عصام زكريا.. تحليل الفن
بدأت أقرا له فى التسعينيات، لما كنت متعلق بـ روز اليوسف ومدرستها الصحفية الحيوية، وقدرة كتابها ومحرريها على التوهج واختيار الموضوعات اللامعة وكتابتها بـ رشاقة، مع كل تحفظاتى على العمق والمصداقية، بس كانت وجبة أسبوعية مبهجة هى وصباح الخير.
كان هو الوحيد اللى بـ أستثناه من تحفظى، لـ إنه مع احتفاظه بـ قدر كبير من الرشاقة والبهجة كانت كتاباته بـ تسيب أثر، وتدخل مناطق ما اعتدناش عليها من التفكير، فـ ما كنتش تحسها سطحية زى أغلبية الكتاب التانيين مهما كان اسمهم منور أكتر.
كان اسم عصام زكريا وعد بـ إنك هـ تقرا حاجة ينفع تطرحها لـ النقاش مع أصدقائك، ودا كان معيار مهم لـ تفضيلى كاتب عن آخر، وشاعر عمن سواه، القدرة على إنتاج حاجة تستدعى إنه يكون لها ما بعدها، مش حاجة تخلص مع الانتهاء من قراءة آخر كلمة.
من الحاجات اللى كانت أول مرة أشوفها من خلاله، هو تناول الفن بـ خلفية اجتماعية واقتصادية من خلال تحليلات، مش عبارات إنشائية من نوعية «فنان الشعب» و«صوت الثورة» و«أم المصريين». لأ، كلام عن الطبقات وشرائح المجتمع وصراعها وموقع الفنان دا أو العمل دوكهه من خلال هذه التفاعلات.
عجبنى جدًا صياغة الأفكار دى، ودخول المناطق دى أصلًا دون الإخلال بـ إنك فى النهاية بـ تقدم منتج صحفى الإثارة والتسلية جزء منه لا يمكن التخلى عنه بـ صورة تامة، وكان من القليلين اللى تمنيت إنه أتقاطع معاه خلال مسيرتى فى الكتابة.
فعلًا، جمعتنا عدة تجارب صحفية لما كبرت أنا شوية، والجانب الشخصى عنده لم يكن يقل إبهارًا لـ إنه بـ بساطة، ودا نادر، من النوع اللى يتقال عليه «حقانى»، هو صحيح مش بتاع مشاكل ولا صخب، إنما هو صاحب قدر عالى من الموضوعية فى الحكم على الأشخاص والأحداث، وما أفتكرش خالص إنى شفته بـ «يجامل» علشان مكاسب، وطول الوقت تحسه مستغنى، والناس دول بـ يبقوا برنسات.
أقول لك حاجة: عصام زكريا أساسًا بطل من أبطال الشطرنج، ودخوله عالم الصحافة كان من هذا الباب، لما كان فى منتخب مصر لـ الشطرنج مع الراحل العملاق فتحى غانم، فـ لما غانم لقاه بـ يعرف يكتب، طلب منه يعمل باب لـ الشطرنج فى مجلة روزا، ومنها دخل ع الفن والثقافة والأدب.
رغم كدا، عمرك ما تحسه بـ يخطط فى الصراعات الحياتية، ولا يعمل «نقلات»، الهدف منها نقلات تانية قدام ولا مكاسب، ولا أى حاجة تانية، أنا لعبت معاه شطرنج، وعاصرته فى الحياة، ولقيت إنه اللى ع الرقعة شخص سهل يورطك، بل إنه دا هدفك، واللى فى الحياة شخص تانى، تفكيره أولًا إنه يساعدك.
ثم إنه عصام له مسيرة مع السينما، لا تتوقف عند حدود الكتابة الصحفية أو النقد الجاد، إنما بـ التفاعل فى الوسط، والنشاط فى المهرجانات والقدرة على التنظيم، مع إنه نادرًا ما يكون فيه حد يجمع الكتابة مع الفاعلية على الأرض، عادة الأول بـ يكون نشط ذهنيًا، والتانى نشط فى الحركة على الأرض، خصوصًا فيما يتعلق بـ الفن، لو سياسة، ماشى! إنما فن!
وأخيرًا، كل دا كوم وقدرته على الترجمة كوم تانى، ولـ الأسف ما استفدناش من هذا الجانب عنده بـ الصورة الكافية لـ إنى نسيت أقول إنه خريج ألسن ألمانى، فـ هو مترجم أكاديمى، مش واحد شاطر فى لغة وبـ يمشى بيها حاله، فضلًا عن إجادته الألمانية والإنجليزية مع بعض.
والله يا أخى مصر دى ياما قدمت! ياما!