ماذا يحدث لأتيليه القاهرة؟
عشرات الكتاب والفنانين التشكيليين والمثقفين تجمعوا فى ليلة حب دافئة عقب وفاة أحد أعمدة أتيليه القاهرة، وهو الفنان المصور الفوتوغرافى كمال خليفة، وقد ودعوه، وفقًا للنهج الذى طالما أحبه وهو الموسيقى، وخلال ذلك التجمع الثقافى، أثيرت مسألة الدعوى المرفوعة من وزارة التضامن أمام القضاء، التى تطالب الوزارة فيها بحل جمعية أتيليه القاهرة جماعة الكتاب والفنانين، وهذه الدعوى سوف يحكم القضاء فيها حكمًا نهائيًا غير قابل للنقد أو الإبرام.
لو حكم القضاء- لا قدر الله- بحل الجمعية، فهذا يؤدى إلى انتفاء العلاقة الإيجارية بين الأتيليه وبين ورثة المؤجر منه وهم الآن ورثة ليندا كوهينكا الذين يعيشون فى كندا وفرنسا، ويتقاضون القيمة الإيجارية من خلال وكيل لهم وهو أحد المحامين بمصر.
مبنى الأتيليه الذى لا يمكن هدمه وفقًا للوائح الدولة، إذ قامت كاتبة هذه السطور والزميلة هدى عنانى الفنانة التشكيلية، بتسجيله ضمن الأبنية التى تحظر إدارة التنسيق الحضارى بوزارة الثقافة هدمها باعتباره قيمة معمارية يعتد بها، هذا المبنى الذى سيؤول إلى الورثة ربما يتحول إلى مركز ثقافى يبث سمومه من قبل أولئك الذين يعملون ضد مصر وثقافتها فى العلن والخفاء.
سيناريو عودة المبنى إلى أصحابه، هو سيناريو جديد قديم، فمنذ سنوات أثير هذا الموضوع، من خلال تلقى مجلس إدارة الجمعية السابق عام ٢٠٠٨ شيكًا من جمعية تدعى جمعية البحر المتوسط، أحد أعضاء مجلس إدارتها رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق شيمون بيريز، ولم يقم مجلس إدارة الأتيليه وقتها بإخطار الجهة الإدارية المختصة وفقًا للقانون المنظم لعمل الجمعيات الأهلية وهى وزارة التضامن، فتم عزل مجلس إدارة الأتيليه وقتها بكامله، لهذا السبب ولأسباب أخرى بموجب قرار محافظ القاهرة رقم ٣٧١٦ لسنة ٢٠٠٩، وهو الدكتور عبدالعظيم وزير، وبالتنسيق مع الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، والذى كان يترأسه وقتها الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق، ووزارة التضامن.
يعود السيناريو الجديد بحل الجمعية وعودة مقرها إلى الورثة بقضية مباشرة من موظفى وزارة التضامن دون لف أو دوران، وهو أمر غريب وغير مفهوم، فأتيليه القاهرة، ورغم تبعيته لوزارة التضامن ليست جمعية خيرية، ولا جمعية دفن موتى، بل هو وعبر عقود طويل تعود إلى القرن الماضى، حيث تم تأسيسه عام ١٩٥٦ كان ولا يزال رمزًا من رموز الثقافة المصرية، وجزءًا أصيلًا من تاريخ مصر الثقافى المعاصر، وقوتها الناعمة، وعشرات من أعضائه كانوا دعامات قوية لهذه القوة، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر طه حسين ويوسف إدريس ولويس عوض وصبرى موسى وسليمان فياض وأمل دنقل وسيد حجاب والأبنودى وغيرهم، أما رواد الفن التشكيلى، فكانوا من المؤسسين لهذه الجمعية الثقافية العريقة، مثل تحية حليم ومحمد ناجى وإيمى مارتان الفرنسى الأصل، وإنجى أفلاطون ومحمد شفيق وحسن سليمان وغيرهم من الذين تعد أعمالهم منارات الفن المصرى المعاصر ولا تقدر بثمن ناهيك عن اسم المؤسس الرائد أبوبكر خيرت المعمارى والموسيقى المصرى البارز، وكذا الرائدة النسوية درية شفيق.
مسيرة أتيليه القاهرة، طويلة وممتدة، وتاريخه زاخر ومشرف للثقافة المصرية بكل تلاوينها، إذ خرجت من خلال أنشطته الأدبية والفنية أجيال وأجيال من أدباء وفنانى مصر، الذين باتوا من دعائم الثقافة المصرية الآن مثل إبراهيم عبدالمجيد وعبدالرحيم كمال وكاتبة هذه السطور وشعبان يوسف وإبراهيم عبدالفتاح ومحمد عبلة وصلاح عنانى وعادل السيوى وعمر الفيومى وناثان دوس وغيرهم العشرات والعشرات ممن ينتمون إلى كافة أنحاء مصر المحروسة، والكثير من هؤلاء نالوا جوائز دولية وشرّفوا مصر فى كل مكان، ناهيك عن جوائز الدولة بكل مستوياتها، والتى كانت ترشيحات أتيليه القاهرة لها، هى الحاصدة لهذه الجوائز عبر سنوات وسنوات وعلينا أن نتذكر أن أتيليه القاهرة طالما شهد استقطابًا لفنانين وأدباء عرب، كانوا وما زالوا ضمن أعضائه، حيث أقيمت لهم ندوات أو معارض فنية ومنهم الليبى عمر جيهان والسورى منير الشعرانى، والأديبة اللبنانية الراحلة عناية جابر، وغيرهم من الأعزاء الذين لا تحضرنى أسماؤهم.
ومن موقعنا هذا، نناشد السيد الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة بالتدخل فهو لا بد أن يكون عارفًا بقدر أتيليه القاهرة، خصوصا أن والدته المرحومة الفنانة منى أبوالنصر كانت عضوة بالأتيليه، كذلك نناشد السيدة وزيرة التضامن وهى مصرية مثقفة ومستنيرة أن تقوم بسحب هذه الدعوى القضائية الغريبة، فحل أتيليه القاهرة ليس لصالح الثقافة المصرية ولا لصالح قوتها الناعمة، ولنفتش عن المستفيد من حله.