الثلاثاء 29 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الباحث عن دين الإنسان.. فراس السواح: النبى محمد أول علمانى فى التاريخ

فراس السواح
فراس السواح

- الرسول أول من فصل الدين عن الدولة عن طريق «صحيفة المدينة»

- نبى الإسلام لم يحكم المدينة كنبى بل كأمير سياسى

- لم تكن هناك «دولة خلافة إسلامية» فى أى مكان طوال التاريخ

- لو الشيطان نفسه أسقط نظام الأسد لرحبنا به

منذ دخول أبومحمد الجولانى، قبل تغيير اسمه فيما بعد إلى أحمد الشرع، العاصمة السورية دمشق، وخروج الرئيس السابق بشار الأسد من البلاد إلى روسيا، لا يتوقف الحديث عن مستقبل البلد الشقيق، وإذا ما كان فى استطاعته عبور الفترة الانتقالية بأمان وسلام، وصولًا إلى الدولة التى يحلم بها السوريون، بعد أن عاشوا أيامًا صعبة للغاية طوال الـ14 سنة الماضية.

ولأن أهل سوريا أدرى بشعابها، خاصة إذا ما كانوا بقيمة ومكانة وعقلية المفكر فراس السواح، الكاتب والمفكر السورى الشهير فى مجال علم دراسة الأساطير وتاريخ الأديان، توجهت «حرف» إلى «السواح»، لمحاولة وضع تصور مستقبلى لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع فى سوريا.

فى الحوار التالى، يتحدث «السواح» عن المشهد السياسى فى سوريا، ومستقبلها والوضع الراهن بما يعتريه من سيولة، وتوقعاته لمستقبل «الجولانى» وجماعته «هيئة تحرير الشام»، فضلًا عن رأيه فيما يسمى «إحياء الخلافة الإسلامية»، وغيرها الكثير من القضايا الأخرى.

■ كيف تلقيت خبر دخول أحمد الشرع وأتباعه دمشق واستيلائه على مقاليد الحكم؟ 

- دخول أحمد الشرع وجماعته إلى دمشق كان أشبه بـ«إعلان استقلال جديد لسوريا»، ولو أن الشيطان نفسه فعل ذلك للقى من الترحيب ما لقيه «الشرع» و«هيئة تحرير الشام»، لأنه بالتأكيد سيكون أفضل من نظام «آل الأسد»، الذى استبد بحكم البلاد نصف قرن، وأعادها إلى الوراء فى كل المجالات لأكثر من قرن.

فى الحقيقة، الهجوم الذى شنه أحمد الشرع تحت عنوان «رد العدوان» كان يهدف إلى الاستيلاء على مدينة حلب فقط، بهدف الضغط على بشار الأسد من أجل الوفاء بتعهداته للجامعة العربية، والشروع فى تنفيذ القرار الأممى رقم «٢٢٥٤»، لكن الجيش السورى لم يكن راغبًا فى الدفاع عن الطاغية، ليجد «الشرع» نفسه فى دمشق رئيسًا للبلاد دون تخطيط سابق، ودون أى مقاومة تذكر.

■ ما رأيك فى «الشرع» و«هيئة تحرير الشام» إذن؟

- «هيئة تحرير الشام» ليست صناعة خارجية، بل نشأت من رحم الثورة السورية الشبابية، التى انطلقت عام ٢٠١١، ثم راحت تدير «دويلة إدلب»، التى كانت تستقبل كل الفصائل الجهادية التى كان النظام الأسدى يرحلهم إليها. أدارت الهيئة هذه «الدويلة» بكفاءة عالية، جعلتها مؤهلة لترميم الدولة الفاشلة التى خلفها وراءه بشار الأسد.

ولعل الشخصية المتميزة لقائدها أحمد الشرع كانت وراء هذا النجاح الذى حققته «هيئة تحرير الشام»، فهو رجل  ذكى ومثقف وقيادى بالفطرة، ويمتلك «كاريزما» تذكرنا بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر.

«هيئة تحرير الشام» الآن هى سلطة الأمر الواقع، وليس أمام السوريين سوى خيارين، إما قبولها أو السماح لإيران و«حزب الله» وفلول النظام البائد، التى ما زالت تقاوم بضراوة، بالعودة بنا إلى حكم «الأسرة الأسدية».

■ هل تتفق مع القول بأن «الشرع» عازم على تغيير الصورة الذهنية عنه وعن جماعته كفصيل جهادى؟

- بعد أن أعلن «الجولانى» عن اسمه الحقيقى الذى كان مجهولًا، صرنا نعرف الكثير عنه، فـ«آل الشرع» من الأسر النبيلة فى منطقة الجولان، وأبوه رجل فاضل وكاتب سياسى معروف لجيله، وأسرته عامة أنجبت شخصيات لعبت دورًا فى الحياة العامة.

أما عن الفكر الجهادى الإسلامى، فقد طرح نفسه على «الجولانى» وعلى الكثير من شباب الثورة السورية كبديل للفكر البعثى، الذى خان مبادئه الثلاثة: الوحدة والحرية والاشتراكية، فقد فشل فى تحقيق الوحدة، بل خانها عندما شارك فى الانقلاب على الوحدة مع مصر، إلى جانب فشله فى تحقيق الاشتراكية والحرية.

لقد كان الفكر الجهادى ضرورة مرحلية بالنسبة لأحمد الشرع، وبعد سقوط حكم البعث، فإن زوال النقيض يلغى نقيضه، وبالتالى وجد «الشرع» نفسه حرًا فى التحول إلى فكر جديد، خاصة بعد أن وجد نفسه قائدًا لمرحلة فاصلة فى تاريخ سوريا، تحدد هوية مستقبلها بصورة كبيرة.

■ إلى أى مدى يتمتع «الشرع» بقبول السوريين.. وإلى أى مدى يصدقون تحوله الفكرى هذا؟ 

- أحمد الشرع لم يُعط وعودًا للسوريين بل للعالم أجمع، الذى تمثل فى الوفود الدبلوماسية التى زارته واستمعت إليه، وهو ملزم بتحقيق هذه الوعود. وعد بمؤتمر للحوار الوطنى تشارك به القوى السياسية والشخصيات الفكرية المعروفة، تصدر عنه مبادئ دستورية تحكم الفترة الانتقالية، ووعد أيضًا بحكومة انتقالية تشارك بها جميع أطياف المجتمع السورى، وبانتخابات حرة تحت إشراف دولى، وبدستور جديد للبلاد، إلى جانب وعده بحل «هيئة تحرير الشام» نفسها.

أعطيناه ثقتنا وسنعمل على دعمه وعونه على تحقيق هذه الوعود، وعلى مراقبة أدائه ونقده كلما تطلب الأمر ذلك، متبعين فى ذلك المبدأ الذى أقره الخليفة الأول أبوبكر الصديق، عندما قال بعد أن بويع بالخلافة: «يا أيها الناس إنى وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى».

■ «الإسلام السياسى» فشل فشلًا ذريعًا فى حكم مصر.. هل تعتقد أن بإمكانه النجاح فى سوريا؟

- لم يعد لدى «الإسلام السياسى» فرصة فى إنشاء «دولة دينية» فى أى مكان، بعد أن قدم تنظيم «الدولة  الإسلامية فى العراق والشام»، المعروف اختصارًا بـ«داعش»، أسوأ نموذج عنها وعن حكمها وتجربتها، ما جعل العالم كله يرفض التعاون مع مثل هذه «الدولة».

لذا، فإن أفضل ما يمكن لهذا «الإسلام السياسى» أن يفعله، هو إنشاء حزب سياسى إسلامى يؤمن بالديمقراطية والتعددية، ويعمل من خلاله على طريقة حزب «العدالة والتنمية» فى تركيا، الذى حكم أكثر من عقدين دون أن يحاول «أسلمة الدولة»  كما فعل «الإخوان» فى مصر، عندما حاولوا «أخونة» مؤسسات الدولة واستلابها.

لقد تغير العالم، وهو سيحاصر أى مشروع لقيام «دولة إسلامية»، ويقضى عليها فى المهد. وقائد «هيئة تحرير الشام» فهم هذا الأمر جيدًا، لذا، بعد حل الهيئة، كما وعد فى تصريحاته، سيعمل على تحولها إلى حزب سياسى إسلامى على طريقة حزب «العدالة والتنمية»، وهذا أمر مُرحب به من قِبل الجميع.

■ هل نفهم من كلامك أن حلم «الإسلام السياسى» فيما يسميه «إحياء دولة الخلافة الإسلامية» قد تلاشى إلى الأبد؟ 

- لم تكن هنالك دولة خلافة إسلامية فى أى مكان عبر التاريخ لكى يتم إحياؤها، منذ دولة المدينة التى أنشأها الرسول الكريم وحتى قيام الدولة الإسلامية فى إيران. محمد بن عبدالله كان أول علمانى فى التاريخ، لأنه أول من فصل الدين عن الدولة، عندما أصدر، عقب دخوله يثرب، الوثيقة المعروفة باسم «صحيفة المدينة»، وهى أول دستور عرفته الثقافة الإنسانية، وحدد فيه واجبات وحقوق الجماعات التى تشكل المجتمع، من مسلمين ومسيحيين ووثنيين وأتباع مذاهب أخرى، وباستطاعة أى منكم الاطلاع على هذه الوثيقة المتوافرة على الإنترنت.

محمد لم يحكم المدينة كنبى أو رسول بل كأمير سياسى، لذا عندما كان يشير إلى نفسه كان يستخدم اسمه مجردًا من لقب رسول الله، على الرغم من أنه تابع النشاط الدعوى إلى دين الله، من خلال ما يدعى فى السيرة بـ«الغزوات»، التى قاد بعضها بنفسه، أو أوكل بعض الصحابة للقيام بها.

وهذه الغزوات لم تكن حملات عسكرية بل حملات تبشيرية، تحقيقًا للتوجيهات الآلهية: «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن». الآية ١٢٥ من سورة «النحل»، و«قاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين». الآية ١٩٠ من سورة «البقرة».

وعندما ارتقى الرسول إلى جوار ربه لم يخلفه أبوبكر الصديق كمرجع دينى بل كأمير سياسى، وكذلك الحال مع بقية الخلفاء الراشدين، وفى الخلافتين الأموية والعباسية. 

وفى الحقيقة، فإن أول دولة إسلامية فى التاريخ، هى الدولة الإسلامية الإيرانية، التى أعلنها الإمام الخمينى عام ١٩٧٩، بعد أن جعل من نفسه «خليفة للمهدى المنتظر»، لأن العقيدة الشيعية كانت تربط قيام الدولة الإسلامية بظهور المهدى المختفى منذ ١٣٠٠ سنة. هذه الدولة قدمت نفسها للعالم كأسوأ نموذج لما يمكن أن تكون عليه الدولة الإسلامية.

■ كيف ترى مستقبل سوريا على المدى القريب.. وهل الوضع ينذر بحركات انفصالية أو حرب أهلية؟ 

- المجتمع السورى عبارة عن فسيفساء من الإثنيات: العرب وهم الأكثرية، وأقليات من الأكراد والتركمان والأرمن والألبان والداغستان والابخاز والشركس، وفسيفساء دينية: المسيحية بجميع طوائفها «أرثوذكس- كاثوليك- بروتستانت»، والإسلام بجميع طوائفه: «السنة- الشيعة- العلويون- المرشديون-  الدروز».

 استعربت الأقليات الإثنية وتمازجت مع العرب وفقد معظمها لغته الأصلية، وتعايشت مع الأديان والطوائف الأخرى، ومارست شعائرها الدينية بحرية، ولا يوجد الآن من يطالب بالفيدرالية والحكم الذاتى سوى الأكراد وهم أكثر الإثنيات غير العربية عددًا. لكنهم فى واقع الأمر الوحيدون الذين لا يحق لهم المطالبة بالفيدرالية، لأن ٨٠٪ منهم قد هاجروا من تركيا بسبب النزاعات بينهم وبين السلطة العثمانية، فى مطلع القرن العشرين، واستقبلتهم سوريا مثلما استقبلت غيرهم من الإثنيات الأخرى.

وعندما اندلعت الثورة الشعبية فى سوريا ضد «آل الأسد»، شكل الأكراد «دويلة كردية»، استطاعت بسط نفوذها على مناطق واسعة من شرق الفرات، واستولت على حقول النفط، وراحت تبيع نفطنا من خلال شركات كبرى. وبهذه الطريقة عبر الأكراد عن امتنانهم للشعب الذى احتضنهم وآواهم وأعطاهم الجنسية السورية.

ولذلك أقول: لن يكون هنالك حرب أهلية فى سوريا، بل ربما صراع بين السلطة الجديدة فى سوريا، والقوات الكردية المدعوة «قوات سورية الديمقراطية»، حال امتناع الأكراد عن حل جيشهم وإلحاقه بالجيش السورى الجديد.

■ ماذا تقول إذن عن عمليات الاختطاف والتصفيات الميدانية للمطلوبين للعدالة التى تنفذها فصائل تابعة لـ«هيئة تحرير الشام»؟

- من لا يعمل لا يخطئ. نحن نراقب هذه الأخطاء ونرفعها للقيادة، التى تستمع إلينا وتعمل على تفاديها. سوريا اليوم فى بؤرة الأحداث، وعيون العالم تتجه إليها، وإلى دمشق تأتى الوفود للقاء القائد أحمد الشرع، الذى لا يجد الوقت للأكل أو النوم. إنه يريد أن يكسب العالم لكى يكسب سوريا،  لذا فإنه يكرس جل وقته للدبلوماسية التى تفرض نفسها عليه. لقد مضى شهران على ترحيل «الأسد»، وما تحقق خلال هذه  الفترة القصيرة يبشر بالخير.