المسئول الرسمى، حتى إن البرنامج تلقى رسالة من رئاسة الجمهورية فى ذلك الوقت تشيد بفكرة البرنامج واعتبرته رسالة مهمة تلقائية اكتشفت فى المصريين جانبًا جديدًا دون تكليف رسمى ونجحت فى الرد على الجماعات المتطرفة التى تروج لأفكار غير حقيقية عن الشعب المصرى، حيث أظهرت الحلقات المواطن المصرى المتدين بالفطرة الذى لا يحتاج إلى مرشد جماعة ليوجهه ليعرف دينه.

■ بعد سنوات عديدة من توقف مواسم البرنامج الذى ظل يعرض لمدة ١٥ عامًا هل طرأت فكرة إعادة تقديم البرنامج من جديد؟
- أمر إعادة تقديم البرنامج من جديد يحتاج إلى تطوير كبير يليق بالعصر الحالى ومتغيراته من حيث مواكبة التكنولوجيا الحديثة، والتركيز على مواجهة حالة التراجع فى الثقافة الدينية، خاصة لدى الشباب، ومن فترة جمعتنى جلسة بالدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، بحثنا خلالها شكل الخطاب الدينى واتفقنا على ضرورة أن يتحول من مرحلة الخطابة إلى مرحلة الحوار المتبادل بين الداعية والمستمع من أجل زيادة وعيه وإدراكه ومنح المستمع الثقة فى نفسه ومعلوماته.
■ ما سر نجاح الجائزة الكبرى من وجهة نظرك.. وهل لو تكررت الفكرة ستحقق نفس النجاح؟
- نجاح الجائزة الكبرى سببه الرئيسى التوفيق الإلهى والنفحة الربانية التى مُنحت له، من كان يتصور أن يخرج الحديث فى الدين من بين جدران الاستديوهات وينتقل إلى الشارع دون ترتيب أو تنسيق ليلتقى المذيع بالناس ويبدأ سؤالهم عن معلومات دقيقة مقابل رحلة حج أو عمرة، ومن وجهة نظرى لكى تنجح التجربة من جديد حال إعادة إنتاجها وتقديمها نحتاج للعديد من الإمكانات فى ظل انتشار منصات السوشيال ميديا والقنوات الفضائية التى أصبحت تدخل كل بيت، فالموقف تغير بشكل جذرى بعد أن كانت شاشات التليفزيون مجرد ٥ أو ٦ قنوات أصبحت الآن بالمئات، ما سيجعل المنافسة مختلفة وتحتاج العديد من الإمكانات.

■ على ذكر التطور وانتشار السوشيال ميديا.. كيف ترى ظاهرة البرامج التى سارت على درب الجائزة الكبرى؟
- بالتأكيد برامج مبهجة وجميلة وتسعى لتحقيق أهداف نبيلة وفعل الخير وتحقيق طموحات البسطاء من الناس، وهذه البرامج التى تكتسح منصات السوشيال ميديا فى الوقت الحالى بدأت فكرتها منذ كنت أقدم برنامج الجائزة الكبرى فى التليفزيون المصرى وعلى القناة الفضائية المصرية، وكان البعض حينها يقول إنها تقليد لبرنامج الجائزة الكبرى ظنًا منهم أننى سأغضب من تقليد فكرتى، وعلى عكس توقعاتهم كنت سعيدًا للغاية بهذا التقليد، نظرًا لأنه يفيد الإنسان والمجتمع، ما يؤكد أن الجائزة الكبرى هو الأب الروحى لبرامج المسابقات الدينية، سواء فى السنوات الماضية أو حتى فى العصر الحالى.
■ بالتأكيد برنامج تقوم فكرته الرئيسية على التجول فى الشارع مر بمراحل طريفة.. هل تذكر منها أمثلة؟
- العديد من المواقف التى مرت علينا أثناء التصوير، منها وخلال إحدى الحلقات كان سؤال الحلقة عن حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.. وكان السؤال ما هما النعمتان؟ لنلتقى أطباء وموظفين والعديد من الناس ولم ينجح أحد فى الإجابة حتى خرج عامل جراج بسيط الحال يشير بيده لفريق عمل البرنامج يريد الإجابة قائلًا: الصحة والفراغ، وهى الإجابة الصحيحة ومن بعدها ألقيت عليه عددًا من الأسئلة التى أجابها بشكل صحيح وفاز بالجائزة، على الرغم من عدم إكمال تعليمه الأساسى، حيث علّم نفسه بنفسه من خلال الاستماع للقرآن الكريم فى المسجد ومطابقته لحروف اللغة من المصحف الشريف فى اجتهاد نادر الحدوث، ما حوّله من عامل جراج إلى ملك متوج فى نظرنا بسبب درايته بمفاهيم القرآن الكريم.

■ صعوبة الأسئلة وبساطة الجمهور لم تدفعك فى إحدى الحلقات لمساعدة متسابق للفوز؟
- بالتأكيد وفى أكثر من مرة خاصة لو كان المتسابق مجتهدًا ومتفقهًا فى الدين وينقصه جزء من الإجابة، وحينها كان يغلبنى الجانب الإنسانى والعاطفة وأحاول جاهدًا أن أقدم له يد العون والدعم من أجل أن يفوز ويحقق حلمه برحلة حج أو عمرة، فمن يمتلك الخير فى أيديه يجب ألا يحجبه عن الناس لأنه منحة من الله كلفه بها.

■ هل تتذكر مفارقة لن تنساها أثناء الحلقات؟
- «جورج بطرس» المفاجأة الكبرى بالنسبة لى فى إحدى الحلقات، حينما تفاجأنا بمتسابق يجيب عن جميع الأسئلة بمهارة وعلم وبمجرد فوزه وسؤاله عن اسمه قال: جورج بطرس، قائلًا إن اشتراكه فى المسابقة جاء من أجل أن يفوز بمسابقة عمرة ويهديها إلى جاره المسلم الذى كان يحلم طيلة عمره بأداء فريضة العمرة فى موقف تلقائى إنسانى وطنى يعبر عن طيبة النسيج المصرى، كما أتذكر مفارقة أخرى لا أنساها لسيدة مسنة جاءت من محافظة أسوان إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون وتحمل فى يديها جواز السفر الخاص بها تطالبنى بمنحها رحلة الحج، وعندما أخبرتها أن الفوز برحلات الحج يكون عن طريق الاشتراك فى مسابقة برنامج الجائزة الكبرى ومراسلة البرنامج والفوز بإحدى المسابقات، رفضت وأصرت على موقفها وحينها منحتها الشركة الراعية رحلة حج مجانية رغم عدم اشتراكها فى المسابقة تعاطفًا معها وتقديرًا للرحلة الطويلة التى قطعتها من أسوان للقاهرة من أجل الفوز برحلة حج إلى بيت الله.
■ على مدار الحلقات هل تتذكر أنك حزنت لعدم فوز متسابق؟
- بالفعل، وكانت سيدة من إحدى المحافظات أغلقت الهاتف فى وجهى أكثر من مرة عند إبلاغها بفوزها برحلة عمرة ظنًا منها أن البرنامج للسخرية والمقالب وليس برنامجًا دينيًا، حيث كان نجلها قد قدم فى المسابقة باسمها دون علمها، ما جعلها لا تصدق مكالمتى لها واضطررنا حينها لمنح الجائزة للفائز التالى، ولم يُكتب للسيدة الفوز حينها، ما ترك أثرًا حزينًا شديدًا لدىّ لعدم فوزها.
