أنا بنت.. ناهد السيد: أعمل على سلسلة «أنا ولد» حول الثقافة الجنسية للفتيان

- التربية الجنسية فى المدارس مفتاح القضاء على التحرش والاغتصاب والطلاق
- الرواية الجزء الأول من سلسلة ممتدة عن عالم الفتيات الكبير والعميق
- نحتاج لتدريب مدرسى «العلوم» على كيفية تثقيف الطلاب من الناحية الجنسية
- البلوغ والعادة السرية وراء هجوم بعض الأمهات على رواية «أنا بنت»
- «ركنت» الرواية من 2007 بعد طلب الناشر تغييرًا جذريًا فى محتواها
بعد أيام من طرح روايتها «أنا بنت» فى الدورة المنقضية من معرض القاهرة الدولى للكتاب، تعرضت الكاتبة ناهد السيد إلى هجوم من بعض الأمهات بل والآباء، فى ظل ما أثاره العمل من جدل، نظرًا لاقتحامها منطقة تكاد تكون محرمة فى المجتمعات العربية، ألا وهى الثقافة الجنسية.
فالرواية التى تدور حول حياة فتاة تدعى «فريدة»، تتناول مشاعر الفتاة أثناء مرحلة البلوغ، بكل ما تعانيه فيها من تخبط وخوف من التغيير ومن نظرة المجتمع لتغيراتها الجسدية وتقلباتها المزاجية، إلى جانب الاستفاضة العلمية والطبية فى شرح الدورة الشهرية، فضلًا عن تناول مشكلة «العادة السرية»، التى هى بشكل أو بآخر إحدى درجات البلوغ وتطور فسيولوجى لا يمكن تجاهله.
عن هذه الرواية وكل ما أثارته من جدل، والقضايا التى تناولتها وأثارت غضب بعض الأمهات، يدور حوار «حرف» التالى مع الكاتبة الصحفية والروائية والشاعرة ناهد السيد، التى ترى فى التربية الجنسية المفتاح السرى لحل أزمات مجتمعية معقدة مثل التحرش والاغتصاب الجنسى والطلاق.

■ لماذا تحفظت بعض الأمهات على روايتك «أنا بنت»؟
- صدرت روايتى لليافعين بعنوان «أنا بنت» مؤخرًا عن دار «أرجوحة» للنشر، وجرى تداولها بصورة كبيرة من الأمهات، فى الدورة المنقضية من معرض القاهرة الدولى للكتاب، خاصة فى ظل ما تحمله من غلاف جذاب، إلى جانب رسوم خفيفة الظل للفنان خالد عبدالعزيز.
بعد فترة من طرح الرواية وتحقيقها مبيعات جيدة، فوجئت بغلافها ينتشر على «السوشيال ميديا»، مع بعض الانتقادات تصفها بأنها «جريئة وتتناول مرحلة حساسة فى حياة البنات». فى المقابل، البعض الآخر كان سعيدًا بالرواية، واعتبر إياها من أهم الكتب للفتيات فى عمر البلوغ، خاصة فى الفترة الحالية التى تشهد انفتاحًا غير مقنن على العالم ومدخلاته السلبية فى حياة أولادنا وأطفالنا.
لذلك أعتبر أن هذه الرواية لها فضل فى تحريك المياه الراكدة لقضية شائكة مثل الثقافة الجنسية، وهى القضية التى نتجنب الاقتراب منها ونتجاهلها، فى حين لو دققنا النظر جيدًا سنجدها أحد أهم الأسباب لجميع المشاكل المجتمعية المتعلقة بالأخلاق والسلوكيات المنبوذة من المجتمع، مثل التحرش والاغتصاب، فضلًا عن دورها فى انتشار الطلاق والتفكك الأسرى، إلى جانب الأمراض النفسية التى تدفع إلى الاكتئاب والانتحار فى سن مبكرة.

■ ما القضايا التى طرحتها الرواية وأثارت حفيظة البعض؟
- تناولت رواية «أنا بنت» مشاعر الفتاة أثناء البلوغ، من خلال كتابة مذكراتها فى هذه الفترة، بكل ما تعانيه فيها من تخبط وخوف من التغيير ومن نظرة المجتمع لتغيراتها الجسدية وتقلباتها المزاجية، وكشفت عما يجول فى رأسها من أفكار لا تستطيع أن تعلنها لمجتمعها وأسرتها.
تعمدت فى الكتابة خلق محيط للفتاة بطلة الرواية على قدر من الوعى الذى يسمح بتأسيس صحى وسوى للبنات، بداية من اللجوء إلى أمها التى تمليها إجابات أسئلتها المحرجة من خلال قصص لا تنسى مثل: من أين نأتى يا أمى؟ كيف يتم الزواج؟ وعندما بدأت مشاعرها تتغير ويطفح الخجل على علاقتها بالأم، لجأت إلى خالتها، ثم ابنة خالتها الطبيبة، لكى أشجع الفتيات على التقرب من أسرهن، بدلًا من الحصول على إجابات من الإنترنت أو عبر صديقات أو أى مصدر آخر قد يدس لها السم فى العسل ويمنحها إجابات مغلوطة.
والذى أثار حفيظة الأمهات جانبان فى الرواية، وأظن أنهما من أهم الموضوعات التى يجب الاهتمام بها، وهما: تناول مشاعر البلوغ، والاستفاضة العلمية والطبية فى شرح الدورة الشهرية، فضلًا عن تناول مشكلة «العادة السرية»، التى هى بشكل أو بآخر إحدى درجات البلوغ وتطور فسيولوجى لا يمكن تجاهله.
طرحت هذه المشكلة فى الرواية من خلال قراءة الفتاة عنها فى كتاب بمكتبة والدها، قبل أن تتراجع عنها بفضل تذكرها لكلمة جدتها: «ما لا نستطيع فعله فى العلن وإخبار الناس به فهو إما عيب أو حرام». وهكذا كانت الفتاة واقعة فى أسرة سوية تلقنها الأخلاق والسلوكيات بهدوء، وليس عن طريق التعنيف ورفع شعار: «لا» دون مبرر.
الأمر الآخر الذى أثار حفيظة القليل هو ذكر مشاعر البنت تجاه الجنس الآخر، والذى أرى أنه أمر بديهى لا يمكن تجنبه، وأساس العديد من المشكلات الاجتماعية، حين نعلم البنات أن العلاقة مع الجنس الآخر خطر دون أى مبرر، رغم أنها من المفترض أن تكون أمرًا طبيعيًا، لكن مع تعليم الفتاة كيفية وضع حدودها الخاصة، وتمسكها الشديد بألا يتعدى أحد هذه الحدود.
وفى هذا السياق، تطرقت فى الرواية إلى تعدى رجل غريب على الفتاة، من خلال تقبيلها دون إرادتها، ولما خافت أن تصرح لأمها بما حدث، روته دون خوف لخالتها، التى لم تعنفها أو تجور عليها، بل ذكرت لها قصة جميلة عن ضرورة أن تصنع لنفسها حدودًا بينها وبين أى شخص، خاصة الجنس الآخر، وأيًا كان عمر هذا الشخص.
■ كيف ومتى جاءتك فكرة الرواية؟
- فكرة الرواية موجودة منذ عام ٢٠٠٧، وحينها تقدمت بها إلى دار نشر كبرى، كانت مرحبة كل الترحيب بها، ثم طلبت إجراء تغيير جذرى فى محتواها، وحذف العديد من الفقرات التى تخل بالمعنى، أو إبقائه مع جعله مواربًا، بداعى أن الدول العربية لن تسمح بتوزيع الرواية لديها فى صورتها الأولى، فرفضت ذلك تمامًا، وركنت الرواية فى الدرج، حتى كتبت فى إحدى المرات عن الثقافة الجنسية، وذكرت ما حدث لروايتى هذه، فتلقيت ترحابًا بها من الدكتور محمد فتحى فى دار «أرجوحة»، لتظهر بعدها إلى النور برسوم خفيفة الظل ومبهجة أضافت إليها لمسة جميلة بريشة الفنان خالد عبدالعزيز.
■ وماذا عن شخصيات الرواية؟
- الشخصية الرئيسية فى الرواية هى الفتاة نفسها «فريدة»، وأمها التى تفتحت عيناها لتجدها خير سند لها، ثم أبوها الذى دفعها وحمسها للكتابة والقراءة، وخالتها التى تستقى منها إجابات إذا خجلت من أمها، وابنة خالتها الطبيبة التى مثلت لها قدوة، حتى فى علاقتها بالجنس الآخر، وجاء على لسانها أى مادة علمية تضمنتها الرواية، وأصدقائها، الشخصيات الثانوية التى يشير كل منهم إلى طبيعة تخبطه بشكل مختلف، مع بقائها هى متزنة بفضل أسرتها، وأخيرًا الجدة التى يأتى على لسانها كلام الحكمة والعيب والحرام.
■ تذهب بعض الآراء إلى أن تناولك فترة المراهقة كان جريئًا بصورة كبيرة.. ما رأيك؟
- أى كتابة فى هذه القضايا ستصنف على أنها جريئة، لأننا مجتمع نخشى الخوض فى إشكاليات التربية الجنسية، فى حين أنها من أهم القضايا التى يجب إدراجها فى المناهج التعليمية. بل إننى أنادى من خلال روايتى هذه إلى إقامة دورة لمعلمى مادة «العلوم» لتدريبهم على كيفية تناول هذه القضية بسلاسة وبساطة، ثم عقد ندوات إجبارية فى المدارس للطلاب فى مرحلة ما بين ١٠ و١٤ سنة، إذا أردنا حقًا القضاء على ظواهر مثل التحرش والاغتصاب، وكل المشاكل النفسية التى تعيق وجود حياة أسرية سليمة، وتؤدى إلى الطلاق والتفكك الأسرى وأمراض أخرى غير طبيعية. وأؤكد هنا أن كل ما جاء فى الرواية تتداوله الكتب العلمية، ولولا أنها رواية وليست كتابًا علميًا لكنت خصصت فهرسًا للمصادر، يمكن من خلاله إبراز ما أخذته منى من جهد مضاعف لكى تخرج بشكل أدبى مُطعَم بالمواد العلمية والنفسية التى تدعم مشاعر الفتيات فى هذه المرحلة الخطرة.

■ هل هناك قضايا أخرى أردتِ تسليط الضوء عليها ولم تتضمنها الرواية لأى سبب كان؟
- ما زالت الكتابة مستمرة، فهذه الرواية عبارة عن سلسلة، وهذا هو الجزء الأول منها، فعالم الفتيات كبير وعميق، تسللت إليه من خلال خبرتى مع فتياتى، وما مررت أنًا به أيضًا كفتاة، لكى أؤكد أن مشاعر حواء فى مرحلة البلوغ واحدة فى كل عصر، وما يختلف هو نظرة المجتمع إليها، ومدى الوعى الأسرى المحيط بالفتاة، لأنه أحد العوامل الجوهرية المؤثرة فى مرحلة تشكيل البنت وإعدادها كأم فى المستقبل مسئولة عن تنشئة أطفال ذكور وبنات بشكل صحى للمجتمع.
■ إلى أى مدى قد يتأثر أدب الطفل بالتقدم التكنولوجى السريع حاليًا؟
- التأثير السلبى أو الإيجابى للتقدم التكنولوجى يتوقف على مدى انغماس الطفل فى تقنياته، ومدى وعى الأسرة بآليات تعامله مع هذه التقنيات، وفى كل الأحوال، أصبح التطور التكنولوجى عنصرًا أساسيًا فى ثقافة الطفل، ويظهر أثر ذلك فى انتشار وتداول والكتب عبر منصات وتطبيقات إلكترونية خاصة بأدب الصغار، لتتمكن دور النشر من سد فجوة واسعة بمحتوى متقن ومدقق للطفل العربى، حفاظًا عليه من مثيرات غير أخلاقية وسلوكيات تخالف مجتمعاتنا. لا توجد دار نشر الآن إلا وتقدم محتوى إلكترونيًا، بما فيها المؤسسات الحكومية، مثل المركز القومى لثقافة الطفل، الذى أطلق مؤخرًا تطبيق «اسأل تحوت» للطفل.
■ بين الشعر والرواية وأدب الطفل.. أين تجد ناهد السيد نفسها أكثر؟
- أزعم أنى امتلك أدوات شعر العامية جيدًا، وهو أول صورة أدبية تفتحت عيناى عليها، قبل أن يأخذنى أدب الطفل كثيرًا بحكم طبيعتى التى تميل إلى الطفولة، فأنا أشعر بأننى طفلة لم تكبر بعد، وأتعامل مع البشر وفقًا لطبيعة وصفات هذه الطفلة. كما أننى أعشق الخوض فى التفاصيل الدقيقة والعبث بها، واكتشاف الأسرار، وأمتلك خيالًا ومخيلة، وكلها أدوات فطرية ولدت معى وساعدتنى فى الكتابة للأطفال، فضلًا عن عالمى الصحفى، الذى يدفعنى لتقصى الحقائق وجمع المعلومات من مصادر موثوقة، إلى جانب كثرة الكتابة التى ساعدتنى فى التدقيق اللغوى والاختصار والكتابة المكثفة.
■ هل هناك طقوس معينة تتبعينها أثناء الكتابة؟
- أكتب بقلم فى كراسة، لا أجيد الكتابة المباشرة على الحاسوب، أعشق صب أفكارى و«الشخبطة» على الورق أولًا، ما يتيح لى فرص الحذف والإضافة والتنقل بين الفقرات وتصعيد أحداث. من خلال الورق أستطيع رؤية الرواية أو القصة من منظور فوقى، وتحديد مصير الكتابة، وتسلسل الأحداث بشكل منطقى ومختلف. وأنا لا ألجأ إلى الكتابة إلا بعد دهس الفكرة عدة مرات، ولا ألقى بها بعيدًا أبدًا، لأننى أعتبرها ابنتى، لذا تظل عالقة فى ذهنى حتى يأتى وقت طرحها بصورة أفضل.
■ ما أهم الكتب والمؤلفين الذين أثروا فيكِ ككاتبة؟
- صلاح جاهين وفؤاد حداد وعبدالرحمن الأبنودى فى الشعر، إلى جانب تشارلز سيميك وسيلفيا بلاث وفرناندو بيسوا. وفى الكتابة، المعلم جبران خليل جبران، علاوة على ميخائيل نعيمة وجوجول وإيتاليو كالفينو وصمويل بيكيت، والمعلم الكبير عاشق التفاصيل والنظرة العميقة، يوسف إدريس، وخفيف الظل الذى اكتشفته مؤخرًا، توفيق الحكيم، وكذلك عزيز نيسين ورضوى عاشور.
■ كيف تقيمين أدب الطفل على خريطة المشهد الثقافى الآن؟
- أدب الطفل يسير وفق مخطط مدروس نحو التطور، وشهد طفرة ملحوظة فى الآونة الأخيرة، بالتوازى مع المحتوى الإلكترونى الخطير الموجه إليه. كما صنعت المسابقات الأدبية حراكًا مهمًا، بالتزامن مع انتشار ورش تدريب على الكتابة، ونجاح دور النشر فى تغطية العديد من الموضوعات المهمة للطفل.
■ أخيرًا.. ما الجديد الذى تعملين عليه حاليًا؟
- فى الدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولى للكتاب قدمت أعمالًا تعد بمثابة نموذج لكيفية إدراج المواد العلمية والمعلومات فى الشكل الأدبى الروائى، مثل رواية «الواك واك»، التى تتناول الطبيعة والكائنات بمضمون أدبى روائى محبب لهذه الفئة العمرية، وأنادى من خلالها إلى إدراج أدب الطفل فى المناهج، لتحسين لغة الأطفال، وتدريس المعلومات عن طريق القصص والروايات. وأعمل حاليًا على سلسلة «أنا ولد»، التى تدور حول الثقافة الجنسية للأولاد، بنفس الشكل الروائى الذى قدمت به «أنا بنت»، لأن أخلاق الأولاد لا تقل أهمية عن البنات، خاصة فى مجتمع تعوّد على تحميل المسئولية على البنات فقط، فى حين أن الأولاد يمكن أن يمثلوا خطرًا على المجتمع، إذا لم تتم تربيتهم بشكل جيد، على أن تصدر أيضًا من خلال دار «أرجوحة» للنشر.
■ ما نصيحتكِ للفتيات اللائى يحلمن بدخول عالم الكتابة؟
- القراءة ثم القراءة ثم القراءة، يليها التدريب على الكتابة، وعدم الاستعجال فى نشر أعمال كتابية فى البدايات، لأن المراحل التى تأتى بعد الكتابة المبدئية هى الأخطر، ومن خلالها يتم الحكم على القصة أو الرواية. لا بد أيضًا من الاختزال والاختصار والتكثيف والتدقيق، واختيار بدائل للمفردات تحترم عقلية المرحلة العمرية التى يوجه لها الكتاب، وهذه التنقيحات هى التى تبرز كاتبًا عن غيره، مدى اهتمامه بالمفردات والعبارات، والوصف المتعمق للشخصيات والأماكن، وليس الوصف السطحى المتداول بين العامة، وهذا ما تصنعه القراءة.