الأربعاء 12 مارس 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محسن يونس: الرواية كِتابة كبار السن

محسن يونس
محسن يونس

- الرواية فن نبيل هو الأقرب لى والكتابة للأطفال تعالج نفسى وذاكرتى

- الكتابة ليست عملًا سهلًا ولا مجانيًا وفوزى بجائزة معرض الكتاب «نصف فرحة»

- التكنولوجيا جرأت الراغبين على الكتابة دون قراءة ومعرفة أصولها

- لماذا لا تقرأ لجان المجلس الأعلى للثقافة ما تخرجه المطابع؟

فاز الكاتب الكبير محسن يونس بجائزة «أفضل رواية»، ضمن فعاليات الدورة المنقضية من معرض القاهرة الدولى للكتاب التى تحمل رقم 56، عن روايته «جزيرة هرموش»، التى تدور حول فكرة سيطرة رغبة ما على الإنسان، ودفعه فى سبيل تحقيقها إلى العماء الكامل عن الدين والقانون وكل القيم التى حصلها عبر تاريخه، وصولًا إلى ارتكاب أبشع الجرائم وهو القتل.

ومع ذلك، وصف «يونس» فوزه بأنه «نصف فرحة»، كاشفًا عن عدم تقدمه للحصول على الجائزة من الأساس، بل إن دار نشر الرواية «مؤسسة غايا» هى من فعلت ذلك، متسائلًا: «هل الكاتب لا يصير كاتبًا إلا بجائزة؟!»، قبل أن يجيب عن نفسه: «يبدو أن الحال هكذا فى الوسط الأدبى الآن».

عن هذه النظرة إلى الجوائز، وسر وصف فوزه بمثل هذه الجائزة العريقة من معرض القاهرة الدولى للكتاب، والفكرة التى تدور حولها روايته الفائزة، ورؤيته للمشهد الثقافى الراهن عمومًا، يدور حوار «حرف» التالى مع الكاتب محسن يونس.

■ «أن تأتى متأخرًا أفضل من ألا تأتى».. هل تنطبق هذه المقولة مع حصولك على جائزة «أفضل رواية» فى الدورة المنقضية من معرض القاهرة الدولى للكتاب؟

- فى الظاهر يبدو أنها تصف حالة عدم حصول كتاباتى على جوائز أدبية بالفعل. العجيب أننى حصلت على الجائزة الأولى فى القصة القصيرة فى بداياتى، عام ١٩٧٢، ومن لجنة حكام تضم أسماء مثل إدوارد الخراط وجميل عطية إبراهيم، وكلاهما قيمة وقامة، فى مسابقة وزارة الثقافة/ الثقافة الجماهيرية، وكانت أيامها «لها شنة ورنة».

فى مرة أخرى، وآسف لعدم تذكرى الجهة المنظمة، فزت بـ٣ جوائز فى مسابقة واحدة، المركز الأول والثانى والرابع، ثم تغيرت الحال من جانبى، وليس من جانب الجوائز، فظاهريًا يبدو أننى لا أفوز، بينما الحقيقة أننى لا أتقدم للحصول على الجوائز إلا نادرًا وبإلحاح شديد من جانب الأصدقاء.

كما قال أحد الكتاب النقاد: «يبدو أن الجوائز غادرت محسن يونس أو غادرها هو». صحيح أن العبارة آلمتنى كثيرًا، وتساءلت عندها: «هل الكاتب لا يصير كاتبًا إلا بجائزة؟!»، لكن يبدو أن الحال هكذا بالفعل فى الوسط الأدبى الآن، فأنت كاتب مرموق إذا حصلت على جائزة.

لكن هل الجوائز بيضاء كالحليب؟ أقصد هل تُمنح بشفافية، ومن أجل أن الكاتب أضاف بعمله الفائز ابتكارًا جديدًا على مستوى المحتوى والشكل؟ لا أريد أن أبدو كأننى شكاء بكاء أمام الناس، لكننى ضد طريقة التقدم للجوائز بهذه الآلية المعمول بها فى صنوفها كافة.

مثلًا هم يطلبون من المُتقدِم أن يوافيهم بكم من النسخ، وأشياء أخرى، فهل وضعنا نسخًا فى إدارة المطبوعات للحصول على رقم إيداع يعتبر إجراءً شكليًا؟ ما فائدة تشكيلات اللجان فى المجلس الأعلى للثقافة إذن؟ على أعضاء هذه اللجان قراءة ما تخرجه المطابع، وتكوين رأى خلال العام، وعرض النتائج على الأعضاء لاختيار من يُمنَح الجائزة. هذه فكرتى عن الجوائز، حسمًا لما نسمعه ونراه من تغليب عوامل أخرى خارج موضوعية الاختيار.

جائزة معرض الكتاب من تقدم لها هى «مؤسسة غايا» التى طبعت ونشرت الرواية، ولم أكن أعلم بذلك، لذا صادف الفوز فرحة، لأنه يتسق مع موقفى سالف الذكر، ومع عدم انشغالى بما يبعدنى عن حالة الكتابة، فأنا لا أحب أى شىء يبعدنى عن أن أكون مهمومًا بمشروعى الذى أفكر فيه ليلًا ونهارًا.

■ قلت إن حصولك على الجائزة كان «نصف فرحة».. لماذا؟

- أخاف أن أُضبط بفرحى فى ظل الحالة العامة، وما يجرى حولنا من أحداث محيطة لا يخفى تأثيرها على بلدنا. لا أبالغ فى ذلك، وليس شرطًا أن «أزيط مع الزائطين»، أو أن أدبج منشورات الرفض والإدانة على «فيسبوك»، لا أحب هذا، لا أحب أن تسبق انفعالاتى النتائج، أو طرح رؤية حول ما يحدث من حولنا، ويمر الزمن ليثبت فشل وعوار هذه الرؤية، فالتسرع من جانب الكاتب لا يعقب إلا فشلًا، وعيب علينا ككُتاب أن نقع فى ذلك.

■ وماذا عن قولك: «حصولى على الجائزة يثبت قابليتنا للتنوع»؟

- أقصد قبول وسطنا الأدبى نوعية ما أكتب، وهو فى العادة لا يُشبه الوصفة التى تروج الآن على مستوى الشكل والمحتوى من كتابات. لا أبالغ إن قلت إننى أذهب بعيدًا محاولًا إبداع الشكل والمضمون الخاص بى وحدى، دون تقليد أو خضوع لموجة ما، حتى ولو كانت مسيطرة، ولها الصوت والوجود.

أحاول كذلك البُعد عن الكتابة التى تدور فى فلك البطل الفرد فى تهاويمه وانكساراته وعاهاته، إلى الكتابة المعبرة عن روح الجماعة، ومن ثم المجتمع ككل، فى فترة زمنية محددة يمكنها أن تحمل روح المطلق والعمومية.

ربما منحتنى الجائزة اعترافًا بقيمة ما حاولت باختصار بيانه من خصوصية لكتاباتى، فإذا كان هذا صحيحًا، فهو يثبت قبول الوسط الأدبى التنوع الإبداعى، وعدم اعتماده نوعًا معينًا من الكتابات فى الاهتمام والجوائز.

■ سبق «جزيرة هرموش» إصدارك رواية «منطق الزهر».. ما فكرتها الأساسية؟

- فى «منطق الزهر»، كانت الثروة مجرد حلم يعمل أب وأبناؤه على تحقيقه، من خلال الوهم بالعثور على كنز أو حقيبة ممتلئة بالدولارات، لأن الدولار يمكن فكه بالعملة المصرية بأضعاف عدده، أو حتى بالسعى خلف تلك البرامج التى يقدمها التليفزيون ويحصل فيها المشترك على جائزة مالية ضخمة، قد تصل إلى مليون دولار. هكذا كانت تلك العائلة ترى الثراء عبر تلك النافذة الضيقة، وكان الوهم والتمنى هما العاملان الرئيسيان فى دفعها لتغذية حلمها الدائم بالغنى والثراء، بشكل يفجر المواقف الساخرة والمضحكة.

■ وماذا عن «جزيرة هرموش» الفائزة بجائزة معرض الكتاب؟

- فى «جزيرة هرموش»، الثروة ليست حلمًا تدفعه الأمنيات والأوهام، بل موجودة بالفعل على جزيرة، كان أحد أبطال الرواية يزورها، خاصة فى أيام شم النسيم، ليقضى يومًا فى فسحة ومرح، حتى يعثر فى إحدى المرات على مساحة رملية هناك زاخرة بقطع الذهب فى أحجامها المختلفة، سهل الحصول عليها، بمجرد تقليبك فى الرمال تعثر على مبتغاك.

بعد عثوره على هذه الثروة، وإشراكه زميلًا له فى السر، وبين الإقدام والإحجام، يقرران أخيرًا أن يجمعا قطع الذهب، إلا أن الاثنين صارا ٥، منهم زوجة من عثر أولًا على مكان الذهب، وهو «هرموش»، والـ٥ صاروا ٧، تأكيدًا لإثبات أن السر لا يمكن أن يكون سرًا فى حياة البشر الذين يملكون لسانًا من خلاله تفض الأسرار، مع عوامل أخرى أهمها السعى نحو الغنى والثروة كطبيعة أصيلة لدى البشر.

حينما يصعدون الجزيرة فى قارب مؤجر، يذهبون إلى قطعة الأرض، بعد خلو الجزيرة من الزائرين، ويبدأون فى جمع قطع الذهب التى لا تنتهى، كلما أخدوا وجدوا غيرها، يقعون فى شهوة التملك، فينسون الاكتفاء بما جمعوا، رغم أنه يجعل من كل منهم ثريًا، ويظلون يجمعون ويجمعون، والزوجة هى الوحيدة التى كانت تذكرهم دائمًا، وتذكيرها يسبب ضيقًا لهم، لأنها تنزعهم من حلم الزيادة، ثم يبدأ كل واحد منهم يقول لنفسه: «لماذا أقتسم الذهب الذى جمعناه»، ويمنى النفس بأن يكون الذهب له وحده، فيأتى القتل لإزاحة الشركاء، والزوجة هى الضحية الأولى، لإسكات صوت العودة إلى مدينتهم وممارسة حياتهم الطبيعية.

هذه الأحداث هى الفصل الأول من الرواية.

■ ما الذى يحدث فى الفصول التالية؟

- فى الفصل الثانى، يظهر آخرون أقوى من جماعتهم، يحاولون الاستيلاء على الذهب الذى جُمع من قبل، بل وجعل الـ٦ عبيدًا فى استخراج الذهب لصالح من تغلب عليهم، وهكذا عبر امتداد الفصل، ثم يأتى الفصل الثالث ليقول لنا إن كل ما حدث لم يحدث، وأنه كان مكيدة من زميل لهم يعمل بنفس مكتب الشهر العقارى، وقد تخيل هذه الأحداث ونشرها على مواقع الشبكة العنكبوتية، إمعانًا منه فى السخرية.

ومع ذلك، يقول أحدهم هذا القول: «تقبع حقيقة ما داخل الكذبة»، ما يجعلهم يشترون قاربًا يملؤنه بالمؤن وعلب الطعام المحفوظ، ويبدأون الإبحار فى بحر مدينتهم للعثور على هذه الجزيرة، وعندما يعثرون عليها يجدون مساحة منها تعج بقطع الذهب التى لا تنتهى، وكلما أخذوا منها زادت، ويعاودون نفس ما قيل عن شهوة التملك، ونسيان فضيلة الاكتفاء، ويقودهم هذا إلى العداء والأنانية والقتل.

■ فى تصريح سابق لـ«الدستور» قلت إن مجرد حديثك عن فكرة «جزيرة هرموش» يرتعد له جسدك.. لماذا؟

- يرجع هذا إلى الاستلاب على مستوى الجسد والروح، الذى يسببه تسلط فكرة أو رغبة ما على الإنسان، ودفعه فى سبيل تحقيقها إلى العماء الكامل عن الدين والقانون وكل القيم التى حصلها عبر تاريخه، مع تجاوزه لكل حاجز، ووصوله إلى ارتكاب أبشع الجرائم وهو القتل.

نجد فى الرواية مثلًا «سلامة هرموش» يسكت عن قرار مَن معه من الرجال بقتل زوجته، مع العلم أنها هى التى كانت تقوم على طبخ طعامهم وغسيل ملابسهم. أيصل الأمر إلى هذا الحد من الجنون فى الفعل؟! ألا يكون هذا سببًا قويًا لارتعاد جسدى حينما أتذكر الوقائع التى جرت على الجزيرة؟!

■ هل يمكن اعتبار بُعدك عن مركزية القاهرة وراء حجب الجوائز عنك طوال هذا العمر؟

- هذا كان يمكن فى الزمن الماضى، حينما لم تكن هناك وسائل التكنولوجيا الحالية. كنا نأخذ ٤ أو ٥ ورقات، ونسافر بالقطار أو الأتوبيس إلى القاهرة، لضمان تسليم نص القصة المكتوبة فى هذه الورقات لمن ينشرها. أما الآن فيمكنك أن تفعل ذلك بكل سهولة وفى ثوانِ وأنت فى منزلك. فكم من كُتب نُشرِت عبر هذا السحر التكنولوجى، ولعل حصولى على جائزة الرواية فى معرض الكتاب هذا العام خير دليل على صواب ما أقوله.

■ رغم كل الزخم على مستوى الإنتاج الإبداعى الآن لا نجد أعمالًا مؤثرة كما الماضى.. ما تفسيرك؟

- بجانب تقريب المسافات، فعلت الثورة التكنولوجية الأمر ذاته فى الكتابة، فتجرأ عليها كل من يجد فى نفسه الرغبة فى الكتابة، دون قراءة ومعرفة أصولها، وقبل ذلك معرفة الحياة، وكيف تقوم على الصراع بمعناه الواسع والشامل، فالكتابة فى المحل الأول خبرة، ومن لا يملكها سيقدم كتابة خالية من المعرفة.

■ تتنوع أعمالك بين الرواية والقصة.. أيهما الأقرب إليك؟ ولماذا تسود الرواية الآن؟

- الرواية شكل نبيل يعطى كاتبه الفرصة لتغيير المسار جزئيًا أو كليًا فى بعض الأحيان، أثناء الكتابة. مثلًا، أنا عندما كتبت رواية «حرامى الحلة» رأيت أنها صغيرة الحجم، وأننى لا أستطيع إضافة أى شىء إليها، فتركتها وانشغلت بكتابات أخرى معظمها مُوجَه للصغار، وهذا ألجأ إليه دائمًا، ويفعل معى الأعاجيب، أقصد الكتابة للأطفال، فهى تعالج نفسى وذاكرتى فترة، ثم أعود إلى الكتابة الموجَهة للكبار.

مرت سنة كاملة، حتى جاء يوم فتحت الكمبيوتر، فرأيت المجلد الذى به رواية «حرامى الحلة» ففتحته على الرواية، وفجأة تتنزل على شخصية «طنيب النينو»، الحرامى «القرارى» الذى جعلنى أعيد كتابة الرواية من جديد وكلى حماس، لأن وجوده كان مهمًا جدًا ويضيف أبعادًا تحتاجها القصة.

أقصد هنا نُبل الشكل وليست سهولته، فالكتابة ليست عملًا سهلًا ولا مجانيًا.

أعتقد أن الرواية الأقرب إلى، خاصة مع الكبر فى السن، فهى من وجهة نظرى كِتابة كبار السن، كتابة الصبر والبال الطويل، وهما ليسا من طباع الشباب فى الغالب، لذلك تأتى أعمالهم نتاج هذه الطباع غير الصابرة والملولة، التى تريد تحقيق كل شىء فى شهيق وزفير واحد.

■ إلى أى مدى أثرت الجوائز الأدبية فى ذائقة المتلقى واتجاهات المبدعين؟

- المتلقى يرى ويسمع ويعيش تحت سيطرة الدعاية، التى تؤثر على اتجاهاته فى الأكل والشرب والملبس، وأشياء أخرى مهمة فى حياته، ومن ضمنها القراءة واقتناء الكتب، والكتابة أيضًا.

■ هل تعانى الساحة الثقافية من أزمة نقد؟

طبعًا تعانى وبشدة.

■ ما جديد محسن يونس فيما هو قادم؟

- رواية تتحدث عن تأثير الدعاية والإعلان فى الإنسان وتوجهاته.

■ ما رأيك فى ظاهرة الروايات المكتوبة بـ«الذكاء الاصطناعى»؟

- لا معنى لها، لأنها ليس بها النفس الإنسانى، الذى صنع- ويا للعجب- هذا «الذكاء الاصطناعى». وكلمة «الاصطناعى» هنا تفسر كل ما أريد قوله. يمكن لهذه التقنيات إزاحة الإبداع البشرى، فقط عندما يكون الإنسان مختلفًا، يشبه بعض الكائنات التى نراها فيما تسمى «أفلام الخيال العلمى»، إنسان يعتمد على الآلة فى كل شىء، رأس كبير وأرجل صغيرة لا تستطيع حمله، لذا يلجأ إلى الآلات التى تزرع وتحصد، وتساعده فى تناول طعامه، ودخوله الحمام. يا لها من لحظة بائسة! على الأقل بالنسبة لى.