السبت 19 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الجنــوبى.. الروائى السودانى عمر فضل الله: الميليشيات المتمردة ترتكب الفظائع ضد الأهالى

حرف

- المؤرخ يكتب رواية أيضًا لكن يضيف بعض «البهارات» من الخيال

- قوى الاستعمار الحديثة امتداد للحملات الصليبية القديمة

- المحتلون الأتراك والإنجليز هم من كتبوا التاريخ المزيف للسودان

الروائى السودانى عمر فضل الله هو أحد الأصوات الأدبية الأكثر تميزًا فى المشهد الثقافى العربى المعاصر، إذ يجمع فى أعماله بين براعة السرد الروائى ودقة التوثيق التاريخى، ليقدم لنا عوالمَ تتنفس بروح المكان وتُجسّد عبق الزمان. 

وعبر رواياته التى تتراوح بين التاريخى والاجتماعى، يستحضر «فضل الله» ذاكرة السودان بأبعادها المتنوعة، من عمقها العربى الإفريقى إلى تفاعلاتها مع التراث الإسلامى والآثار الثقافية الاستعمارية، مُعيدًا تشكيل الماضى عبر رؤية إبداعية تتجاوز السرد التقليدى إلى فضاءات التأويل والبحث عن الحكايات المنسية. 

فى حواره التالى مع «حرف»، يستعرض الروائى عمر فضل الله محطات أساسية فى مسيرته الأدبية، بدءًا من كيفية توظيفه التاريخ والجغرافيا كمادة حية تمنح نصوصه طبقات من الدلالات، وصولًا إلى إيمانه بأن «الفجوات التاريخية» هى المساحات الأخصب للخيال الإبداعى. كما يكشف عن رؤيته للهوية السودانية المركبة، وتأثير الأزهر كمؤسسة ثقافية فى تشكيل الوعى فى بلاده.

عمر فضل الله فى ندوة بكلية التربية جامعة عين شمس

■ كيف توظف العناصر التاريخية فى رواياتك؟ ولماذا يُعتبر التاريخ عنصرًا محوريًا فى أعمالك؟ وهل ترى أن هذا التوظيف يخدم الرواية كعمل أدبى فقط أم تسعى أيضًا لتحقيق أهداف ثقافية ومعرفية أعمق؟

- التاريخ عمل روائى وكل مؤرخ إنما يكتب رواية تقترب من الحقيقة وبها بعض بهار من الخيال، وحين أكتب الرواية أسلط الضوء على الفجوات التاريخية التى لم يكتب عنها أحد، فأضيف للقارئ ثقافة ومعرفة بتاريخ منطقة منسية.

■ هل ترى أن التاريخ فى رواياتك يُستخدم لتقديم رؤية موضوعية أم أن هناك إسقاطات معاصرة على الأحداث؟

- لو أردت اختزال أعمالى فى هذين الاتجاهين لأفسدتها، لكنى اخترت أن تبقى مفتوحة للقارئ يستنبط منها ما يشاء يفك طلاسمها أو يستمتع بالسرد مجردًا.

■ ألا يمكن اعتبار رواياتك نوعًا من إعادة كتابة التاريخ السودانى؟

- لم أكتب تاريخًا بل عملًا أدبيًا يضيف لثقافة القارئ ووعيه بالمكان والإنسان، فقد كتبت عن مصر وإنسانها والمغرب وسكانه والعراق وشطآنه والشام وبستانها وإفريقيا الصحراء وسودانها.

■ ما الفارق بين توظيف التاريخ فى رواية «فى انتظار القطار» وبين «ترجمان الملك» أو «أنفاس صليحة»؟

- «فى انتظار القطار» تحكى ظلم محمد على لأهل السودان الذين آوى أسلافهم الصحابة أيام «الترجمان»، أما «الأنفاس» فهى تحكى عن استقبال السودان لأهل فاس ومكناس، فما أشبه الليلة بالبارحة. 

■ يسافر البطل إلى مصر لتحقيق حلمه بالدراسة فى الأزهر فى رواية «فى انتظار القطار».. هل ترى أن التعليم فى الأزهر منح البطل رؤية أوسع عن العالم أم أنه كان مجرد استكمال لمسيرته التعليمية التقليدية؟

- لم يزل أهل السودان فى القديم والحديث جزءًا من الأزهر وتاريخه منذ نشأته، ولو زرت الجامع الأزهر لوجدت الجزء المخصص لطلاب السودان فى القديم والمسمى «رواق السنارية» لا يزال باقيًا حتى اليوم، إشارة لوشائج القربى والتاريخ المشترك، وقد كانت «سنار» عاصمة السودان فى القديم ترسل الوفود من طلابها لطلب العلم هناك، إلا أن بطل الرواية لم يكمل ما ذهب من أجله، وهذا ينطبق على زماننا هذا المبتلى بمثل ما ابتلى به أهل السودان فى ذلك الزمان. وفى «تشريقة المغربى» سترين الحوارات الفقهية والمناظرات التى حدثت بين شيوخ الأزهر وعلماء السودان أيام «السلطنة الزرقاء».

■ ما الذى يجعل الأزهر محطّة تعليمية مهمة للسودانيين وغيرهم من طلاب العالم الإسلامى قديمًا وحديثًا؟

- كونه أقدم جامعة عالمية متكاملة حين غابت الجامعات فى العالم الإسلامى، فغدا قِبلة العلم والعلماء، ولتميزه بالمنهج الوسطى، واستمرار أداء دوره لأكثر من ألف سنة، مؤديًا واجبه تجاه العلم والدين والوطن والحضارة ليصبح شيوخه مراجع علمية ومنابر دعوية، وذلك ما شجع طلاب العلم لشد الرحال إليه وطلب العلم لديه خاصة وقد ارتبط اسمه بالسيدة فاطمة «الزهراء» رضى الله عنها.

■ هل تعتقد أن الجرائم التى ارتكبها الأتراك فى السودان تشابه الممارسات التى تقوم بها القوى الاستعمارية الحديثة؟ ولماذا؟

- نعم، فى البعض منها، مثل عدم التورع عن سفك دماء المسلمين. الفرق هو أن قوى الاستعمار الحديثة هى امتداد للحملات الصليبية القديمة فى ثوب حديث. 

■ كيف وظّفت التاريخ والجغرافيا فى رواية «أنفاس صليحة»؟

- جميع أعمالى الروائية مرتبطة بالمكان «الجغرافيا» والزمان والأحداث «التاريخ» و«أنفاس صليحة» ليست استثناء.

■ ..حِدثنا عن المزج بين السرد التاريخى والبُعد الروحى فى الرواية.

- كان التصوف هو أحد أهم المؤثرات الدينية والاجتماعية التى شكلت معالم تلك الفترة وكذلك «رؤيا عائشة» و«تشريقة المغربى»، ولهذا لا يمكننا إغفال البعد الروحى أو تجاوزه حين نكتب عن «صليحة وأنفاسها» أو «دلائل الخيرات» وقصتها، فذلك تاريخ حقيقى يستحق أن نرويه للأجيال.

■ كيف استعرضت فى الرواية تأثير الهزائم والهجرات العربية على تشكيل هوية السودان؟

- الهجرات على مدار الأزمان هى التى تشكل هوية المكان وليس السودان بمنأى عن ذلك، وقد دفع السودان ثمنًا باهظًا لمجىء الغزاة والمحتلين من الأتراك والإنجليز، فهم الذين كتبوا التاريخ المزيف لأهل السودان. ومن الناحية الأخرى فقد أثرت الهجرات العربية على ثقافة المنطقة وشكّلت هويتها الحديثة وخاصة من بلاد المغرب العربى، ولهذا فإن أكبر قبيلة سودانية انتشارًا وسكانًا يطلق عليها «قبيلة المغاربة»، التى وفدت إلينا من المغرب وموريتانيا، فقد اكتسب السودانيون عادات وتقاليد مماثلة لعادات تلك القبائل العربية. ولهذا فإن إعمالى الروائية تعكس ذلك التاريخ وهذا الواقع الحديث.

■ كيف تقارن رواية «أنفاس صليحة» وأعمال مثل «الخيميائى» لباولو كويلو و«الحج إلى الينابيع» لـلَنزا ديل فاستو فى تناولها لفترات تاريخية انتقالية؟ وكيف تختلف طرق التعامل مع التحولات الروحية والثقافية فى هذه الروايات؟

- المماثلة هى فى استدعاء شخصيات خيالية أو حقيقية ترمز لمرجعيات تاريخية أو دينية لكنى أنفرد دون هؤلاء الذين كتبوا من قبلى بكونى أوثق للتاريخ المحلى الحقيقى وأجمع بينه وبين الأدب وأضيف البعد الإنسانى وبالتركيز على النص الروائى العجائبى فى «أنفاس صليحة» مثلًا لأجمع بين الفلسفة والتاريخ الحقيقى والعجائب أو بين الواقع والخيال، كما أننى أوظف الأسطورة أيضًا، وذلك من واقع إعادة توظيف الحكاية الشعبية من مجرد كونها أحاجى وحكايات للتسلية إلى كونها حكايات مؤيدة للتاريخ الحقيقى.

■ هل تعد «آدم أسود وحواء بيضاء» من النوع الأدبى الذى يتسم بالواقعية التاريخية أم أن هناك خيالًا أدبيًا يتداخل فى الأحداث؟

- هذه الرواية حقيقية بكل ما ورد فيها من شخوص وأحداث وأماكن سواء فى بريطانيا أو السودان، وكل الذى صنعته هو أننى أعدت صياغتها بأسلوبى وقد خلت من الخيال إلا القليل جدًا الذى لا يكاد يذكر.

■ هل يمكن اعتبار «آدم أسود وحواء بيضاء» رواية فلسفية؟ خاصة عند تناول مفهوم الحياة والموت فيها؟

- لقد كتبت عن مفهوم الحياة والموت من قبل فى «نيلوفوبيا» وفى «أطياف الكون الآخر» وفى «تشريقة المغربى»، فتناولته بطريقة مختلفة فى كل عمل من أعمالى الروائية.

■ فى روايتك «رؤيا عائشة» تحكى عن المهدى.. كيف يمكننا تقييم تأثير حركة المهدية فى السودان فى القرن الـ١٩ على الوضع السياسى والاجتماعى فى ذلك الوقت؟ 

- لقد كانت فترة المهدية فترة كارثية على أهل السودان، جىء فيها بمقاتلين من غرب السودان لغزو وسطه وشماله، ولعل العذر فى ذلك كان طرد الإنجليز، إلا أن المهدية التى طردت الإنجليز مارست الفظائع على أهل السودان، فتم الانتقام من بعض القبائل وحدث القتل والاسترقاق للأحرار ونهب الأموال ووقع ظلم كبير وتغيير للتركيبة السكانية والاجتماعية، ولعل أسوا ما حدث فى تلك المرحلة يتكرر اليوم فى زماننا هذا بغزو الميليشيات المتمردة لبلادنا.

■ كيف تناولت الروايات الأدبية السودانية حركة المهدية؟ وهل هناك تطور فى طريقة تناولها من الماضى إلى الحاضر؟

- لقد تمت كتابة تاريخ الحركة المهدية فى معظمها بواسطة «المستشرقين» أو من أراد تشويه تاريخ تلك الفترة أو الانتصار للمهدية فحدث الدس والتزوير، وبمرور الوقت عكف الباحثون على دراسة تاريخ تلك الفترة ليكتبوا عنها بقلم المحايد المنصف، ثم جاء الرواة فكتبوا الأعمال الروائية، للاعتبار وفى واقع الأمر لا توجد أعمال روائية كثيرة عن تلك الفترة لكننا بدأنا نشهد ميلاد بعضها. 

■ هل ترى نقصًا فى الاهتمام بالأدب السودانى فى الأوساط الأدبية العربية؟ وما هى الأسباب التى تجعل الأسماء السودانية محدودة فى الساحة الأدبية العربية؟

- تأثرت الحركة الأدبية والثقافية السودانية بالأوضاع السياسية السودانية أيمًا تأثر، فالأدب والثقافة لا يزدهران فى ظل الحروب والأزمات وتردى الأوضاع السياسية والاقتصادية وتفشى الفقر والجهل، ولهذا فقد قل الإبداع فى بلادنا ولم تصل الأعمال القليلة التى نجت من جميع هذه المهددات للقارئ العربى إلا قليلًا، ولهذا تجدين أن الأسماء السودانية فى معظمها من المهاجرين خارج السودان.

■ هل يمكن القول إن الأدب السودانى يعكس صراع الهوية الثقافية والتاريخية بين التراث العربى والإفريقى فى السودان؟ وكيف يظهر هذا فى الأعمال الأدبية؟

- الناس يميزون خطأ بين «العروبة» و«الإفريقية» فى حين أن العروبة فى معظمها «إفريقية»، فالنسبة الكبرى من العرب والناطقين بالعربية هم فى إفريقيا وليس فى جزيرة العرب أو غيرها من الأماكن، أما إن قصدتم الثقافة غير العربية فى السودان فلا يوجد صراع بل هو تكامل يثرى من الثقافة ويضيف للهوية السودانية.

■ ما علاقتك بالأدب المصرى والكتّاب المصريين القدماء والمعاصرين؟

- قرأت ما لا يحصى من أعمال ومؤلفات الأدباء المصريين فى القديم والحديث منذ الطفولة والصبا، وأما أدباء زماننا هذا فما زالت علاقتى متصلة بكثيرين منهم من الروائيين وكتاب القصة والشعراء والنقاد، حيث شهدت معهم المنتديات والجلسات الأدبية للمؤسسات غير الرسمية وناقشت أعمالهم وناقشوا أعمالى أو احتفوا بها. 

ولى من الأصدقاء الأدباء المصريين الكثير والكثير فى معظم المدن المصرية، فعلى سبيل المثال الأستاذ الدكتور عبدالرحيم درويش والأستاذ أيمن رجب طاهر والدكتور إيهاب بديوى والأستاذة شاهيناز الفقى والدكتورة منى العطار والدكتورة وداد معروف والدكتورة حنان إسماعيل والأستاذة إيمان عنان والأستاذة شريفة السيد، وكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم فجميعهم أفاضل.