الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هان كانج: اللغة هى كل ما نملك فى مواجهة العنف والألم والصدمات

حرف

- البراءة فى عالم وحشى تتطلب إعادة التفكير فى طبيعة الإنسانية

- «النباتية» محاولة لاستكشاف تداخل العنف والجمال فى نسيج حياتنا

فى الوقت الذى كانت فيه هان كانج تتطور باعتبارها واحدة من أهم الأصوات الأدبية الكورية فى الساحة العالمية، يأتى فوزها بجائزة نوبل للأدب تتويجًا لرحلة طويلة ومعقدة من التساؤلات والتأملات فى طبيعة الإنسان ومعاناته. هان، التى شهدت فى طفولتها أحداثًا مأساوية مثل انتفاضة كوانج جو الدموية، لم تتوقف يومًا عن محاولة فهم جوهر العنف والإنسانية فى عالم يبدو أنه فى صراع دائم بين القسوة والجمال. مثّلت روايات كانج انعكاسًا لصراع الأسئلة الفلسفية مع التفاصيل اليومية للمعاناة البشرية، فأعادت سرد الألم بأسلوب أدبى يستكشف الحدود الدقيقة بين الصمت والصوت.

فى عدد من الحوارات السابقة التى أجريت مع هان، تحدثت عن مفهومها الخاص حول الكتابة، ورؤيتها لفن الرواية بصفة عامة، كما تطرقت للعوامل التى دفعتها منذ طفولة مبكرة نحو الكتابة وما تأمل تحقيقه فى سنواتها المقبلة.

وعقب ترجمة رواية «النباتية» إلى اللغة الإنجليزية فى عام 2016، أجرى موقع LITHUB حوارًا معها حول الرواية وثيماتها الأساسية. كانت هذه الرواية هى الظهور الأول لهان فى السوق الأمريكية. فى هذا الحوار تحدثت عن أوجه اختلاف المشهد الأدبى فى كوريا عن الغرب، وعن رؤيتها للعالم باعتباره مزيجًا من العنف والجمال، وكيفية تعبيرها عن ذلك بفكرة مبتكرة فى روايتها «النباتية»، التى صارت فيما بعد أحد أكثر أعمالها شهرة لا سيما بعد أن فازت بجائزة مان بوكر. 

البحث عن إجابات

فى حوار مع صحيفة «إندبندنت» قبل عام تعليقًا على تأثير الفوز بالجوائز على الكتابة، قالت هان كانج: لدى نعمة القدرة على الانعزال عن العالم أثناء الكتابة، لذا لم أشعر بأى توتر أو ضغط بعد فوزى بجائزة مان بوكر. بالنسبة لهان، الصراع يكمن فى محاولة إنهاء كل الأفكار التى تتدفق فى ذهنها قبل أن تفارق الحياة، فقالت: دائمًا لدى شىء أود التحدث عنه، سرعة كتابتى لا تواكب سرعة الأفكار فى ذهنى، وهذا يزعجنى كثيرًا. سيكون مشكلة كبيرة عندما أموت، فلن أتمكن من إنهاء كل هذه الأفكار التى لدىّ.

وفى حوار سابق مع الجارديان تحدثت عن الصداع النصفى الذى يلازمها منذ أن كانت مراهقة قائلة: إن الصداع النصفى الذى أعانى منه يذكرنى دائمًا بأننى إنسانة، لأنه عندما يأتى الصداع النصفى، يتعين علىّ التوقف عن عملى وقراءتى وروتينى، لذا فهو يجعلنى دائمًا متواضعة، ويساعدنى على إدراك أننى بشرية وضعيفة. ربما لو كنت بصحة جيدة وحيوية بنسبة ١٠٠٪، ما كنت قد صرت كاتبة.

تحدثت كانج عن أنها كانت تعلم برغبتها فى أن تصبح كاتبة فى سن الرابعة عشرة بقولها: كنت أبحث عن إجابات لأسئلة جوهرية. ثم أدركت بصفتى قارئة أن كل كاتب يبحث عن إجابات وليس لديه أى استنتاجات، لكنه لا يزال يكتب. لذا فكرت لماذا لا أفعل ذلك أيضًا؟

عمق التجربة الإنسانية

حسب تقرير أورده موقع ELPAIS عن المؤلفة بناءً على أحاديث لها، فقد كان والد هان كانج كاتبًا، وكذلك شقيقها الأكبر. وبفوزها بجائزة نوبل، تكون أصغر فرد فى الأسرة قد قلب النظام الأبوى التقليدى، ومع ذلك، فقد فاز كل من هان كانج ووالدها بجائزة «يى سانج» الأدبية المرموقة «فى عامى ١٩٨٨ و ٢٠٠٥ على التوالى». ويى سانغ شخصية طليعية فى الأدب الكورى، كتب خلال ثلاثينيات القرن العشرين تحت الاحتلال اليابانى. 

رأت هان كانج أن الكلمات غير كافية للتعبير بشكل كامل عن عمق التجربة الإنسانية، ومع ذلك، تعترف بأن اللغة هى كل ما لدينا لمواجهة الألم الشخصى كما فى «الكتاب الأبيض»، و«دروس إغريقية»، والعنف الأسرى، والاغتراب الاجتماعى كما فى «النباتية»، أو الصدمة الجماعية كما فى رواية «أفعال بشرية».

فى حوار أجرته صحيفة كورية تصدر بالإنجليزية مع الكاتبة قبل أيام من إعلان نتيجة الفائز بنوبل، تحدثت هان كانج عما تراه مهمًا فى الكتابة الروائية، فقالت: بالنسبة لى، ليست الروايات الاستمرار فى سرد القصة بقدر ما هى المتابعة فى طرح الأسئلة. فى كل مرة، هناك سؤال يشغلنى، وأكتب الرواية بطريقة تدفع السؤال إلى الأمام.

وتابعت: أعتقد أننى دائمًا كنت شخصًا يفكر باستمرار فى ماهية الإنسان وماهية الحياة. أردت معالجة هذه المخاوف بطرق مختلفة فى كل مرة. آمل فى أن يكون لتلك الأعمال تأثير بسيط فى مشاركة الألم مع الذين يقرأون رواياتى. هذه الأيام، أفكر كثيرًا فى الحياة نفسها، تلك الأشياء التى تأتى مع الحياة. أريد أن أتناول هذا الشعور بالحياة فى روايتى القادمة.

الرواية ليست ترفا

وردًا على سؤال: ما هى القوة التى ترينها فى كتابة وقراءة الروايات، بمعنى آخر، ما هو دور الروايات فى هذا العالم؟ ما القوة التى يمكن أن تتمتع بها الرواية فى عالمٍ قاسٍ؟ قالت: ليس من السهل أن نرى أو نظهر الحقائق العميقة فى حياتنا اليومية. يصعب الاعتراف بالتفكير فى معنى الحياة فى خضم الحياة اليومية، ولكن عندما يتعرض الأدب لهذه المشاعر المهمة والأسئلة العميقة التى تهزنا من الداخل، يمكن لمن يقرأ أن يعثر على ذاته فجأة مرة أخرى. إذا أصبحت شخصًا فى رواية تقرأها، وكررت لحظة خروجك من ذاتك وعودتك، ستختبر فجوة فى ذاتك وتواجه نفسك بشفافية. لهذا أعتقد أن الرواية ليست ترفًا، إنه ما نحتاجه، فهى مثل الخيط الذى يربط بيننا.

رواية النباتية

فى حديثها عن الرواية ذائعة الصيت «النباتية»، قالت هان كانج: نظرًا لأن هذه الرواية قد نُشرت بلغات مختلفة على مدى تسع سنوات، ما زلت أشعر بالقرب منها، لأنها مرتبطة أيضًا بروايتى الأخيرة «أفعال بشرية». وعلى الرغم من أن هذين العملين يبدوان مختلفين تمامًا، فإننى أشعر بوجود صلة قوية بينهما. بدأت الرواية بصورة متخيلة لامرأة تتحول إلى نبات. كانت هان قد كتبت قصة قصيرة بعنوان «ثمرتى كامرأة» فى عام ١٩٩٧، حيث تتحول امرأة حرفيًا إلى نبات. بعد عدة سنوات، أعادت صياغة هذه الصورة فى «النباتية»، بطريقة أكثر قتامة وشراسة.

ترى كانج أن الرواية تحتوى على بعض الطبقات؛ مساءلة العنف البشرى واستحالة البراءة، تعريف العقلانية والجنون، عدم إمكانية فهم الآخرين، والجسد باعتباره ملاذًا أخيرًا أو حكمًا أخيرًا، وغير ذلك، متابعة: سيكون من الحتمى أن تتنوع استجابات القراء وفق خلفياتهم الثقافية المختلفة. إذا كان بإمكانى قول شىء واحد، فإن هذه الرواية ليست اتهامًا خاصًا للمجتمع الأبوى فى كوريا. لقد أردت التعامل مع تساؤلاتى المستمرة حول إمكانية/ عدم إمكانية البراءة فى هذا العالم الذى يختلط فيه العنف والجمال. كانت هذه أسئلة عالمية شغلتنى أثناء كتابتى للرواية.

واستكملت فى حديثها عن الرواية: تتناول هذه الرواية العنف البشرى و«عدم» إمكانية رفضه. ترفض يونج- هى بشدة تناول اللحوم لتتخلص من وحشية الإنسان بداخلها. علاوة على ذلك، لا تريد أن تستمر فى الانتساب إلى الجنس البشرى، وتعتقد أنها تتحول إلى نبات. يحاول والدها، وهو محارب قديم من حرب فيتنام، إجبارها على تناول اللحم. يظهر هذا المشهد العنيف فى ثلاثة أقسام بشكل متكرر. يتكرر فى القسم الثالث عندما يحاول الأطباء إطعام يونج- هى فى المستشفى النفسى. على الرغم من المخاطرة بالمبالغة فى التبسيط، يمكننى القول إن هذه الشخصيات تتشارك وتجسّد العنف الموازى لإصرار يونج هى.

كما تحدثت عن الشخصية الرئيسية بروايتها يونج- هى، فقالت: هى شخصية عنيدة جدًا بحيث تعتقد أنها لم تعد تنتمى إلى الجنس البشرى. تشعر وترغب فى أن تُقتلع حرفيًا من البشر. بهذه الطريقة، تعتقد أنها تنقذ نفسها، ولكن بشكل هزلى، تقترب فى الحقيقة من الموت. بالطبع، فى العالم الحقيقى، هى مجنونة، لكن بالنسبة لها، هذا شىء منطقى تمامًا. تحاول أن تجذر نفسها فى هذه الحالة المتطرفة والغريبة باقتلاع نفسها من سطح هذا العالم.

وفيما يخص نهاية الرواية قالت: فى الجزء الأخير، لم أرغب فى وصف موت يونج- هى. أردت إنهاء هذا الكتاب بالمشهد النهائى، حيث تنظر من نافذة سيارة الإسعاف بنظرة احتجاجية. شعرت بأنه مشهد للتحديق بكل طاقتنا فى هذا العالم المختلط بالعنف والجمال. دون بداية أو نهاية، فقط صراع مستمر بعينين مفتوحتين، فى تجسيد متواصل للحظة الحالية التى نعيشها فى حياتنا.

المشهد الأدبى الكورى

تعتقد الكاتبة أن المشهد الأدبى الكورى يختلف عن الغربى فى بعض الجوانب، توضح ذلك قائلة: هناك تراث قوى للشعر والقصص القصيرة. معظم الكتّاب الروائيين يبدأون مسيرتهم كتّاب قصص قصيرة. لقد بدأت شخصيًا بالقصص القصيرة وبعض الشعر. أشعر بأننى مدينة جدًا للأدب المكتوب بالكورية لأننى كبرت فعليًا معه. أيضًا، كنت أستطيع قراءة الأعمال الأدبية المترجمة إلى الكورية من لغات عديدة، دون تمييز بين ما هو أجنبى وما هو ليس كذلك. ما زلت أفعل ذلك، فقط أقرأ.

وردًا على سؤال أى الكتّاب يلهمونك؟ ولماذا؟ قالت: ليس من السهل علىّ ذكر كتّابى المفضلين لأنهم دائمًا ما يتغيرون. أشعر بالإلهام من الفن البصرى أيضًا، وربما أكثر. ومع ذلك، من الصعب علىّ تسمية فنانين معينين. ومع ذلك، أضع إحدى صور كاثى كولفيتز الذاتية على حائط غرفتى.

وفيما يتعلق بمكانة النساء فى كوريا لا سيما وأن الرواية تستعرض جوانب من العنف ضدهن قالت كانج: شهدت كوريا الجنوبية تغييرات عديدة بسرعة، لذا أصبحت الكثير من الأمور نوعًا من الهجين هنا. فيما يتعلق بتقدم النسوية، تُظهر الإحصاءات أن العديد من النساء الكوريات متعلمات جيدًا ويؤدين بشكل متميز فى مسيراتهن. كانت هناك طفرة فى النسوية فى التسعينيات هنا، ويقول بعض الناس إن هذا المصطلح يبدو قديمًا بعض الشىء الآن. ومع ذلك، لا يزال النساء يكافحن، مع قضايا إما ظاهرة أو مخفية. هناك شىء غريب بخصوص المشهد الأدبى الكورى؛ لقد تجاوز عدد الكاتبات النساء قليلًا عدد الكتّاب الرجال منذ التسعينيات، والآن لا يميز القراء أو النقاد بين الكتاب الرجال والنساء. يبدو أن هذه ظاهرة غريبة لأن المجتمع الكورى نفسه محافظ جدًا.