أدب الانتصار.. 50 عامًا من النصر المجيد
- مصطلح «أدب الحرب» يطلق على انتصار الشعب والجيش والدولة فى السادس من أكتوبر عام 1973
- كانت رواية «عودة الأسير» المجهولة هى الطلقة الأولى فى روايات وقصص وكتابات أدب الحرب
- أحمد حجى قبل أن يذهب إلى الجبهة باختياره كان مقاتلاً توعويًا على المستوى الفكرى والسياسى والأدبى
- بعد يونيو 1967 تعرض المقاتل المصرى لحملة نفسية واسعة كانت فى حقيقتها مواجهة الإنسان المصرى ذاته
مدخل:
منذ أن انتبه الشعب المصرى إلى ما حدث فى 5 يونيو 1967، وانكسرت الجبهة العسكرية فى سيناء بشكل مؤسف، تحولت مصر كلها إلى جبهة صمود وعزيمة وإصرار واسعة، وذات عمق جغرافى وإنسانى واجتماعى وسياسى فى كل أنحاء البلاد، المدن والنجوع والقرى، وعندما خرج الرئيس والقائد جمال عبدالناصر فى مساء 8 يونيو ليعلن عن تحمله المسئولية كاملة، وتنحيه عن القيادة العليا، ونزوله كأى مواطن لكى يناضل كأى مصرى عادى جدًا فى صفوف الجماهير، تفجرت جبهة مصر فى طول البلاد وعرضها لكى تعلن التصميم على الانتصار، الانتصار الذى ردده المصريون بقوة وعزم، وصمموا على استرداد الأرض والتراب الوطنى بشكل كامل، ورغم أن الشعارات العفوية التى رفعتها الجماهير كانت تصب فى مطالبة الرئيس جمال عبدالناصر بعدم التنحى، إلا أنها كانت ترى أن الرئيس هو رمز للاستمرار والنضال، وتفجر قلب الشارع بشعارات يقول بعضها:
(مكتوب على قلوبنا
عبدالناصر محبوبنا
لا رجعية ولا أندال
الجماهير عايزاك يا جمال)
تلك الشعارات التى خرجت فور الشعور بمرارة الهزيمة، وإدراك ما يحدث، تعبر عن ولادة فعلية جديدة تطالب بالانتصار، وليس فقط ما أسماه البعض «إزالة آثار العدوان»، ومن هنا ولد أدب الانتصار عفيًا قويًا، رغم كل الندوب التى ظهرت على وجه مصر، لكنها ندوب للتذكير الدائم بذلك، ومن ثم فكل ما تفجر على جميع أركان الجبهة المصرية العسكرية والمدنية، يعد فى إطار الأدب، وهنا نهضت مصطلحات وتعبيرات كثيرة لتسمية ذلك الأدب، وفى دراسة طويلة، كتبها غالى شكرى عن ذلك الأدب، أدب الهزيمة، وهناك من أطلق مصطلح أدب الحرب، لكننا هنا نذهب فى اتجاه آخر، بعدما أفصحت الطاقات والمواهب عن كتابات كثيرة، لا بد من تسميتها باسمها الذى يليق بها.
أدب الانتصار
درج الكتّاب والباحثون والأدباء على إطلاق مصطلح «أدب الحرب» على انتصار الشعب والجيش والدولة فى السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، وهناك من أطلق «أدب المعركة» مثلما فعل الناقد أحمد محمد عطية فى كتابه «أدب المعركة..حرب ٦ تشرين ١٩٧٣»، وهذا المصطلح يحتمل أدب المعركة بكل ما فيها من انتصار وهزيمة ومغامرات، استنزاف وانكسارات، ورغم أن حرب أكتوبر لا غبار على انتصار المصريين فيها، رغم ما تكبدنا من خسائر فى الأرواح كشهداء أبرار، وفى المعدات الحربية، هذه خسائر طبيعية، وتكاليف وضرائب الانتصارات دائمًا، أو تكاليف الحروب عمومًا، سواء انتهت بهزائم مريرة، أو تكللت بانتصارات عظيمة، لذلك فأدب الحرب أو المعركة، مصطلحان فضفاضان، يحتملان النصر، كما أنهما يحتملان الهزيمة، ومن الطبيعى أن نتذكر أن المرحلة التى تلت هزيمة ١٩٦٧، كتب كثيرون عن أدب ما بعد الهزيمة، أو ما بعد النكسة، ولكن ظهرت أيضًا سلسلة أدبية عن وزارة الثقافة-الهيئة المصرية العامة للكتاب-تحمل عنوانًا عريضًا هو «أدب المعركة»، وصدرت روايات ومسرحيات، وأعد الشاعر العروبى الكبير محمود حسن إسماعيل كتابًا عنوانه «الشعر فى المعركة..عام ١٩٦٧ لشعراء الأمة العربية»، والكتاب صدر فور وقوع الهزيمة، ولكن كانت قد جرت فى النهر مياه كثيرة، ومنذ ٩ و١٠ يونيو خرج الناس والجماهير عن الصمت لكى يطالبوا بمواجهة العدو الصهيونى، وكتب الشاعر محمود حسن إسماعيل فى مقدمته قائلًا: «خاض الشعر العربى كل معارك التحرير وملاحم النضال العربى، وفى طليعتها قضية فلسطين التى آثرت الشعر العربى المعاصر بالروائع الخالدة عديد من شعراء الأمة العربية فى شتى البقاع والأوطان. وأسهمت رسالة الشعر بدورها فى معركة العدوان الثلاثى الغاشم عام ١٩٥٦، ورددت الإذاعة العربية من القاهرة أنغامه الحرة المناضلة ونقلتها عبر الأثير إلى كل قلب فى أرجاء الوطن العربى.»، وتضمن الكتاب قصائد لشعراء من مصر والعالم العربى، قصائد كتبت بعد نكبة فلسطين، والعدوان الثلاثى، وهزيمة ١٩٦٧، للدرجة التى استدعت قصيدة لعلى محمود طه الذى رحل عام ١٩٤٩، وعنوانها «مهد القداسة»، ويعتبر هذا الكتاب الذى صدر فى أغسطس ١٩٦٧، أى بعد وقوع الهزيمة بشهرين فقط، مقدمة ساخنة للغاية لما يسمى بأدب المعركة.
وقبل أن نشرع فى درس أدب الانتصار، لا بد أن نعود مجددًا إلى بعض الإرهاصات الأولى التى كانت تمهيدًا حقيقيًا لذلك الأدب من كتابات لأدباء وكتّاب كانوا على الجبهة، أبرزهم كان الكاتب الراحل الكبير جمال الغيطانى الذى عمل كمراسل حربى منذ عام ١٩٦٩، ورأى وعاش كل الأحداث العسكرية التى قلبت الموازين، وكذلك حرب الاستنزاف التى كانت بطولة وشجاعة نادرة لشعب قرر أن يحقق الانتصار، ومن بين هؤلاء كذلك الضابط الدكتور أحمد حجى الذى استشهد على الجبهة، كما كان يتمنى، وترك لنا تراثًا غاليًا فى أدب الحرب والانتصار فى وقت واحد، وبعد ذلك نحاول أن نجرى قراءة سريعة للبيانات العسكرية واليوميات الصحفية.
المقاتل أحمد حجى رائد أدب الحرب والانتصار
بعد هزيمة أو نكسة ١٩٦٧ انتبه كل المعنيين من ساسة وشعراء وكتّاب الأغانى والدراما والصحفيين والإعلاميين عمومًا، أننا نحتاج إلى حالة تحريض وشحن وشحذ للهمم، خاصة بعدما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تنحيه عن المسئولية، وعن رئاسة الجمهورية، وإسناد القيادة لزكريا محيى الدين، بعد ذلك انفجرت روح قتالية جبارة عند جميع طبقات وفئات الشعب، وخرجت الجماهير تهتف بحياة الرئيس الوطنى الذى انهزم، ورفعت شعارات حماسية للغاية، من هذه الشعارات:
«لا تعليم ولا تدريس
إلا بعودة الرئيس
أنور أنور ياسادات
إحنا اخترنا جمال بالذات
شكرًا شكرًا يا زكريا
عبدالناصر مية المية
مكتوب على قلوبنا
عبدالناصر محبوبنا
مكتوب على إيدينا
عبدالناصر فى عينينا
لا رجعية ولا استعمار
عبدالناصر شعلة نار
يا أمريكا لمى فلوسك
عبدالناصر بكرة يدوسك
لا رجعية ولا أندال
الجماهير عايزاك ياجمال
جونسون جونسون يعنى إيه
عبدالناصر يقضى عليه...»
إلى آخر هذه الشعارات التى انطلقت من قلوب الناس، وانتبه المسئولون إلى الحماس الكبير الذى أطلقته الجماهير لاستكمال المسيرة أو تصحيحها أو مدها بالروح القتالية القادرة على التجاوز، وكتب صلاح جاهين رباعية لافتة قال فيها:
(فاتح عينيا للخطر ع الآخر
قدرت أشوف وسط المحيط الزاخر
وسط الظلام والضنك بارق أمل
بيبص للأهوال ويضحك ساخر)
نلاحظ فى تلك الشعارات، وكذلك رباعية صلاح جاهين، على سبيل المثال، وبعض ما كان يكتب، أن روحًا متمردة تكاد تصل إلى حد الثورة، ورافضة الهزيمة بشكل قوى وواضح، بعد الإقرار بالهزيمة ومحاولة تجاوزها وتحويلها إلى انتصار، وذلك الانتصار لا بد أن يتم التمهيد له، بالاعتراف بما حدث، وكتب عبدالله الطوخى فى مجلة صباح الخير بتاريخ ١٥ يونيو ١٩٦٧ مقالًا عنوانه «لا مجال لمنطق النعام»، جاء فى ثناياه: «..والآن .. أيها الأصدقاء، وقد حدث ما حدث، لم يعد هناك وقت للمناقشات، أو للكلام، أو حتى للكتابة، فالموقف الآن خطير خطير، لكنه واضح ومحدد: مواجهة آثار العدوان، وإزالتها، بل إننا نذهب إلى أبعد من هذا، وظل يكتب الطوخى تلك العبارات التحريضية، وعلى خطى الشعارات السابق ذكرها، والتى رفعتها الجماهير، راح يطالب الطوخى بأن أى كتابة خارج سياق مقاومة العدوان، فهى باطلة، وظهر بالطبع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وأصدرت وزارة الثقافة سلسلة من الكتب عنوانها «فى المعركة»، ظهر منها كتاب عنوانه «الشعر فى المعركة» و«صوت مصر..أربع مسرحيات من فصل واحد»، لألفريد فرج، والمسرحيات الأربع هى «الفخ، صوت مصر، بالإجماع + واحد، بقيق الكسلان»، وكتب الناقد محمد إسماعيل محمد دراسة مطولة عن مسرح ألفريد فرج، وتعرض لمجمل مسرحه، وكذلك المسرحيات المنشورة فى هذا الكتاب، وفى حديثه عن مسرحية «الفخ» يقول: «فى هذه المسرحية ينفعل المؤلف بأحداث عام ١٩٥٦، ويربط بين قضية حرية الوطن وقضية الكفاح فى العالم، للدفاع عن الحرية ضد المعتدين الغادرين، وبين حرية المرأة ونضوج شخصيتها ورغبتها فى الكفاح والمشاركة الفعلية فى المعركة وفى العمل المنتج مؤكدة بذلك شخصيتها..
وحاولت النخبة الثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية فى ذلك الوقت، أن تستدعى بطولات الشعب المصرى ضد الغدر والاستعمار والإقطاع على مدى عقود عديدة، بل على مدى تاريخ طويل يفوق العقود، ليصل إلى أحداث بعيدة حدثت منذ قرون، ونهضت وزارة الثقافة لكى تستكمل نشاطها لتبث روحًا جديدة فى ذلك الفضاء الواسع، بل تعمل على تكثيفه فى جميع مجالات الأدب والمسرح والسينما، وذلك ليس فى العاصمة المركزية القاهرة وفقط، بل كان للأقاليم حظ كبير من قوافل ثقافية وفنية للتوعية الحقيقية، احتشدت لها كل الطاقات الإدارية والفكرية والأدبية، ليس فقط الدعاية والإعلام والبروباجاندة، ولكن تشكّلت فرق مسرحية لتقديم عروض جيدة على خشبات مسارح الأقاليم المركزية، إذ لم تكن قصور الثقافة قد توسعت كما هى الآن، ولا مجال هنا للحماس العارم الذى تفجر من شعراء الأغنية، وعلى رأسهم سيد حجاب، وعبدالرحمن الأبنودى وغيرهما، وانطلقت حناجر وطاقات عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وفايدة كامل وغيرهما، وتساءل صلاح جاهين فى رباعية جديدة لشحذ الأرواح:
(هات يا زمان .. وهات كمان يا زمان
غير بسمة الشجعان ما منى يبان
هو اللى داق الفرحة يوم ثورته
يقدر يعود ولا ثانية للأحزان؟
عجبى)
وكتبت الصحفية سهير فهمى فى مجلة صباح الخير، «إننا مطالبون بالوضوح القاسى أمام أجهزة الدعاية الأمريكية والغربية، ولا بد أن تنفتح جميع أبواب الحرية مهما كانت قسوة نتائجها، وذلك لكى نعرف أين تكمن الحقيقة، ونواجه قبح دعاية الاستعمار بخطاباتنا الواضحة والقوية»
إذن كانت هناك عزيمة قوية للمواجهة، وروح شجاعة ومقاتلة وصامدة لكى تحمل ما حدث والتصدى له بكل الوسائل، الثقافة والإعلام جنبًا إلى جنب مع السلاح، كل هذا وكانت جراحنا ما زالت فادحة لم تندمل، وأسرانا فى معتقلات تل أبيب وعتليت يقاومون الاحتلال، وبدأت الكتابات الأدبية تظهر بشكل خفيف فى البداية، وأصبحت لأدب الحرب نافذة تطل منها بعض الأعمال التى تعكس الوضع، ولا بد أن أرصد أول رواية شبه مجهولة وغائبة صدرت فى يوليو عام ١٩٦٨ عنوانها «عودة الأسير» للكاتب حسين كامل المحامى، وفى مقدمتها يقول: «لا شك هناك نقص كبير فى بلادنا فى أدب الحرب، وإذا كان هناك اقتصاد حرب تفرضه الظروف، فيجب أن يكون ثمة أدب حرب يعاون فى إظهار بعض الحقائق فى أسلوب يقبله الجميع، وإذا كانت نكسة يونيو فى حربنا مع إسرائيل قد لاقت بحرًا زاخرًا من النقد، فمن الإنصاف أيضًا أن يعرف الناس بعض ما لاقى جنودنا فى الميدان، وبعض ما أبدى هؤلاء الجنود من مظاهر الشجاعة المتقطعة النظير، فالهزيمة قد تلحق بالجيش المنتصر بعد انتصاره، وقد ينال الجيش المنهزم انتصارًا بعد الهزيمة، ولكن الشجاعة باقية لا تتغير بتغير الظروف، وروايتى (عودة الأسير) هى قصة فتيان مصريين حاربوا فى ظروف تنوء بها الجبال، ثم جازفوا بحياتهم فى سبيل العودة لوطنهم ليحملوا السلاح مرة أخرى للذود عنه»
وإذا كانت رواية «عودة الأسير» المجهولة هى الطلقة الأولى فى روايات وقصص وكتابات أدب الحرب، إلا أنها لم تترك ذلك الأثر الواضح الذى برز فى كتابات أخرى فيما بعد، ذلك لأن الرواية كتبها صاحبها وهو خارج ساحات القتال، رغم أنها ترصد بطولات حقيقية ومجهولة لجنودنا وضباطنا المغدورين، ولكن الوعى الذى انطلق منه الكاتب، هو وعى الرصد والتسجيل لما حدث من قبل، دون تعميق ذلك فى رؤية فنية أو فكرية عميقة، وهذا يذكرنا بدور رواية (زينب) للدكتور محمد حسين هيكل، ذلك الدور الرائد بشكل فعلى، رغم أن روايات أخرى قد سبقتها، لكنها لم تترك ذلك الأثر الذى برز فيما بعد، وربما يلعب الكاتب نفسه ومن حوله دورًا فى ترويج وتسويق والتعريف بمنتجه الأدبى، ولكننا نستطيع فى هذا السياق أن نعتبر رواية «عودة الأسير» رواية رائدة من الناحية الببلوجرافية، ولكنها لم تكن رواية رائدة على مستوى الذيوع والتأثير، حتى أتى أدباء آخرون كتبوا مسيرة الحرب بعقلية مختلفة، وروح أخرى مشاركة ومؤثرة بشكل فعلى، وليست كتابات أتت من الخارج، ومن ثم، لا بد أن نثمن عاليًا كتابات الطبيب الشاب أحمد حجى، والذى كتب بوعى الثائر الذى يدرك ماذا يفعل، وترك لنا كتابين فى غاية الأهمية: «الكلمات والبارود، ومذكرات جندى مصرى فى جبهة قناة السويس»، كتب حجى هذين الكتابين عن سبق الإصرار والتعمد، وكان يمارس القتال فى قريته، ثم بعد ذلك فى معسكره، يقول: «منذ أن وصلت إلى جبهة القتال فى الخط الأمامى، تلح على ذاكرتى أن أسجّل ما يحدث وما يجرى فى مواجهتها للعدو الصهيونى، وأقول حقيقة بأن الذى أكتبه وما يجرى به قلمى، ليس إلا النزر اليسير، وإذا لم توافينى منيتى أو يدركنى الموت، فسوف أقصّ على شعبنا مأساة مقاومته للعدو، وبطولات جنوده وبسالتهم، أما إذا كانت نهايتى ستكون على أرض القناة فسأموت مستريحًا، لأن أفكارى وجدت طريقها ولم تعجز عن الحركة، وبذلك تكون هذه المذكرات هى حديث الرصاص يجب أن تتكلم به قضية شعبنا».
أحمد حجى قبل أن يذهب إلى الجبهة باختياره، كان مقاتلاً توعويًا على المستوى الفكرى والسياسى والأدبى، وذلك فى بلده وقريته سندوب بمحافظة الدقهلية، ولد عام ١٩٤١، وتخرّج فى كلية الطب البيطرى عام ١٩٦٧، وجنّد بالقوات المسلحة عام ١٩٦٨، أى فى عزّ حرب الاستنزاف، وهو الذى اختار موقع وحدته بإلحاح، لكى يكون فى الصفوف الأمامية، قبل أن يلتحق بالقوات المسلحة، افتتح بقريته مدرسة لمحو الأمية للفلاحين، وذلك على الطريقة التى خاضها كثير من الثوريين فى العالم، أصبح الخندق الذى يكمن به فى الجبهة، قبلة للمقاتلين، كما كان بيته فى سندوب قبلة للجيل الجديد من الشباب الثائر والشعراء والمثقفين والباحثين الجدد.
فى كتابه «الكلمات والبارود»، الذى نشره الروائى فؤاد حجازى، صاحب ومؤسس سلسلة «أدب الجماهير» فى الدقهلية، وكتب دراسة فيه، عنوانها «عندنا أدب مقاومة، ولكن..»، وانتقد فيه الناقد الدكتور لويس عوض الذى كتب مقالًا طويلًا فى جريدة الأهرام بتاريخ ١ يناير ١٩٧١، والذى أعلن فيه- أى عوض- أن عام ١٩٧٠ هو عام القحط الثقافى والأدبى، وهذا ظلم واضح وفادح فى الوقت نفسه، ويوضح أن الناقد لويس عوض كان منفصلًا تمامًا عن كل ما هو جديد، واستطرد عوض قائلًا بقسوة وتعالٍ: «.. فقد جف المدد من أقلام كتابنا الكبار»، وفى ذلك وجّه دكتور حجى كلامه إلى لويس عوض، واتفق معه بأن هؤلاء الكتاب الكبار الذين جفت قرائحهم، ونضب معينهم، ليسوا علامة دامغة لقحط أدبنا، إذ إن لويس عوض تجاهل إبداع الشباب بشكل واضح، وقال حجى: «.. لكن هناك أقلامًا شابة يتجاهلها الدكتور لويس عوض، رغم أن المداد يجرى فيها كالشلال»، وضرب حجى مثالًا بفؤاد حجازى، واعتبره أحد الأدباء الكثيرين الذين لا يتم الترويج لهم، والتسويق لنصوصهم، بل تعويق نشر إبداعاتهم، حيث إن روايته «الأسرى يقيمون المتاريس»، راحت تعانى من ذلك التعويق والمنع للدرجة التى ظلت تتنقل بين المكاتب والإدارات لمدة تصل إلى ثمانى سنوات، كذلك لم يلتفت المسئولون إلى الدعوة التى أطلقها الكاتب الصحفى محمد عودة إلى أن الكتاب والأدباء لا بد أن يذهبوا إلى جبهة القتال، ويعيشوا مع الجنود والمقاتلين فى موقع الحدث لمدة أيام، حتى يستطيعوا استيعاب الحالة التى كان جنودنا يعيشونها، بدلًا من تلك الزيارات السياحية التى لا تفعل سوى ترضية الضمائر وفقط، وربما تكون الأجهزة المسئولة، آنذاك، لا توفر مثل هذه الزيارات، ويكتب حجى: «وتلوح أمامى مفارقة عجيبة، ففى الوقت الذى يجثم فيه الكبار على وسائل النشر ويتحكمون فى الحركة الثقافية، تشجع إسرائيل يائيل ديان، ابنة موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، والتى كتبت عن حرب يونيو سنة ١٩٦٧، وتسجل ليوميات جندى فى حرب يونيو من وجهة نظر جيش الدفاع الإسرائيلى، ووزعت كتابها فى جميع أنحاء العالم، كما دبرت إسرائيل للكاتبة رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدعاية لكتابها».
فى هذا الكتاب يرصد دكتور أحمد حجى، المقاتل والمثقف الطليعى، تلك الأسباب البيروقراطية التى عملت على تعويق تطور ونمو ظاهرة أدب الحرب فى بلادنا، رغم أن لدينا بطولات جبارة نستطيع رصدها، ولأنه كان يرى أن كل الذين كتبوا من خارج الظاهرة القتالية انسحبوا على أرضية الإعلام الزائف، والذين ركزوا فقط على القصص المهزومة، والتى لا تفعل سوى بث روح الإحباط، وتصوير المقاتل المصرى بما ليس إيجابيًا، والإمعان فى تصوير مفتعل لعودة حشود من الجنود سيرًا على الأقدام من صحراء سيناء، بينما هناك قصص شجاعة وقتالية كانت تجرى على تلك الأرض، وشدّد حجى على الكتابة بوضوح، وكلما كان الكاتب قريبًا بشكل واقعى من أرض القتال، كان أكثر صدقًا وحميمية من كل الذين كتبوا من واقع تقارير أو كتابات صحفية، ومن هنا لا بد أن نشيد بالكتابات التى كتبها الكاتب والروائى جمال الغيطانى، مثل «الرفاعى والزويل وأرض أرض، وحكايات الغريب، والمصريون والحرب»، وغيرها من كتابات، حيث إنه كان يعمل مراسلًا عسكريًا لمؤسسة الأخبار فى ذلك الوقت، وظلّ مراسلًا عسكريًا معايشًا حالة ميدان القتال حتى حرب وانتصار الجيش المصرى فى أكتوبر رمضان ١٩٧٣، كان الغيطانى يرتدى خوذته العسكرية، ويتجول فى المواقع، ويرصد ويسجل ويتأمل ويحلل، حتى خرج لنا بذخيرة عبقرية من كتابات الحرب، فلا أدب حرب دون معايشة.
وإذا كان كتاب «الكلمات والبارود»، للدكتور أحمد حجى، هو البادرة الأولى التى تم الحديث فيها عن أدب الحرب، وضرورة أن يعايش الكاتب ما يجرى على أرض القتال، جاء كتابه الثانى الذى تأخر فى النشر لزمن طويل، حتى إنه نشر فى عام ١٩٨٦، أى بعد استشهاده فى الجبهة بأربعة عشر عامًا، وذلك لأسباب بيروقراطية معقدة ولا مجال لسردها هنا، ورغم ذلك فإن الكتاب كان يسجل حالة وواقع وتجربة المقاتلين المصريين لحظة بلحظة، ويرصد شجاعاتهم وعزيمتهم وذكائهم المدرب أو الفطرى، وإصرارهم على هزيمة العدو بكل الأشكال الممكنة، وضرورة أن يكون المقاتل على درجة كبيرة من الوعى العسكرى وكذلك بدوره حتى يتقنه، هذا الكتاب «مذكرات جندى مصرى فى جبهة قناة السويس»، هو الكتاب الرائد والأول فى رصد وقائع من الجبهة لحظة بلحظة، والذى كتبه صاحبه فى أعتى لحظات المقاومة لتلك الهزيمة، كتاب فتح نافذة قوية وشفافة لكثير من الكتب التى جاءت بعد ذلك وبأقلام مشاركين فى القتال على مستويات ومن مساحات عديدة، وكانت هذه الكتابات مسترشدة بكتابات حجى، وبالروح التى عمّت فيه من الجلدة للجلدة كما يقولون.
البيانات العسكرية ومنطق الدقة والصدق:
اكتسب انتصار أكتوبر مصداقية عالية جدًا من خلال كل البيانات واليوميات التى كتبها أدباء وصحفيون كانوا فى الجبهة منذ حرب الاستنزاف، وكان بعضهم يحضر كل ما يحدث من تدريبات، ولكنهم كانوا ممنوعين من الإدلاء بأى تصريحات، وذلك لتطبيق السرية الكاملة على كل ما يحدث، ومن بين هؤلاء كان الأديب الكبير جمال الغيطانى، وكذلك الإذاعى القدير حمدى الكنيسى، وأيضًا الكاتب القدير صلاح قبضايا، ولعبت كتاباتهم دورًا كبيرًا فى إعطاء صبغة جادة وصادقة من خلال كل الدقة التى كانوا حريصين عليها، طالما أنها لا تضر بالأمن العسكرى، وهذا ما سنعود إليه لاحقًا، بعد استعراض البيانات العسكرية التى صدرت عن القوات المسلحة أثناء إنجاز ملحمة الانتصار على العدو.
يقول المشير أحمد إسماعيل: «.. إن جزءًا كبيرًا من نجاح الحرب يرتهن بثقة الناس فى صدق ما تقوله من حقيقة ما نفعل، ولهذا فإنى طلبت التزامًا دقيقًا فى صياغة البيانات العسكرية».
وفى دراسة دالة، عنوانها «أكتوبر ومنهج الصدق فى البيانات العسكرية»، يقول الأديب والمراسل الحربى جمال الغيطانى: «عندما بدأ التخطيط لحرب أكتوبر وتهيئة كل الظروف لكسب هذه الحرب، وضع القادة العسكريون فى اعتبارهم أن هناك معركة لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية، بل إن نجاح الأخيرة مرتهن بنجاح هذه المعركة التى تلعب الكلمة الدور الرئيسى فى كل اتجاهاتها الإعلامية والدعائية والنفسية..».
وما ذهب إليه جمال الغيطانى ينطوى على قدر كبير من الصحة والمنطق، فما حدث فى عام ١٩٦٧ كان درسًا قاسيًا لنا جميعًا، القيادة السياسية والشعب المصرى عمومًا والقيادة العسكرية، حيث إن كثافة البيانات الملفقة كانت سببًا كبيرًا فى عدم ثقة الناس بها، ولكن سرعان ما استطاعت الإدارة الجديدة للحرب أن تعدل من ذلك الأمر، وتعمل على تصحيح المسار رويدًا رويدًا، وذلك عبر كل المعارك التى قامت وحدثت فى السنوات الست قبل انتصار أكتوبر، حتى جاء ٦ أكتوبر، وكانت الدقة قد وصلت إلى درجة عالية من الاحتراف والصدق العالى.
وأعتقد أن كل ما تفجرت به القريحة المصرية بعد ذلك، وفى أحداث الانتصار العظيم، كان أدبًا، منذ أن أطلق البيان العسكرى الأول الذى ألهب مشاعر ملايين المصريين عندما انطلق من الإذاعات المصرية ليعبر عن لحظة فارقة فى تاريخه، يقول البيان الأول الذى أذيع فى الساعة الثانية والربع من يوم ٦ أكتوبر العظيم ١٩٧٣:
«قام العدو فى الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتى الزعفرانة والسخنة فى خليج السويس، بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربى من الخليج، وتقوم قواتنا حاليًا بالتصدى للقوات المغيرة».
ذلك البيان التاريخى الذى هز مشاعر وحماس الملايين، وفجّر الطاقات الكامنة عند الشعب المصرى، وصولًا إلى البيان ٦٤ الذى تمت إذاعته فى الساعة السابعة و٣٠ دقيقة من مساء ٢٤ أكتوبر، أعتبره مقدمة عظيمة لذلك الأدب الذى نطلق عليه أدب الانتصار، من ناحية الدقة وحصافة التعبير والروح الوثابة التى جاءت بها الكلمات، وظلّت البيانات تعمل بقوة شديدة وذروات عديدة، مثل البيان الذى زلزل كيان العدو، وهو البيان السابع الذى أذيع فى الساعة السابعة و٣٥ دقيقة من اليوم نفسه، وهو يعلن:
«نجحت قواتنا المسلحة فى عبور قناة السويس على طول الجبهة، وتم الاستيلاء على معظم الشاطئ الشرقى للقناة، وتواصل قواتنا حاليًا قتالها مع العدو بنجاح.. كما قامت قواتنا البحرية بحماية الجانب الأيسر لقواتنا على ساحل البحر المتوسط، وقد قامت بضرب الأهداف الهامة للعدو على الساحل الشمالى لسيناء وإصابتها إصابات مباشرة».
وجاء البيان التاسع مدمدمًا، والذى أذيع فى الساعة الثامنة صباح ٧ أكتوبر، ذلك البيان الذى سجل أقوى لحظة انتصار فى المعركة، وكانت لغة البيانات تمزج بين الحماس الرصين دون مجازات بلاغية، مع وضع عناوين جانبية تكاد تكون أدبية، أو عناوين لقصص قصيرة كتبت بلغة عالية تحت هدير المدافع والطائرات، وكل أنواع الأسلحة العادية فى حرب تحرير عظيمة، حيث يقول البيان بعد أن يضع تلك العناوين الفرعية، وهو يتحدث عن مجمل المعارك التى جرت يوم أمس:
«يوم سجل قتال يوم ٦-١٠-١٩٧٣:
أولًا: حوالى الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم ١٠ رمضان سنة ١٣٩٢ هجرية، الموافق السادس من أكتوبر سنة ١٩٧٣م، قام العدو الإسرائيلى بهجوم جوى غادر على كل من مصر وسوريا.
ثانيًا: نجحت قواتنا فى صد هذا الهجوم ببعض الخسائر فى الأفراد.
اقتحام القناة:
ثالثًا: وبعد أن اتضحت نية العدو قرر القائد الأعلى للقوات المسلحة الرد بقوة على هذه الاعتداءات المتكررة، فقامت قواتنا بشن هجوم شامل على طول جبهة القتال واقتحمت قناة السويس تحت ستر قصف الطائرات والمدفعية ومساندة القوات الجوية والدفاع الجوى.
قتال أثناء الليل:
رابعًا، وفى ليلة ٦-٧ استمر قتال قواتنا مع العدو، ودارت معارك عنيفة قام العدو خلالها بهجمات مضادة محاولًا استعادة الموقف ولكنه فشل، وتمكنت قواتنا من صد هجمات العدو مع تكبيده خسائر كبيرة فى الأفراد والمعدات.
خامسًا، كما قامت قواتنا البحرية بتدمير خمس قطع بحرية للعدو فى البحر الأبيض، وقامت بقصف بعض المناطق المعادية بالشاطئ الشرقى لخليج السويس.
سادسًا: نتيجة لهذه المعرك وصلت نتائج القتال منذ بدأته كالآتى:
خسائر العدو: إسقاط ٢٧ طائرة للعدو، تدمير ٦٠ دبابة، تدمير ١٥ موقعا حصينا شرق القناة، وعدد من الأسرى، علاوة على تكبده خسائر جسيمة.
وخسائر قواتنا: ١٥ طائرة مقاتلة وبعض الطائرات، كما تكبدت قواتنا بعض الخسائر فى الأفراد.
سابعًا: وما زالت قواتنا تتدفق عبر القناة وتواصل تقدمها شرقًا والاشتباكات الأرضية والجوية مستمرة».
وهكذا سارت وتيرة البيانات، دقة، حذر، صدق، عدم مبالغات ممجوجة، أو مجاز كاذب، حرص على توضيح الحقائق بأقل قدر من الكلمات، بعيدًا عن الطنطنة التى كانت تعمل بقوة فى حرب ١٩٦٧، لقد تعلمنا عبر ست سنوات من المواجهة، أن نسوس رؤانا، وكانت العبارة الشائعة «الصدق منجّى» تعمل على قدم وساق فى كل ما يذاع من بيانات عسكرية، ولم يحدث أن تم تكذيب أى بيان تم إعلانه وإذاعته عبر كل وسائل التواصل من راديو وتليفزيون وصحف ومجلات، ولذا كانت تلك البيانات تعمل جنبًا إلى جنب مع كل التدابير العسكرية والإعلامية المتعددة.
وبالإضافة إلى كل ذلك، كانت البيانات أدبًا خالصًا للتعبير عن لحظات انتصار فارقة للشعب المصرى وللقيادة السياسية وللقوات المسلحة بالأساس، والتى استشهد فيها ضباط وجنود وقيادات لتحقيق ذلك الانتصار الذى كان أملًا وحلمًا وصار حقيقة لا خيالًا، المجد للشهداء، والتحية لكل العظماء الذين شاركوا فى ذلك الانتصار، وسطروا أهم سطور فى تاريخ مصر المجيد بذلك الانتصار العظيم.
وهناك رافد مهم آخر لعب دورًا مركزيًا فى حرب انتصار أكتوبر، وهو تلك اليوميات التى كانت ترفع الروح المعنوية للمقاتلين والملايين التى تتابع الحرب، وكان أبرز تلك اليوميات كتاب الأديب الكبير والمراسل الحربى الراحل جمال الغيطانى، الذى نشر كتابًا مهمًا وعلامة، وهو كتاب «المصريون والحرب.. من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، وفيه يتعرض الغيطانى لعقيدة المقاتل المصرى التى حاول العدو التشكيك فى قوتها وأصالتها، فجاء ذلك الكتاب لكى يطرح مواجهة قوية، يقول الغيطانى فى مستهل الكتاب:
«بعد يونيو ١٩٦٧، تعرض المقاتل المصرى لحملة نفسية واسعة، كانت فى حقيقتها مواجهة الإنسان المصرى ذاته، بتاريخه، ومكوناته الحضارية، ودار محور هذه الحملة حول عدم قدرة المقاتل المصرى على خوض حرب حديثة، بل امتدت تشكك فى قدراته القتاية».
والشىء بالشىء يذكر، فهناك بعد معركة ١٩٦٧ صدر كتاب مريب عنوانه «وتحطمت الطائرات عند الفجر»، لكاتب مجهول اسمه باروخ نادل، وانتشر الكتاب بشكل مريب، وكان يباع بثمن بخس جدًا على الأرصفة، ورغم أن الكتاب فيه قدر من الأكاذيب، إلا أنها أكاذيب ومبالغات تعتمد على حقائق، وكان بعد انتصار أكتوبر كتاب آخر للرد على ذلك الكتاب، وهو ما كتبه أحمد بهاء الدين تحت عنوان «وتحطمت الأسطورة عند الظهر»، وجاء فيه: «لا يمكن الكتابة عن حرب أكتوبر، وتقدير حجم الانتصار الذى حققته، دون الإشارة فى إيجاز إلى حرب يونيو ١٩٦٧، وما خلفته!، ذلك أنها فى حقيقتها قتالان فى مسار الحرب الواحدة، وكل ما حدث فى حرب يونيو ١٩٦٧-لاحظ أن بهاء يستخدم مفردة الحرب بعيدًا عن التصنيفات التى قالت هزيمة أو نكسة- كان له انعكاس فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، من أسلوب العمل السياسى والعسكرى، حتى أعمق وجدان الجماهير، ألم نستمع كلنا إلى البلاغات العربية الأولى فى أكتوبر ١٩٧٣ فى تحفظ وإشفاق شديدين، لأن أفئدتنا كانت ما تزال مثقلة بالبلاغات الأولى لحرب يونيو ١٩٦٧».
وعودة إلى جمال الغيطانى، كتب فى كتابه قصصًا ملحمية للجنود الذين عاش معهم، ووصف العلاقات التى تنشأ فى الحرب بين المقاتلين، فهى من أعمق العلاقات الإنسانية، كذلك نشر رسائل فى غاية العذوبة والشجن لهؤلاء المقاتلين الذين تنوعت وظائفهم ومستويات تعليمهم وطبقاتهم، ولكنهم كلهم كانوا عظماء تحت قوس الحرب العظيمة.
وإذا كان كتاب جمال الغيطانى أخذ مساحة واسعة من الانتشار، وطبع ونشر أكثر من مرة، فهناك كتاب آخر فى غاية الأهمية، وهو كتاب «معركة العبور» للكاتب الصحفى صلاح قبضايا، وهو كتاب يرصد وقائع الانتصار من الألف إلى الياء، حتى التدريبات التى كانت تتم قبل الحرب ذاتها، تجد لها مكانًا خالدًا فى تلك الصفحات، والذى يعد الكتاب الأول فى مجاله، حيث إنه صدر فى ذات الشهر أكتوبر الذى حدثت فيه الحرب، ولا تستطيع تلك السطور أن تتناول كل ما كتب عن ذلك الانتصار العظيم.