الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

فى دايرة الرحلة.. محمد طه: أتوقع علاج المرضى النفسيين فى الأحلام على طريقة فيلم «Inception» قريبًا

محمد طه
محمد طه

- شرائح عمرية متنوعة تقرأ لى.. وألتقى قراء أعمارهم 12 عامًا

- الموسيقى توسع الإدراك وتفتح الوعى.. والأغنية تغير مزاجك فى لحظة

- الكتاب الذى تعثر عليه بالصدفة قد يكون وسيلتك للخروج من الأزمة

- الحب يتغير كل يوم حتى لو كان مع نفس الشخص

اشتهر الدكتور محمد طه، المعالج النفسى، بكتبه التى تغوص فى أعماق النفس البشرية، وبدأ مسيرته الأدبية بكتب تتناول العلاقات الإنسانية مثل «الخروج عن النص» و«علاقات خطرة»، قبل أن يصدر كتابه الأخير «فى دايرة الرحلة»، الذى يقدم رؤية شاملة عن الحب والأحلام والحياة. 

ويتميز أسلوب الدكتور محمد طه بالبساطة والعمق فى آنٍ واحد، مع اعتماده على العامية المعاصرة لتسهيل التواصل مع القارئ، والاستعانة بالأمثلة والحكايات التى تجعل النص أقرب إلى حكاية تُروى. 

كما يحرص على مخاطبة القارئ مباشرة، وكأنه يتحدث إليه وجهًا لوجه، طارحًا الأسئلة التى قد تدور فى ذهن القارئ ليجيب عليها بسلاسة، ما يخلق حوارًا تفاعليًا يجذب القراء ويجعل كتبه من الأكثر مبيعًا، وهو ما حدث فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الأخيرة. 

خلال حواره التالى مع «حرف»، نتعرف على جانب من رؤية الدكتور محمد طه، وأفكاره التى جعلته أحد أبرز الأصوات المؤثرة فى مجال التنمية البشرية وعلم النفس.

■ بداية.. تستخدم لغة خاصة بك لا هى فصحى ولا عامية كأنك تتحدث لكل شخص فى أذنه.. كيف ترى هذا؟

- الحقيقة أنا قصدت هذا فعليًا، من ناحية أنا أرى أن هذه هى لهجة مصرية حديثة، وليست عامية، وهى الطريقة التى نتحدث بها، وهى الطريقة التى أمارس بها عملى، وأنا أحب أن يقرأ القارئ لى كأنه جالس بجانبى كما يحدث فى جلسات الاستشارة النفسية فى جلسات العلاج النفسى.

والحقيقة أن القراء يتفاعلون مع هذه الطريقة ويحبونها، وردود أفعالهم تؤكد أنها طريقة فعالة جدًا. 

أنا أرى أن هذا الأسلوب فى الكتابة يساعد على توصيل الرسالة بشكل أسهل وأكثر تأثيرًا، كما أنه يلامس مشاعر القارئ بشكل طبيعى وتلقائى، وفى الواقع، كثير من ردود الأفعال التى أتلقاها تشير إلى أن القراء يشعرون وكأننى أحاورهم مباشرة، وهذا ما يجعل التواصل أكثر قربًا. 

من خلال تجربتى، لاحظت أن استخدام هذه الطريقة ساهم بشكل كبير فى انتشار كتبى، ويرجع ذلك أساسًا إلى بساطة اللغة التى أعتمدها. ففى كثير من الأحيان، تكون المصطلحات العلمية معقدة وثقيلة، وإذا تمت صياغتها بالفصحى، قد تصبح صعبة الفهم على القارئ العادى. لذلك، فإن تقديمها بهذا الشكل البسيط والمباشر يجعلها أقرب إلى القارئ، ويسهل وصولها إليه بشكل سريع ومباشر.

■ تتخيل فى كتابك قارئًا ضمنيًا يتوجه إليك بالسؤال وتتوجه إليه بالإجابة.. هل هذه التقنية تجعلك تصل إلى الشرح الأمثل؟

- أنا أعمل محاضرًا فى الجامعة، وأقوم أيضًا بإجراء جلسات علاج نفسى، وفى كلتا الحالتين يكون الحوار حاضرًا بشكل دائم. 

أثناء شرح المحاضرات، هناك دائمًا من يطرح الأسئلة وأنا أجيب عليها، وفى جلسات العلاج النفسى، الحوار هو الأساس. هذه الخبرة جعلتنى أتبنى أسلوبًا مشابهًا فى الكتابة، حيث أتوقع أسئلة القارئ وأجيب عليها كما لو كانت حوارًا مباشرًا بيننا. 

أحاول دائمًا أن أضع نفسى مكان القارئ، وأتساءل: ما الذى قد يدور فى ذهنه؟ وما النقاط التى قد تحتاج إلى توضيح؟ لذلك، أراعى فى تنسيق الكتاب أن أترك مساحة للقارئ للتفكير، مثل ترك سطر أو سطرين فارغين بين الفقرات، لأننى أعرف أن هناك لحظات يحتاج فيها القارئ إلى التوقف لالتقاط أنفاسه أو للتفكير قبل الانتقال إلى المقطع التالى. 

كما أراعى الكلمات التى تظهر فى نهاية الصفحة، فأحيانًا أغيرها أو أنقلها إلى الصفحة التالية، أو أتركها لتثير تساؤلًا لدى القارئ، ثم أجيب عليه فى الصفحة التالية. 

وأحرص على أن تكون القراءة تجربة تفاعلية، وكأننى أقرأ مع القارئ وأتفاعل معه. هذه العملية من الحوار والديالوج، ووضع نفسى مكان القارئ، هى ما يجعل الكتب أكثر قربًا وتأثيرًا.

■ الكتاب يتطرق لأمور حياتية كثيرة مثل العلاقات والحب والجنس والأحلام.. ما الغرض من وراء ذلك؟

- فى الحقيقة هذه هى طبيعة الكتب التى أكتبها، لأنها جاءت من خبرات ليست فقط عبارة عن دراسات وأبحاث، ولكنها خبرات حياتية وإكلينيكية أيضًا فى عملى الذى أستمع فيه للعديد من الحكايات، هذا منبع ومصدر ما أكتبه، طبيعة عملى تجعلنى فى هذه الدائرة، أسمع لأشياء كثيرة جدًا فى العلاقات وفى الحب وفى الجنس وفى الأحلام، والطب النفسى مرتبط ارتباطًا شديدًا بالأحلام، وهى مصدر غنى جدًا للمعرفة.

ولكننى فى كتبى السابقة ركزت كثيرًا على العلاقات، لذلك قررت فى هذا الكتاب أن أتعمق قليلًا داخل النفس البشرية، وأتحدث أكثر عن الأحلام ومستويات الوعى، وحتى حينما تحدثت عن العلاقات فى هذا الكتاب تحدثت بشكل أعمق، لذلك سعدت بآراء القراء الذين قالوا إننا فى الكتاب الأول «الخروج على النص» كنا فى الابتدائية، والثانى «علاقات خطرة» فى الإعدادية، وهذا الكتاب «فى دايرة الرحلة» كأنهم فى دراسات عليا.

■ ذكرت الكثير من التجارب والأمثال وغيرها لكى تؤيد طرحك.. هل افترضت عدم تصديق القارئ فذكرت الحكايات كوسيلة للإقناع؟

- على العكس، أنا أحاول دائمًا أن أوصل المعلومة بأكثر من طريقة. هناك الطريقة المباشرة التى أذكر فيها المعلومة بشكل صريح، وهناك طرق أخرى مثل سرد الحكايات أو التجارب الشخصية أو استخدام الأمثال الشعبية، كل هذه الأساليب تهدف إلى توصيل المعلومات بأشكال مختلفة، حتى يتمكن القارئ من هضمها وفهمها بأبسط الطرق الممكنة. 

هذه الطرق ليست مجرد وسائل للتوصيل، بل هى أيضًا أدوات للاستدلال والتأكيد والتبسيط، لتسهيل وصول المعلومة رغم عمقها وتعقيدها. 

والمعرفة العلمية التى تحتويها الكتب قد تكون شديدة التعقيد، ولكن من خلال هذه الأساليب المتنوعة، أضمن أن تصل المعلومة إلى القارئ بشكل سهل وبسيط، دون أن تفقد قيمتها أو دقتها.

■ هل قصدت أن يناسب الكتاب مع كل الشرائح؟

- بالطبع، أنا أهتم بهذا الأمر جدًا، والحمد لله أرى نتائج إيجابية مع شرائح عمرية متنوعة تقرأ لى. هناك قراء أعمارهم ١٢ عامًا، وألتقى بهم فى حفلات التوقيع أو يرسلون لى عبر صفحاتى على وسائل التواصل الاجتماعى، يعبرون عن سعادتهم بفهمهم للكتب واستفادتهم منها. 

وفى الوقت نفسه، هناك قراء يصل عمرهم إلى السبعين عامًا، وهذا يؤكد أن العلم ليس له عمر محدد. 

■ أنت تطلب من القارئ أن يشغل أغنية على «يوتيوب» وتضع له رابط الأغنية.. هل هذا نوع من التفاعلية مثلًا؟

- فى الحقيقة، الموسيقى تمثل نوعًا من التفاعل العميق الذى يجعل القارئ أكثر استعدادًا لتلقى المعلومات، حيث تخلق حالة من الهدوء والانفتاح الذهنى. وهى لديها القدرة على فتح مستويات الوعى، وتعزيز الإبداع، وتسهيل استقبال الخبرات والتجارب والمعلومات بشكل مبسط وسلس. 

وهناك علاقة وثيقة بين الموسيقى والقدرة على الوصول إلى طبقات الوعى العميقة، فالموسيقى تعمل على توسيع الإدراك وتفتح الوعى تدريجيًا، ما يجعل المستمع أقرب إلى نفسه وإلى الكون والطبيعة من حوله. وتساعد فى تسهيل وصول المعلومات، وكأنها وسيلة مواصلات تنقل الأفكار والمفاهيم إلى عقل القارئ بسلاسة. 

■ فى فصل «الضوء الذى لا تراه» ذكرت أنه يمكن للكتاب أن يقع فى يديك فيحل لك أزمة.. ماذا تقصد؟ 

- هناك ظاهرة تُعرف باسم «ملاك المكتبة»، وهى ظاهرة تشير إلى إمكانية دخول شخص ما إلى مكتبة والبحث عن كتاب، فتقع عينه بشكل عشوائى على كتاب معين، وعندما يفتحه، يكتشف أنه جاء فى التوقيت المناسب تمامًا، حيث يجيب عن أسئلة عديدة كان يبحث عن إجابات لها، ورغم أن هذا يبدو صدفة، إلا أنها ليست كذلك؛ إنها صدفة ذات معنى. 

بعض الأحداث تتوافق مع بعضها البعض ومع عالمنا الداخلى، وكأن العالم الخارجى يتفاعل مع عالمنا الداخلى ليحدث شىء معين يكون له معنى، بحيث تصل الرسالة فى هذا التوقيت بالذات. 

هذا النوع من الأحداث يحدث لنا جميعًا كل يوم، لكننا غالبًا لا نلقى له بالًا، ومع ذلك، فإن الهدف من هذا الفصل هو فتح أعيننا على إمكانية حدوث مثل هذه الأمور، وأنها قد تكون رسائل ذات فوائد كبيرة إذا انتبهنا لها واعتبرناها جزءًا من حياتنا. 

قد نكون فى حالة مزاجية غير جيدة، وفجأة نسمع أغنية تعبر عما نشعر به، أو نحتاج إلى إجابة معينة، فنجدها تأتى إلينا بشكل غير متوقع، أو نبحث عن رسالة معينة، فتصل إلينا عبر موقف أو حدث عابر، كل هذه أمثلة للصدف ذات المعنى، التى تذكرنا بأن الكون قد يكون أكثر ترابطًا مما نتصور.

■ تحدثت كثيرًا عن العلاج النفسى المرتبط بالأحلام على طريقة فيلم «انسيبشن».. ما منظورك لتلك القضية؟

- موضوع الأحلام بحر واسع وعلم لا حدود له، حيث تتمتع الأحلام بوظائف متعددة وتفسيرات متنوعة، كما أوضحت بالتفصيل فى كتابى. 

ولكننى أعتقد أن أحد أهم التطورات المستقبلية فى هذا المجال، خاصة فى إطار تخصصى كمعالج نفسى، هى إمكانية إجراء جلسات العلاج النفسى خلال الأحلام. 

فى المستقبل، قد يأتى الطبيب المعالج بشكل مقصود ومرتب ومتفق عليه مع العميل، ليوصله رسائل محددة أثناء الحلم، تمامًا كما يحدث فى جلسات العلاج النفسى فى الواقع. 

وبالفعل، هناك تجارب حاليًا يتم فيها إقناع المرضى بأنهم قد يرون المعالج بالصدفة فى الحلم، حيث يمكن أن يقوم بتوصيل رسائل معينة لهم. ولكننى أتوقع أن هذا الأمر سيتطور ليصبح أكثر تنظيمًا، بحيث تكون هناك جلسات علاجية مقصودة ومتفق عليها مسبقًا بين العميل والمعالج، تتم خلال الأحلام. 

هذا النوع من العلاج قد يعتمد على تقنيات متقدمة تسمح بالتواصل المباشر مع العقل الباطن أثناء النوم، ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم النفس البشرية وعلاجها. 

■ قلت إن الحب يتغير طبقًا للحالة التى يمر بها الإنسان وإن الحواس تخدعنا.. كيف ذلك؟

- ليست هناك رؤية نهائية أو شكل محدد أو تعريف واحد للحب. رغم أننا أسأنا استخدام هذا المفهوم وتعريفه، وأطلقنا على أمور كثيرة اسم «حب» وهى ليست كذلك، مثل حب التملك أو حب السيطرة أو إساءة معاملة الآخرين أو إهانتهم، ووصفنا كل هذا خطأً بالحب، رغم أنه لا علاقة له بالحب من قريب أو بعيد. 

الحب مراحل ودرجات وسلم كبير لا نهاية له، وفى كتابى، ربطت الحب بالوعى والأحلام، وهذا مستوى جديد وعميق أطرحه لفهم الحب، أنا أرى أن الحب يتغير كل يوم، حتى لو كان مع نفس الشخص، ويمكن أن يختلف تعريفه وفهمه بناءً على درجة وعى الفرد ونموه وتطوره، وليس فقط بناءً على ثقافته أو تجاربه. لذلك، لا يوجد تعريف نهائى للحب على الإطلاق. 

والحب مفهوم ديناميكى يتطور مع تطور الإنسان، وكل مرحلة من مراحل الوعى تقدم رؤية جديدة له، وهذا ما يجعل الحب تجربة شخصية وفريدة، تختلف من فرد لآخر، ومن مرحلة لأخرى فى حياة الشخص نفسه.

■ نجم الكرة المصرى محمد صلاح نشر صورة لنفسه وهو يقرأ كتاب «الخروج عن النص».. كيف رأيت ذلك؟

- أنا واحد من بين ملايين المشجعين الذين يعشقون اللاعب الاستثنائى محمد صلاح، وشعرت بسعادة غامرة وفخر كبير عندما علمت أنه قرأ أحد كتبى وأشار إلى بعض فقراته على «ستورى» صفحته الشخصية. 

أنا حاليًا أقيم وأعمل فى ليفربول، ولا يمكنكم تخيل مدى حب الناس هنا، بل وفى جميع أنحاء إنجلترا، للاعب محمد صلاح. الحب يتجاوز «صلاح» نفسه، فهم يعشقون مصر ويكنون احترامًا كبيرًا لكل مصرى، ويعتبرون «مو» نموذجًا يُحتذى به.