الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عاشقة مصر.. البولندية أجنيشكا بيوتروفسكا: أفضل الكُتّاب العرب لم تُترجم أعمالهم بعد

أجنيشكا بيوتروفسكا
أجنيشكا بيوتروفسكا - تصوير مارتا إيبوي سيتشوكا

- بعض الناشرين يعتمدون على وكالات أدبية تسوّق لمصالحها الخاصة

- بعض الروايات العربية لا ترقى إلى مستوى الغربية

- نجيب محفوظ أكثر الكُتّاب العرب شهرة فى بولندا

- أصعب كتاب أعمل عليه حاليًا هو «مقهى ريش» لميسون صقر

فى عالم يزداد تداخله الثقافى يومًا بعد يوم، يتوسع دور الترجمة كأداة حيوية تعزز التواصل بين الشعوب، متجاوزة مجرد نقل الكلمات إلى بناء جسور حقيقية للفهم والتبادل الفكرى والمعرفى والتراثى.

والباحثة والمترجمة البولندية أجنيشكا بيوتروفسكا واحدة من المتفردين فى فن الترجمة، بعد أن كرست جهودها لنقل الأدب العربى إلى القارئ البولندى، إيمانًا منها بأن الترجمة ليست مجرد عملية تقنية، بل فعل ثقافى يحمل فى طياته رؤى وتصورات عن الآخر. 

ومن خلال المكتبة البولندية العربية، التى أسستها فى مصر، سعت «بيوتروفسكا» إلى تعزيز التبادل الثقافى بين العالمين العربى والبولندى، وتقديم صورة أعمق عن الأدب العربى للقارئ الأوروبى.

هذه المسيرة الكبيرة تضع «بيوتروفسكا»، أمام عدة أسئلة مثل كيف تنظر إلى تحديات الترجمة الأدبية؟ وما الذى يجعل الأدب العربى جديرًا بالاهتمام فى بولندا؟ وغيرها من الأسئلة التى أجابت عنها، خلال حوارها مع «حرف» فى السطور التالية.

■ أسستِ «المكتبة البولندية العربية» فى مصر.. كيف نشأت الفكرة؟ وما الهدف من إنشائها؟ وكيف بدأت رحلتكِ فى تعلم العربية والترجمة بين اللغتين؟

- السبب الرئيسى فى تأسيس المكتبة هو غياب المعاهد الثقافية فى بولندا ومنطقة الشرق الأوسط التى تهتم بالعلاقات المتبادلة. فكان هدفى جمع كل الأنشطة التى كنت أمارسها فى الترجمة الأدبية بين اللغتين العربية والبولندية تحت مظلة واحدة. 

والأهم من ذلك، رغبتى فى نشر الأدب العربى كما أكتشفه بنفسى، ليس عبر تصفيته أو تكييفه ليتماشى مع الأذواق الغربية. فى البداية كنت، وما زلت، أتعاون مع عدة دور نشر فى بولندا، ولكن مع مرور الوقت شعرت بالإرهاق من العمل الذى تطلب منى أكثر من مجرد الترجمة، كالبحث عن التمويل والترويج للكتب... إلخ. 

ولذا قررت أن أتعلّم كيفية العمل بنفسى. ومسارى المهنى كان تقليديًا إلى حد ما؛ درست اللغة العربية وحصلت على دكتوراه فى الشعر المصرى، ثم عملت محاضرة فى الأدب والترجمة. لكن شغفى بالأدب دفعنى للانتقال إلى مصر والتفرغ لترجمته بعمق.

تصوير مارتا إيبوي سيتشوكا

■ كيف تختارين الأعمال الأدبية للترجمة بين العربية والبولندية؟ وما المعايير الأساسية التى تعتمدينها عند نقل الأدب البولندى إلى العربية والعكس؟

- الترجمة إلى البولندية هى مجال عملى الأساسى. فى عام ٢٠٢٠ أطلقت مشروع نشر ضمن سلسلة «مصر تتحدث عن نفسها» تركز على ترجمة الأدب العربى إلى اللغة البولندية، وجميع الكتب التى أنشرها متعلقة بالثقافة والتاريخ المصرى وتمزج بين الأنواع الأدبية المختلفة كالسير الذاتية والريبورتاج والمقال، وغيرها. والهدف هو تقديم أصوات الكتُاب والمواضيع المغمورة فى الترجمة، إلى البولندية، التى تحمل أهمية فى الأدب العربى.

أسعى إلى تقديم الأدب العربى بصورته الحقيقية، باحثة عن القواسم المشتركة بين الثقافتين، مع التركيز على تشكيل ذائقة القراء بدلًا من مجاراة التصورات الغربية النمطية. 

وفى المقابل، أحرص عند اقتراح الكتب البولندية للناشرين العرب على اختيار مواضيع جذابة واستكشاف مجالات غير مطروقة، لكنها ذات قيمة ثقافية كبيرة.

■ ما العقبات التى تواجه نشر الأدب البولندى فى العالم العربى والعكس؟

- أكبر تحدٍ فى الاتجاهين هو قلة المعرفة بالأدب، ما يؤثر على اختيارات الناشرين الذين يعتمدون غالبًا على وكالات أدبية تسوّق لمصالحها الخاصة. وباستثناء المترجمين، نادرًا ما يوجد من يختار الأعمال بشكل مستقل. ورغم أن معارض الكتب واللقاءات المهنية تتيح فرصًا للتواصل المباشر، إلا أنها محدودة الوصول. شخصيًا، لا أعرف سوى قلة قليلة ممن يستكشفون سوق الأدب العربية لصالح الناشرين أو الوكالات الأدبية.

■ كيف ترين دور الترجمة فى تعزيز التفاهم الثقافى بين العرب والبولنديين؟

- فى مشروعى للنشر، أعتمد على التواصل المباشر واختيار المواضيع المشتركة، مع تقديم أعمال لمؤلفين وباحثين محليين. 

وبعد إصدار الكتاب باللغة البولندية، أسعى لجذب اهتمام النقاد الأدبيين، إذ كان نقد الأدب العربى فى بولندا محصورًا غالبًا بين مستشرقين وصحفيين ينظرون إليه كمصدر معلومات عن المنطقة، لهذا أطلقت حملتى «إزالة الاستشراق» من الأدب العربى، وحققت بعض النجاح فى تغيير هذه النظرة، ما يساعد القراء فى إدراك أن ما يجمعنا يفوق بكثير الفروقات الثقافية.

■ ما أول عمل أدبى عربى ترجمته إلى البولندية؟ ولماذا؟

- أول عمل ترجمته إلى البولندية كان رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسوانى، بناءً على طلب إحدى دور النشر خلال دراستى للدكتوراه.

■ ما مدى اهتمام القارئ البولندى بالأدب العربى؟

- لا أنظر إلى الأمر بهذه الطريقة، فطموحى هو تقديم كتب لمن يقدرون الأدب الجيد بغض النظر عن منشأه، وأؤمن بوجود قراء يشاركوننى هذا التوجه.

■ هل هناك كتاب عرب اشتهروا فى بولندا من خلال الترجمات؟

- يُعد نجيب محفوظ من أكثر الكتاب العرب شهرة فى بولندا، حيث تُرجمت عشرة من أعماله إلى البولندية. 

وفى فترة معينة، حظى علاء الأسوانى أيضًا بشهرة واسعة هناك، خاصة بعد تحويل أحد كتبه إلى فيلم ناجح، كما كان كتابه من أوائل الأعمال العربية التى حققت مبيعات كبيرة فى أوروبا. فى الآونة الأخيرة، ازدادت شهرة الكاتبة عدنية شبلى، بفضل ترجمات هانا يانكوفسكا، وأيضًا نتيجة للفضيحة التى أثارها إلغاء حفل تسلّمها جائزة فرانكفورت، فى ظل الحرب على غزة.

■ ما العوامل التى تؤثر فى اختياركِ لرواية عربية لترجمتها إلى البولندية؟

- قد لا يروق كلامى للجميع، لكن بعض الروايات العربية لا ترقى دائمًا لمستوى نظيراتها فى الأدب الغربى، رغم وجود استثناءات بالتأكيد. وأعتقد أن بعض أفضل الكتاب العرب هم من لم تُترجم أعمالهم بعد إلى اللغات الأوروبية. لدىّ أسماء مفضلة، لكننى أفضّل عدم ذكرها الآن. ما يجذبنى أكثر هو الأدب الذى يمزج بين الأنواع المختلفة، وهو ما أسعى لتقديمه فى سلسلتى.

■ ما أصعب عمل أدبى عربى ترجمته؟ ولماذا؟

- أصعب كتاب أعمل عليه حاليًا «مقهى ريش. عين على مصر» لميسون صقر، ليس فقط لضخامته، بل لطابعه الموسوعى الملىء بالتفاصيل التاريخية والوثائق والأسماء التى يصعب التحقق منها حتى فى لغتها الأصلية. كما أن أسلوبه يجمع بين الطابع الموسوعى والمقال، ما يجعله أكثر تعقيدًا. 

لا يزال أمامى الكثير من العمل للوصول إلى الشكل النهائى. كذلك، كانت ترجمة الأعمال المسرحية تحديًا بالنسبة لى، حيث اضطررت لتعلم تقنياتها التى لم أتعامل معها من قبل.

■ هل واجهتِ صعوبة فى ترجمة المزج بين الفصحى والعامية فى السرد العربى؟

- كان التحدى الأكبر لى هو التعامل مع العامية المصرية، خاصة أننى لم أدرسها مسبقًا. أول تجربة لى كانت مع كتاب ليوسف رخا، ونجحت فى نقل طابعه المميز. حاليًا، أترجم رواية مصورة بالعامية المصرية، وأحتاج أحيانًا للتشاور مع ناطقين أصليين. 

أما المزج بين الفصحى والعامية، فقد أصبح مألوفًا لدىّ. برأيى، صعوبة الترجمة الأدبية العربية تنبع من قلة خبرة المترجم، إذ يجب أن يبدو النص طبيعيًا للقارئ. تجربة الترجمة الصحفية كانت مدرستى الأولى، وبعدها أصبحت قادرة على تقديم نصوص سلسة كأنها مكتوبة بلغتها الأصلية.

■ ما التحديات فى ترجمة الأدب البولندى إلى العربية؟

- أكبر عقبة فى ترجمة الأدب البولندى إلى العربية هى الوصول إلى الناشرين، يليها التحدى فى الترويج، خاصة لدور النشر المستقلة أمام هيمنة الكيانات الكبرى. رغم ذلك، يحظى الشعر البولندى بسمعة جيدة بين القراء العرب بفضل ترجمات هاتف جنابى، وبدأ أدب الخيال البولندى يلقى اهتمامًا متزايدًا. ومع ذلك، لا يزال الأدب البولندى الكلاسيكى أقل شهرة مقارنة بالأدب الروسى أو الفرنسى، بسبب هيمنة الثقافات المركزية.

■ هل تتواصلين مع الكتاب العرب خلال الترجمة؟ وكيف ينعكس ذلك على جودة العمل؟

- نادرًا ما أتواصل مع الكتّاب، إلا عند الحاجة لحل غموض معين، وأفضل البحث أولًا بمساعدة الأصدقاء قبل اللجوء إليهم.

■ كيف كان استقبال القراء العرب لروايتى «كوزموس، وفيرديدوركه» بعد ترجمتهما؟ ولماذا اخترتهما تحديدًا؟

- ترجمة أعمال «جومبروفيتش» كانت مبادرة الناشر صاحب «منشورات الجمل»، خالد المعالى، وشخصيًا نصحت فقط باختيار «اليوميات»، لأننى رأيت أنها الأهم والأكثر تعبيرًا عن رؤية هذا الكاتب. 

و«جومبروفيتش» هو كاتب محترم ومعروف إلى حد ما فى أوساط الأدب فى العالم العربى، خاصة تلك المتأثرة بالأدب الأوروبى. لكن يجب أن أعترف بأن ظاهرة الانبهار بهذا المؤلف، الشائعة عالميًا، ظهرت أيضًا فى المنطقة العربية، وإن كان ذلك على نطاق أضيق، ولكن فى مناسبات مختلفة، أجد نفسى ألتقى قراء معجبين به أو أتلقى منهم رسائل على غير المتوقع. مثل تلك التى تلقيتها مؤخرًا من تونس، حيث أخبرنى قارئ بأن «اليوميات» كانت واحدة من أفضل الكتب التى قرأها فى عام ٢٠٢٤. وجومبروفيتش كاتب عظيم وعصرى جدًا، إذ طرح فى صياغته المتفردة لانتقاد آلية الثقافة، العديد من الحقائق الشاملة عن الإنسان التى يمكن تطبيقها فى ثقافات مختلفة. هناك أيضًا خطط لتحويل أحد أعماله إلى عرض مسرحى فى بلد عربى، ولكن لا يزال الوقت مبكرًا للحديث عن ذلك.

■ لماذا اخترتِ كتاب «موجز تاريخ الأدب البولندى» ليان تومكوفسكى للنشر فى معرض القاهرة الدولى للكتاب ٢٠٢٥؟

- كما ذكرت فى مقدمة الكتاب، الفكرة جاءت من اعتقادى بأنه لا يمكننا بناء علاقات ثقافية متعمقة مع المنطقة العربية فى مجال الأدب دون تقديم إطار تاريخى ونظرى لهذا الأدب. خاصة أن الترجمات من اللغة البولندية إلى العربية، بما فى ذلك مصر، تزداد بشكل مستمر، حيث إن عدد الأعمال البولندية المترجمة إلى العربية فى السنوات الخمس الأخيرة تشكل الآن من ٢٥: ٣٠٪ من إجمالى الترجمات على مدار ١٦٥ عامًا. وفى عالم اليوم، حيث يزداد الاهتمام باللغات والثقافات غير المركزية، أو ما يُسمى باللغات الصغيرة، سيكون من المفيد لمثقفينا استغلال هذه الفرصة لتوسيع معرفتهم وفهمهم لهذه الثقافات. ليس فقط من الناحية الجمالية، بل أيضًا لأنه يساعد فى إثراء فهمهم للواقع. 

وكتاب «البروفيسور تومكوفسكى» سيساعد القارئ العربى فى فهم الثقافة البولندية وتاريخها بشكل أفضل، كما سيساعد الناشرين فى اختيار الموضوعات التى تهمهم دون الاعتماد فقط على الوكالات الأدبية الأجنبية.

■ كيف كانت تجربة ترجمة «موجز تاريخ الأدب البولندى» بالتعاون مع هالة كمال؟

- أنجزتُ جميع ترجماتى إلى العربية بالتعاون مع شركاء ومراجعين ناطقين بها، وكان للدكتورة هالة كمال دور رئيسى فى مراجعة الأسلوب وصياغة النص بشكل سلس. وواجهتُ تحديات لوجستية كبيرة، من اختيار الكتاب وتحريره إلى التمويل والنشر بسعر مناسب، وساعدتنى الدكتورة هالة فى التواصل مع المركز القومى للترجمة. 

كما أثّرت جائحة «كوفيد» والحرب الروسية الأوكرانية على سير العمل، وتأخرنا فى الحصول على حقوق لوحة الغلاف. ورغم وفاة المؤلف قبل نشر الكتاب، إلا أننى واثقة أنه كان سيفرح بإتمام المشروع.

■ ما أبرز الموضوعات التى يغطيها الكتاب فى الأدب البولندى؟

- يستعرض الكتاب تاريخ الأدب البولندى منذ نشأته حتى اليوم، مسلطًا الضوء على أبرز الاتجاهات الأدبية والمبدعين وأعمالهم فى سياقها التاريخى والثقافى. ويتضمن مقدمات خاصة للقارئ العربى، تسهّل فهم المحتوى، بالإضافة إلى قائمة بأهم الأحداث الأدبية والثقافية. كما أضفتُ إشارات إلى الأعمال المترجمة للعربية عند ذكر المؤلفين.

■ هل احتجتِ إلى تبسيط بعض المفاهيم البولندية لتسهيل فهمها للقارئ العربى؟

- المصطلحات المرتبطة بالأدب البولندى تشبه إلى حد كبير المصطلحات المرتبطة بالأدب الأوروبى بشكل عام، لكنها تحتوى على بعض الخصوصيات الثقافية أو الأدبية المحلية. من ناحية أخرى، كان من الضرورى تبسيط وتعديل بعض العناوين، خاصة تلك التى تنتمى إلى العصور القديمة التى تكون فيها اللغة البولندية غامضة حتى بالنسبة لناطقيها الأصليين.

■ ما مدى صعوبة ترجمة السياقات التاريخية والسياسية المؤثرة فى الأدب البولندى إلى العربية؟

- قدمتُ شرحًا للحقائق الأساسية فى مقدمة «الفصول والهوامش»، لكن بعض القضايا التاريخية قد تحتاج إلى تفصيل أعمق مستقبلًا. يمكن الاستفادة من كتب آدم زاموييسكى، المؤرخ البولندى الذى يكتب بالإنجليزية. ورغم خصوصية الأدب البولندى، إلا أن طابعه ما بعد الاستعمارى يجعله مفهومًا لدى قراء المنطقة.

■ هل تعتقدين أن هناك نقاط تشابه بين تطور الأدب البولندى والعربى؟

- يرتبط الأدب البولندى والعربى بسياق ما بعد الاستعمار، الذى بدأ فى بولندا منذ أواخر القرن الثامن عشر. فى تلك الفترة، تناول الأدب البولندى مواضيع حديثة قد تكون ذات صلة بالقارئ العربى. يمكن أيضًا مقارنة مكانة الأدب فى المجتمع وتأثير الدين والتقاليد على تطوره، ما يفتح مجالًا لدراسات مثيرة.

■ كيف أثّرت الحروب والاستعمار على تطور الأدب البولندى؟

- تأثر الأدب البولندى بالتيارات الفلسفية والأدبية الأوروبية، لكنه اكتسب طابعًا مميزًا بسبب فقدان الاستقلال والتقسيمات التاريخية التى مرّت بها بولندا. وتمحورت موضوعاته حول الحرية، ومقاومة القمع، والهوية الوطنية، والصراعات الاجتماعية. ولعب أدب المهجر دورًا مهمًا منذ القرن الثامن عشر وحتى سقوط الرقابة عام 1989، خاصة خلال الاحتلالين الألمانى والسوفيتى. وفى حقبة جمهورية بولندا الشعبية، برز «الأدب المتداول السرى»، الذى انتشر بعيدًا عن رقابة الحكومة، سواء فى الأدب المحلى أو المترجم.