الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمود عبدالغفار: كوريا الجنوبية تصنع الموهوبين بالتدريب والمِنَح والتفرغ

محمود عبدالغفار
محمود عبدالغفار

- نحتاج إلى دعم الأدباء والمترجمين فى العالم العربى لتحقيق النجاح العالمى

يحتفظ المترجم والأكاديمى محمود عبدالغفار بخبرة واسعة فى مجال الأدب الكورى، فقد عمل مستشار تحرير وعضو الجمعية الكورية للغة العربية والأدب العربى، وهو عضو جمعية الصداقة المصرية الكورية التابعة للمركز الثقافى الكورى بالقاهرة، كما أنه عضو الجمعية المصرية للأدب المقارن بالقاهرة. 

قام عبدالغفار بدور بارز فى ترجمة أعمال عدة من الأدب الكورى إلى اللغة العربية، ونشر دراسات مقارنة بين الأدبين العربى والكورى. وقد قدّم الكاتبة الكورية هان كانج؛ الفائزة بجائزة نوبل هذا العام، إلى القراء العرب لأول مرة عبر ترجمته لروايتها الشهيرة «النباتية»، بعد عام من فوزها بجائزة مان بوكر. 

فى هذا الحوار، يتحدث عبدالغفار عما يميز أدب هان كانج من وجهة نظره، وعن أبرز العناصر التى ضمّتها رواية «النباتية» والصعوبات التى واجهته فى ترجمتها، كما يُعمل نظرته النقدية المقارنة فى تقصى أسباب وصول هان كانج إلى العالمية وما نحتاجه بالعالم العربى من جهود فردية وجماعية لتحقيق هذا الوصول مجددًا. 

■ يعود إليك الفضل فى ترجمة الرواية ذائعة الصيت؛ «النباتية» للكاتبة هان كانج، وقد كانت الرواية الأولى التى تترجم لها إلى العربية.. فما الذى دفعك إلى ترجمتها آنذاك؟

- لعبت المصادفات دورًا كبيرًا فى توجهى نحو ترجمة هذه الرواية. كنت قد ترجمت ديوانين من الشعر الكورى فى أثناء دراستى للحصول على الدكتوراه فى الأدب الكورى، ونُشرا بعد ذلك. بعد انتهائى من الرسالة، تلقيت دعوة من المعهد الوطنى لترجمة الأدب الكورى لحضور ورشة تدريبية شارك فيها مترجمون من أنحاء مختلفة فى العالم. خلال هذه الورشة، كنا نلتقى بكاتب أو كاتبة كورية كل أسبوعين، وكانت هان كانج واحدة من هؤلاء الكتاب. فى ذلك الوقت، قدّمت لنا روايتها التى لم تكن معروفة بعد، «الصبى عائدًا»، وهى الرواية التى تُرجمت فيما بعد إلى الإنجليزية، ثم إلى العربية بعنوان «أفعال بشرية»، والتى تناولت فيها أحداث الانتفاضة فى مدينة كوانج جو. 

وبعد فوز هان كانج بجائزة مان بوكر عن روايتها «النباتية» فى عام ٢٠١٦، التى صدرت بعد هذه الرواية، تواصل معى الناشر العربى وطلب منى ترجمتها بسبب خبرتى مع الأدب الكورى، ومن هنا دخلت فى معسكر مغلق لمدة عام حتى انتهيت من ترجمة الرواية. 

■ ما الانطباع الذى تشكّل لديك عن «النباتية» عندما قرأتها وبدأت فى ترجمتها؟

- شعرت بأن الرواية فريدة جدًا بأسلوبها البسيط والعميق فى آن واحد. ما لفت انتباهى أن السرد يتم من ثلاث زوايا مختلفة، وليس من منظور البطلة، كما أن الكاتبة نفسها غائبة عن السرد وليس لها صوت مباشر. اللغة فى الرواية كانت بديعة وتعكس احترافية الكاتبة. القصة قد تبدو بسيطة، ومع ذلك، فثمة عمق فلسفى فى التعاطى مع مفاهيم مثل الحرية والقيود المجتمعية، وهو ما جعلنى مستمتعًا بترجمتها. هان كانج تتميز بقدرتها على التعبير عن قضايا إنسانية عميقة من خلال لغة شاعرية وأسلوب سردى مبتكر.

■ برأيك.. ما العوامل التى قادت إلى وصول هان كانج إلى جائزة نوبل؟

- فى كوريا، يتم إعداد الكُتّاب بطريقة مختلفة تمامًا عن معظم الدول الأخرى، إذ توجد مؤسسات تساعد على تطوير قدرات الكاتب من خلال برامج تدريبية ومنح حكومية تتيح لهم الوقت والموارد للتفرغ للإبداع. هذا الاهتمام بالكاتب هو الذى يساعد على إنتاج أدب عالمى له قيمة. 

السياق العام للكتابة فى كوريا يحترم مهنة الكتابة ويضع قواعد للنشر، فكل دار نشر تعى تمامًا أنها بالموافقة على نشر كتاب تمنح رخصة لشخص ما أن يصبح كاتبًا، وبالتالى ثمة تدقيق بالغ فى نشر كل عمل بعد خضوعه لآراء لجان استشارية بدور النشر. علاوة على ذلك، فالكُتاب لا يكفون عن التعلم وتطوير مهاراتهم، فالكثير من الكُتاب ومنهم هان كانج يحرصون على حضور ورش تدريبية فى الكتابة وصياغة عناوين الأعمال الأدبية، لذلك فإن من يتأمل عناوين الأعمال التى يصدرها الكُتاب الكوريون يدرك عنايتهم الكبيرة بكل تفاصيل الكتابة الأدبية. 

■ ما أبرز التحديات التى واجهتك أثناء ترجمة رواية «النباتية» لا سيما وأن الترجمة الإنجليزية لهذه الرواية تحديدًا وُوجِهت بوابل من النقد؟

- أكبر التحديات كانت تتعلق بنقل العناصر الثقافية الكورية إلى القارئ العربى. الأدب الكورى ملىء بالمجازات والإحالات الثقافية التى قد تكون غير مألوفة للقراء خارج كوريا. ومع الأسف، المترجمة الإنجليزية أسقطت بعض هذه العناصر فى نسختها، وحوّلت العمل ليبدو كأنه مكتوب للقارئ الإنجليزى، ما أدى إلى فقدان جزء من روح النص الأصلى. ومن الأمثلة على ما تخلّت عنه حلم ذكرته الكاتبة فى الرواية، وكان مكتوبًا بحروف مائلة ليكون أقرب إلى القصيدة، وكأنها أرادت أن تقول إن هذا الحلم هو جوهر النص، وقد أسقطته المترجمة لارتباطه بخلفيات ثقافية من الصعب على القارئ الانجليزى استيعابها. وفى ترجمتى للرواية، حاولت الحفاظ على هذه العناصر الثقافية من خلال استخدام الهوامش لتوضيحها للقارئ العربى، لأننى أرى أن هذه الرموز جزء من جوهر العمل.

■ ما الدرس الذى يمكن للعالم العربى أن يستفيده من فوز هان كانج بجائزة نوبل؟

- الدرس الأهم هو أن النجاح الأدبى لا يتحقق بشكل فردى فقط، بل يحتاج إلى دعم مؤسسى منظم ومستمر. فى كوريا، الحكومة والمعاهد الوطنية للأدب تعمل على دعم الكُتاب والمترجمين، وهذا ما أسهم فى انتشار الأدب الكورى عالميًا. نحن فى العالم العربى بحاجة إلى مؤسسات تدعم الكتاب وتوفر لهم الفرص للتعلم والتطوير، بالإضافة إلى دعم الترجمات لأعمالهم. يجب أن نفكر فى إنشاء ورش عمل وتبادل ثقافى حقيقى حتى نستطيع أن نرتقى بمستوى الإبداع الأدبى العربى.