إسلاميون وقتلة.. ماذا فعل بنا شياطين الإسلام السياسى فى 100 عام؟

- فى العصر الملكى تعاونت الجماعة مع جهازى مخابرات أجنبيين على الأقل
- جماعة الإخوان استغلت الصراع الصهيونى العربى منذ بدايته لتكوين نواة الميليشيات المسلحة
- الجماعة فى مصر لو أكملت حكمها كانت ستقوم بتجريد مصر من قوتها المسلحة
- بعد أحداث يناير تكاتفت جماعات الإسلام السياسى فى جبهةٍ واحدة ضد الدولة المصرية
- تواطؤ حماس ضد مصر طعن الشرف الوطنى الفلسطينى وشرف المقاومة
بعيدًا عن مناقشة العقائد والأفكار التى قامت عليها ما تسمى بجماعات الإسلام السياسى، وعلى اعتبار أنها جماعات سياسية محلية، ماذا قدمت هذه الجماعات لأوطانها فى المنطقة العربية فيما يقرب من قرنٍ من الزمان؟ سؤال يبحث عن إجابات موضوعية مجردة، ترتكن إلى لغة الحسابات فقط. ما هى المحصلة النهائية فى القضايا الوطنية المحلية لكل دولة، وفى القضايا العربية العامة وأهمها القضية الفلسطينية؟

قطعًا يجب أن نقدم أولًا الإجابة المصرية عن هذا السؤال، أولًا بصفة أنها الدولة الأهم فى المنطقة، وثانيًا بصفتها دولة المنشأ للجماعة الأم أو جماعة حسن البنا الساعاتى.
فى العصر الملكى تعاونت الجماعة مع جهازى مخابرات أجنبيين على الأقل، الأول الجهاز البريطانى ونشأت بتمويل مباشر منه، ثم الثانى وهو الألمانى.
استغلت الصراع الصهيونى العربى منذ بدايته لتكوين نواة الميليشيات المسلحة؛ بحجة إعداد متطوعين للمشاركة فى الدفاع عن فلسطين، وحين أتت ساعة المواجهة الفعلية تلكأت الجماعة فى إرسال ميليشياتها، حتى فضح هذا التلكؤ أحمد حسين، فى مقال وثائقى بمصر الفتاة. تهكم فيه على حسن البنا.
ثم صنعت الجماعة صفحة وهمية من بطولات مقاتليها فى حرب فلسطين، ولقد كتبتُ مقالًا، منذ سنوات، بعنوان أكذوبة الجماعة الكبرى عن دورها فى حرب فلسطين، وثقت فيه حقيقة هذا الدور طبقًا لمصادر إخوانية، لقد ظلت الجماعة لعقود طويلة تروج لهذا الدور الوهمى وتتاجر به شعبويًا وتصدّر للجماهير فكرة أنها لو وصلت للحكم فسوف تقوم بتحرير فلسطين؛ لأن ما يعوقها عن ذلك هو وجود حكومات فاسدة!
كما استغلت هذه الكذبة فى تجنيد مصريين صغار فى صفوفها، وكم سمعتُ أثناء دراستى الجامعية بمدينة المنيا عن هذا الدور البطولى المزعوم فى أحاديث طلاب الجماعة الموجه للطلاب الآخرين.
وفى الفترة نفسها شن عناصر الجماعة حملة اعتداءات تخريبية ضد مصالح مواطنين مصريين يهود؛ كان لها تأثيرٌ مباشر فى حسم قرار بعضهم فى ترك مصر والتوجه للكيان الصهيونى الناشئ حديثًا على أراض عربية، أى أن ما قامت به الجماعة وقتها- فيما يخص فلسطين- كانت نتيجته المباشرة هو دفع يهود مصريين للخروج من مصر والتوجه لأرض المعاد والاستيلاء على أراضٍ عربية.
لو قامت بذلك مجموعات شعبوية عادية تعاطفًا مع مأساة فلسطين، وقادت أفعالُها لتلك النتيجة لكان يمكن القول إنها أفعالٌ حسنة النية، لكنها خطأ وخارج القانون، وتم توجيهها للأشخاص الخطأ، كما قادت إلى نتائج سيئة عكس ما أراده أصحابُها.
لكن حين تقوم بذلك جماعة تعترف فى وثائقها بأنها تلقت تمويلًا من الدولة الراعية لإقامة الكيان وقتها، فلن يكون لحسن النية أى مكان، وتصبح أفعالها جزءًا من الخطة الكلية التى قامت وقتها على إجبار اليهود- الذين رفض بعضهم فى البداية المبادرة بالتوجه للكيان- عبر ممارسة عمليات عنف ضدهم على مغادرة الدول التى كانوا ينتمون إليها، سواء فى أوروبا أو الشرق الأوسط، هذا يعنى أن دور الجماعة فى بدء إقامة الكيان كان مساهمة عملية مباشرة تحت غطاء مخابراتى غربى فى إنجاح المخطط، وليست مقاومته، كما تدعى الجماعة فى خطابها العلنى الذى تسوقه لأتباعها.
فى الداخل المصرى، قدمت الجماعة لمصر وقتها فكرة شق الصف الوطنى، الذى كان مفترضًا توجيهه لقضية وطنية واحدة وهى قضية الاستقلال.
لقد غرست الجماعة فكرة تقسيم الجبهة المصرية السياسية داخليًا، وإغراقها فى صراعات بينية تجرفها بعيدًا عن مواجهة الاحتلال البريطانى. افتتحت الجماعة صفحة جرائم العنف السياسى ضد الخصوم السياسيين من رجال دولة ورجال قانون ومفكرين.. اغتيالات سياسية وتدشين جماعة سياسية مسلحة خارج القانون.
كما غرست فى التربة المصرية فى العصر الحديث فكرة السعى للحكم على أسس دينية طائفية فى ذروة توهج الفكر المصرى الوطنى، الذى أفشل خطط الاحتلال فى تفعيل فكرة «فرّق تَسُدْ» بين المسلمين والمسيحيين. قدمت الجماعة للاحتلال هذا البديل الذهبى للتفرقة أو قام الاحتلال بخلق الجماعة لتنفيذ هذا البديل.
سياسة الجماعة فى إجبار يهود من أصحاب الأعمال والمشاريع على ترك مصر، عبر ممارسات العنف ضدهم، ضرب الاقتصاد المصرى بخسارته هؤلاء وتوقف أعمالهم، كما أثرت سياستها التخريبية على الاقتصاد المصرى بالسلب.

كما أثرت على قطاعات مصرية شعبية واقتطعتها من النسيج المصرى الواحد، الذى كان يصبغ الشخصية المصرية، ولم يوقف قرار حل الجماعة هذا الاقتطاع، فقد تم حل الجماعة قانونًا، لكنها بقيت فعليًا بوجود أعداد من المصريين تم تقديرها وقتها بما يقرب من مليون مصرى يؤمنون بأحقية الجماعة فى الوصول للحكم على أساس دينى.
بعد وصول ضباط الجيش للحكم، وبدء العصر الجمهورى تعاونت الجماعة مع جهاز مخابرات دولة ثالثة هى الولايات المتحدة ضد الدولة المصرية، واقترفت سلسلة من جرائم العنف السياسى فى سنواتٍ كانت هذه الدولة تواجه التحديات الخارجية التقليدية للتحول من نظام حكم ملكى تحت احتلال أجنبى لآخر وطنى جمهورى.

فى السنوات التى كانت مصر تواجه أطماعًا خارجية فى قناة السويس، كانت الجماعة تضرب الاستقرار المصرى الوطنى. وفى ذروة توحش الأطماع الصهيونية فى فلسطين وسيناء، كانت الجماعة تخطط للقيام بأعمال تخريبية فى مصر، وصلت للتخطيط لاغتيال القيادات السياسية المصرية وتفجير منشآت مصرية حيوية.
هذا يعنى أنه توجب على الدولة المصرية، وقتها، أن توجه جزءًا من طاقتها لمواجهة مخططات الجماعة لتفجير الوضع الداخلى، فى نفس وقت مواجهتها العدوان الخارجى، ما يعنى أن الجماعة خدمت بشكل مباشر القائمين على هذا العدوان، بدلًا من مواجهته بصفتها جماعة مصرية.
ولم يكن للجماعة ولا لأعضائها أى دورٍ فى مواجهة العدوان الثلاثى كباقى المصريين الذين كونوا جماعات فدائية للمقاومة، بل تم ضبط أسلحة الجماعة المعدة للقيام بجرائم موجهة للداخل المصرى. وبعد احتلال سيناء لم يتم توثيق أى دور للجماعة فى مقاومة الاحتلال الصهيونى الأراضى المصرية.

بعد معركة أكتوبر تفرعت من الجماعة جماعات كثيرة بأسماء وقيادات كان معظمها أعضاء فى الجماعة.
قامت جماعات الإسلام السياسى فى مصر بعد نصر أكتوبر حتى اغتيال السادات بارتكاب مئات الجرائم الإرهابية المسلحة، الموجهة جميعها للداخل المصرى. ورغم غياب هذه الجماعات التام عن مشاهد المجهود الحربى الوطنى قبل وأثناء المعركة، لكنها وبلا استثناء استغلت توقيع مصر اتفاقية السلام كذريعة لطعن مصر فى شرفها الوطنى والدينى، وتاجرت بهذه الاتفاقية لتجنيد آلاف الشباب المصريين وغسل عقولهم ودفعهم لاقتراف تلك الجرائم التى انتهت باغتيال السادات.
وبعد تولى مبارك الحكم، وبعد محاولته القيام بمصالحة وطنية وإطلاق سراح بعض هؤلاء، لم تتوقف جماعات الإسلام السياسى عن محاربة الدولة المصرية سوى عدة سنوات، قامت خلالها بإعادة تنظيم قدراتها، ثم بدأت فى شن حملات متتالية من العمليات المسلحة التى استهدفت رجال دولة وشرطة ومفكرين وصحفيين.
سقط خلال هذه السنوات آلاف المصريين شهداء ومصابين، منهم أعداد كبرى من مواطنين عاديين. واستهدفت الجماعة بوجه خاص الاقتصاد المصرى، عبر توجيه ضرباتها لقطاع السياحة ومحاربة كل خطط الدولة لضبط النمو السكانى.
ونجحت فى زرع أفكارٍ طائفية فى قرى صعيد مصر بوجه خاص، ما أسهم فى إشعال فتن طائفية متتالية ألقت بظلالها على التماسك المصرى الوطنى، وفى الوقت نفسه تسللت جماعاتٌ أخرى للسيطرة على جانب من الاقتصاد المصرى وتوجيهه خارج الدولة عبر شركات توظيف الأموال، فكونت إمبراطوريات كبرى سوف يتم استثمار إمكاناتها بعد ذلك بسنواتٍ فى مواجهة المؤسسات المصرية الوطنية بعد عام ٢٠١١م.
أى أنه وفى سنوات حكم مبارك كانت محصلة ما قدمته جماعات الإسلام السياسى لمصر هو قتل أعدادٍ من المصريين بمسمياتٍ مختلفة، وإرهاق الاقتصاد المصرى، وإضعاف التماسك الوطنى المجتمعى، وكل هذا صبّ فى خانة إضعاف مصر فى مواجهة عدوها التقليدى الرابض على الحدود الشرقية.
بعد أحداث يناير تكاتفت جماعات الإسلام السياسى فى جبهةٍ واحدة ضد الدولة المصرية. وكان المصريون قاب قوسين أو أدنى للوقوع فى فخ الاقتتال الأهلى الداخلى الذى لو حدث وقتها لتم تفكيك مصر بالفعل وتحويلها لدويلات تنفيذًا لمشروع برنارد لويس أو سايكس بيكو ٢.
واجهت الدولة المصرية ميليشيات جماعات الإسلام السياسى، وكلفتها هذه المواجهة الحتمية أعدادًا من الشهداء العسكريين والشرطيين، وخصمًا من مقدراتها الاقتصادية، فى الوقت الذى كان عدو مصر التقليدى يترقب ما سوف تسفر عنه هذه المواجهة. أى بعد سقوط نظام مبارك استنزف الإسلامُ السياسى جزءًا غير قليل من مقدرات مصر الاقتصادية والعسكرية، وجاهرت جماعاتُه باستعداء قوى أجنبية ضد الدولة الوطنية. وبعد دحر هذه الجماعات، هرب قياداتُها للخارج. بعضهم هرب إلى الدولة الغربية الأم، التى كانت صاحبة السبق التاريخى فى خلق واستخدام هذه الجماعات، وبعضهم الآخر استقر فى دول فى منطقة الشرق الأوسط. وأكملوا جميعًا دورهم من خارج مصر.
أما جماعات الإسلام السياسى فى دول المنطقة الأخرى، فقد قامت بأدوارٍ مشابهة لما حدث فى مصر حسب مفردات كل دولة.
ففى السعودية كان لتورط سعوديين فى جرائم إرهابية دولية ثمن كبير، دفعته المملكة من اقتصادها عبر تعرضها لموجات ابتزازٍ كبرى، كما تعرض دور السعودية التاريخى فى رعاية الأماكن المقدسة لمشاهد محزنة أثناء مواسم الحج المختلفة.
وفى دول أخرى غير سنية، تكونت ميليشيات للإسلام السياسى الشيعى خدمت بشكلٍ مباشر أهداف السيطرة على مقدرات تلك الدول.
فدولة مثل لبنان أصبحت رهنًا لما تقوم به ميليشيات الحزب الموالى لدولة شيعية كبرى. وتعرض لبنان لموجات اعتداءٍ صهيونية متتالية، وتحولت العاصمة بيروت ومبانيها وقرى الجنوب اللبنانى ومنازل سكانه إلى ما يشبه ميادين تدريب للمقاتلات الصهيونية دون أن تكون للدولة قوة مسلحة وطنية قادرة على الصد فى ظل تلك الازدواجية العبثية.
وفى الأردن، ومنذ توغل جماعة الإخوان فى المجتمع الأردنى فقد تحولت الجماعة إلى ما يشبه حصان طروادة الذى يقوم بمحاولة إضعاف الدولة، ومحاولة تقديم نفسها للرعاة كبديلٍ لنظام الحكم الملكى الوطنى.

وفى سوريا، قامت ميليشيات الإخوان باستقدام مقاتلين من خارج سوريا واقترفت مذابح ضد سوريين من طلاب الكليات العسكرية، وحين تصدت القوات السورية الوطنية للمشهد تم اتهامها باقتراف مذابح ضد المعارضة الوطنية!
ثم فى بدء تنفيذ مخطط الفوضى الشرق أوسطية أو الخريف العربى تكونت ميليشيات متعددة الجنسيات من جماعات الإسلام السياسى خاضت مواجهة طويلة ضد الدولة السورية.
قامت هذه الميليشيات بمواجهة عسكرية ضد الجيش السورى فى نفس وقت عربدة الجيش الصهيونى برًا وجوًا فى سوريا. بما يعنى أن تلك الميليشيات كانت تحارب فى جبهة واحدة، حتى لو كان دون تنسيق مباشر، مع الكيان الصهيونى حتى تم إسقاط الدولة السورية.
ماذا فعلت بعض جماعات الإسلام السياسى حين وصلت للحكم؟
لقد عملت هذه الجماعات طوال عقودٍ ممتدة منذ نصر أكتوبر على إقناع الشعوب بفكرة واحدة. مفادها أنها إن وصلت للحكم وأقصت الحكومات التقليدية- التى تصفها بالفساد والتخاذل أمام الكيان الصهيونى- فسوف تقوم أولًا بإقامة العدل المفقود، وثانيًا ستقوم بحل مشاكل الشعوب الحياتية، وثالثًا فسوف تقوم بمواجهة الكيان الصهيونى.
لقد سوقت جماعات الإسلام السياسى لتلك الشعوب فكرة أن الخلاص من العدو القريب- أو الحكومات الفاسدة العميلة على حد زعمها- هو الطريق لدحر العدو البعيد أو الكيان الصهيونى.
لقد صدقت الشعوبُ هذا الطرح بالفعل، وقررت تلك الشعوب أنها سوف تساعد فى وصول هذه الجماعات للحكم إن سمحت لها بذلك الظروف السياسية. وهذا ما حدث بالفعل فى دولٍ مثل السودان، وبعدها بعقودٍ فى مصر، ثم أخيرًا فى سوريا.
لقد كان السودان أول مثال تصل فيه جماعة الإخوان للحكم ممثلة فى نظام «البشير- الترابى».

محصلة سنوات حكم الجماعة كان.. تقسيم السودان.. إدراج الرئيس السودانى على قوائم المحاكم الجنائية الدولية.. زيادة نسبة الفقر والجهل.. انهيار البنية الأساسية.. اضطهاد النساء.. وإدخال السودان لعصر إظلام حضارى انتهى بسقوط النظام ودخول السودان إلى نفق الحرب الأهلية واقتراب تقسيم السودان المقسم بالفعل!
وفى مصر وصلت الجماعة للحكم فعجزت عن الحكم والإدراة، واتضح أن قوائم علمائها وكوادرها، التى داعبت بها أحلام المصريين لم تكن إلا أوهامًا كبرى. تواطأت الجماعة بشكل رسمى للتفريط فى الأرض المصرية شرقًا وجنوبًا.
وشرعت فى تنفيذ مخطط تقسيم مصر والتنازل رسميًا عن قطعة من أرض مصر. وعملت على محاولة تفكيك الجيش المصرى لتعجيز مصر عن الدفاع عن أرضها.
قامت بمحاولة نشر الطائفية والمذهبية، ووقعت أول جريمة مذهبية فى مصر.
وحين لفظها المصريون- بنفس طريقة لفظهم نظام مبارك- أسفرت الجماعة عن وجهها الحقيقى للمصريين، فحاولت حرق مصر، وحرقت بالفعل أماكن عبادة ومؤسسات مصرية.
أما فى سوريا، فقد وصلت إحدى جماعات الإسلام السياسى للحكم- ليس باختيارٍ شعبى- لكن بتوافقات إقليمية ودولية غير سورية.
وفى يوم وصولها الحكم، تم تدمير مقدرات الجيش السورى باعتباره جيشًا للنظام السابق.
واحتل الكيان الصهيونى مساحاتٍ ومواقع جديدة من الأراضى السورية.
إن من الضحك ما يبكى.. هذا هو الذى تذكرته صباح الخميس، وأنا أشاهد نشرة أخبارٍ على شاشة قناة عربية. الخبر الأول كان مظاهراتٍ لسوريين احتجاجًا على اعتداءات صهيونية على دمشق، بينما كان الخبر الثانى لقطاتٍ لما أطلق عليه مؤتمر حوار وطنى سورى! تحدثوا فيه عن الشروع فى تكوين جيش سورى وطنى!
هذا المشهد يجب أن يخلده التاريخُ لكى يستفيق السذج فى كل وطن عربى مما بقى من أوطان.
هذا الطرح الساذج الذى لا يصدقه سوى فاقدى العقل والأهلية، والذى حاولت الجماعة فى مصر تسويقه للمعاتيه، يقول بهدم الجيش الوطنى تمامًا ثم الشروع فى بناء جيش جديد!
أى أن هذا الطرح يفترض مثلًا أن الجماعة فى مصر لو أكملت حكمها كانت ستقوم بتجريد مصر من قوتها المسلحة، ثم ستشرع فى عدة سنوات فى بناء الجيش الإسلامى المنتظر، وأن حكومة الكيان الصهيونى- مهما يكن رئيس وزرائها- سوف يقوم أعضاؤها وقادةُ جيشها بلعب كوتشينة ودومينو حتى تفرغ مصرُ وقتها من بناء جيشها فى عدة سنوات!
أى أنواع من المخدرات يتعاطاها قادة هذه الجماعة ومن يصدقونهم؟!
اليوم فقط صدقتُ من قال إن الدين أفيون الشعوب، لكننى أصحح العبارة فأقول، إن الاتجار بالأديان- وليست الأديان ذاتها- هو أفيون الشعوب!
هؤلاء الأفراد- الذين يصدقون أن الكيان الصهيونى سوف يصبر ساعة واحدة على مصر ضعيفة منزوعة السلاح دون أن يجتاحها- يجب أن يصدر عليهم حكمٌ بعدم أهليتهم لممارسة حقوقهم السياسية، لأنهم مثل السفهاء الذين يتم الحجر عليهم!
ماذا فعلت جماعات الإسلام السياسى فى قضية فلسطين؟!
شكل فلسطينيون جماعات مقاومة مسلحة منذ سنوات ما قبل النكبة، وذلك بعد تدفق الهجرات الصهيونية إلى أرض فلسطين وتواطؤ سلطات دولة الاحتلال العثمانى مع المؤسسات الصهيونية.
غابت جماعات الإسلام السياسى عن المقاومة الوطنية لعقود، وكل أسماء القيادات الدينية الفلسطينية التى انطوت، وقتها، فى كتائب المقاومة إنما فعلت ذلك بصفتها الفلسطينية الوطنية. أما جماعات الإسلام السياسى غير الفلسطينية فى كل الدول العربية، فقد جعلت من المتاجرة بالقضية وسيلة لابتزاز دولها، ودغدغة مشاعر مواطنيها لتجنيد أعضاء جدد.
وأقوى حركة مقاومة وطنية قد تأسست فى مصر نهاية الستينيات، وتمت تسميتها بحركة تحرير فلسطين أو فتح.
عجز الكيان الصهيونى عن القضاء عليها حتى كون جماعة حماس؛ فاشتعل الصراع والاقتتال الفلسطينى الداخلى.
بنضال فتح، ومعها جماعات مقاومة فلسطينية يسارية، ومساندة دول وطنية مثل مصر نجحت القضية فى تحقيق مكتسباتٍ دولية قانونية وواقعية على الأرض.
رجع بمقتضى هذه المكتسبات فلسطينيون إلى أرضهم، وتحررت غزة والضفة، وتكونت سلطة شرعية اكتسبت اعترافًا دوليًا.
كل ذلك قد حدث رغم خطأ تلك المقاومة بتفويت فرصة الاستفادة من نصر أكتوبر فى مفاوضات السلام الأولى.
فماذا فعلت جماعة الإسلام السياسى الفلسطينى بعد أن وصلت- بمقتضى مكتسبات مفاوضات السلام الثانية- للحكم؟
لقد قامت بتحقيق أجندة الكيان حين فصلت قطاع غزة عن الضفة فضربت مشروع الدولة الفلسطينية الموحدة.
لقد ضربتْ الشعورَ الوطنى الفلسطينى فى مقتل، حين قبلت التواطؤ مع شقيقتها المصرية على اقتطاع جزءٍ من سيناء، وصورت الشعب الفلسطينى للمجتمع الدولى للمرة الأولى وكأنه شعبٌ بلا أرض يبحث عن أرض، فتحولت القضية للمرة الأولى من شعبٍ يناضل من أجل استقلاله ضد محتل أجنبى إلى شعب بلا أرض! رغم أن الشعب الفلسطينى رفض هذا رفضًا قويًا فى نهاية العصر المصرى الملكى ودافع عن حقه فى التمسك بأرضه.
تواطؤ حماس ضد مصر- وبخلاف كونه تنكرًا مشينًا لمصر ودورها التاريخى- فقد طعن الشرف الوطنى الفلسطينى وشرف المقاومة الوطنية المشروعة.
ثم كانت الخطوة الثانية الأخطر منذ النكبة الأولى، وهى ما قامت به الحركة فى السابع من أكتوبر. لقد اغتالت كل ما أنجزته المقاومة فى عقود.
لقد اغتالت الشرعية الفلسطينية، وجهدَ ودماء المقاومين فى سبعة عقود.
ورغم ذلك، فقد وقفت مصر وقفة قوية للدفاع عن حق الشعب الفلسطينى، لكن الجماعة حتى هذه اللحظة تصمم على القيام بدورها المخزى للنهاية فى دعم المخطط الصهيونى.
ما تقوم به حماس الآن- كجماعة إسلام سياسى- هو تقسيم الدولة الفلسطينية قبل أن توجد هذه الدولة!
إننى أقدم هذا السرد الموجز للمصريين، حتى يفروا بعقولهم خارج السيطرة الغوغائية التى تحاول اختطاف هذه العقول، أقدم هذا السرد لكى يرى المصريون الحقائق المجردة بعيدًا عن إغراقهم فى مناقشاتٍ افتراضية غير حقيقية تستحضر صور وهمية من تاريخٍ قديم، وتفترض أن هذه الجماعة أو تلك قادرة على إعادة هذا التاريخ المزعوم للحياة، تقول الأسطورة التاريخية التى اختطفوا بها العقول إن امرأة مسلمة صرخت وا معتصماه، فهب المعتصم بتجييش الجيوش!
بينما تقول الحقائق إن جماعات الإسلام السياسى حين وصلت للحكم لم تأبه لا لنساء ولا لأوطان، تصرخ الحقائق بأن حماس لم تأبه فى سيرتها لشرف الفلسطينيات!
وتصرخ الحقائق بأن جماعات الإسلام السياسى قامت بتمزيق الأوطان وتقسيم الدول وقبضت أثمان ذلك.
وأنها فيما يقرب من قرنٍ من عمر دول المنطقة، قامت بإجهاد دولها، واستنزاف طاقات هذه الدول وإرهاقها وتقديمها لأعدائها مترنحة خائرة القوى. لم تقم أى جماعة بإضافة أى قوة وطنها، بل سفكت الدماء، واستهدفت الاقتصاد، واستهدفت أى ترابط وطنى محلى فى أى دولة.
وصلوا للحكم فسلموا جيوش وأسلحة بلادهم. هذه هى الحقائق المجردة بالورقة والقلم وعمليات الجمع والطرح الحسابية!
والسؤال.. ماذا لو لم تكن هناك جماعات إسلام سياسى فى مصر، وفى باقى دول هذه المنطقة البائسة من الكرة الأرضية؟
ماذا لو لم يكن هناك هذا الخبث فى أوطاننا، ونالت هذه الأوطانُ استقلالَها وبدأت شعوبُها تبنى دولًا عصرية حديثة؟!
كم من السنوات من أعمار أوطاننا أضعناها ثمنًا لوجودها فى حقبة حُسمت فيها حروبٌ كبرى فى أيام معدودة؟!
كم من التخلف عن ركب العلوم والفنون أغرقنا فيه أوطاننا ثمنًا لوجود هذه الجماعات؟!
بل كم من السنوات سيلزم لاسترجاع وطن، إن حدثت المعجزة وبُعث الموتى من قبورهم فى الحياة الأولى؟!
أسئلةٌ مؤلمة جدًا لمن ضاعت أوطانُهم أو بالأصدق لمن أضاعوا أوطانَهم، لأنهم بكل أسفٍ لن يستطيعوا استرجاع قرن من الزمان، فيمنعوا عن بلادهم ما حاق بها جراء تفريطهم.
لكن يمكنها أن تكون أقل ألمًا فى مصر، لأن مصر ما زالت باقية صامدة قوية.. ولدينا فرصة ذهبية لأن نضع كلمة النهاية لهذه الفكرة الشيطانية فى التربة المصرية للأبد فنحصن مصر من السقوط مستقبلًا ونمنح للأجيال القادمة وطنًا قويًا.
إن هذه الجماعات لا علاقة لها بالإسلام، هى جماعاتٌ خائنة لأوطانها وشعوبها.
وكل شعبٍ يسقط فى براثنها ويسلمها ثغوره فقد اختار خيانة وطنه وتسليمه لأعدائه.
وكل قيادة ثقافية أو فكرية أو تعليمية أكاديمية أو إعلامية أو سياسية أو دينية قدمت دعمًا أو مساندة لتلك الجماعات أو توطأت صمتًا فى ذروة المواجهة هى قياداتٌ أسهمت- عمدًا أو غباءً وجهلًا- فى خيانة أوطانها.
إن حزام عفة وشرف أى شعب فى هذه المنطقة هو قواته المسلحة، فمن فرط فيها فقد فقد شرفه للأبد! فلا مكان فى هذا العالم الآن لاستعادة وطنٍ سلمه شعبُ لمذبحه! ولقد تكونت هذه الجماعات لنزع هذا الحزام عن الشعوب عنوة!
وهذا لن يكون فى مصر مهما توهم الواهمون.. لن يكون!
لن نفرط فى هذا الوطن مهما كانت أسماء وهيئات الساقطين فى الفخ.
لقد خُلقت مصرُ لتبقى ما بقيت أوطانٌ على الأرض.