الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مواجهات الباحث.. أحمد حسن: «جينات المصريين» تُكذب كل إدعاءات الـ«أفروسنتريك»

أحمد حسن
أحمد حسن

- بالعلم.. «المصريون القدماء أفارقة توالت عليهم غزوات أجنبية» إدعاء كاذب

- لم يُثبَت علميًا وتاريخيًا حدوث إحلال كامل لشعب مكان المصريين فى أى زمن

- المصرى القديم وضع قيودًا قانونية واجتماعية منعته من الزواج أو الاختلاط بالأجانب

- جائزة معرض الكتاب تقدير للجهد المبذول فى تأليف «جينات المصريين»

عن كتابه «جينات المصريين»، الصادر عن سلسلة «اقرأ العلمى» التابعة لدار «المعارف»، فاز الباحث أحمد حسن بجائزة «أفضل كتاب علمى»، فى الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، التى انقضت قبل أسابيع.

يسلط كتاب «جينات المصريين» الضوء على أهداف مشروع «الجينوم المصرى»، الذى يسعى إلى تعيين التسلسل الجينومى لدى 100 ألف مصرى من البالغين الأصحَّاء، ونحو 8 آلاف شخص ممَّن تحتمل إصابتهم بأمراض جينية، إضافة إلى 200 من المومياوات المصرية القديمة، فضلًا عن إنشاء أول قاعدة بيانات جينومية شاملة فى مصر وشمال إفريقيا.

ويتتبع الكتاب خريطة الأصول الجينية للمصريين، ويفند المزاعم غير العلمية التى تدور حولها الآن. كما يرصد، من خلال الخبراء والأبحاث الحديثة، كيف نشأت الأمراض الوراثية عند المصريين القدماء، وأهمية فهم طبيعة الأمراض التى تعرضوا لها وحالتهم الصحية، ما يعد إضافة علمية كبيرة، تنعكس على فهمنا الحضارة المصرية القديمة.

عن هذا الكتاب المهم، والأسباب التى دفعته لتأليفه، وفوزه بجائزة «أفضل كتاب علمى» فى معرض القاهرة الأخير، إلى جانب التحديات التى تواجه الكتابة العلمية ونشرها، وغيرها من القضايا الأخرى، يدور حوار «حرف» التالى مع الباحث أحمد حسن.

■ بداية ماذا تمثل لك جائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب؟

- دون شك تمثل تقديرًا مهمًا يحتاج إليه الكاتب، خاصة أن إنتاج الكتب العلمية المقدمة للجمهور العام يحتاج إلى بحث وجهد كبيرين، ويستهلك الكثير من الوقت، لتقديم المحتوى العلمى فى صورة مبسطة ومشوقة، دون الإخلال بمستوى الدقة والعمق المطلوبين لعرض الجوانب المتعددة لموضوعات الكتاب. لذا تأتى الجائزة مكافأة وتقديرًا لما بُذل من جهد فى تأليف الكتاب، بدءًا من اختيار موضوعه، وانتهاءً بما يطرحه من نقاشات لقضايا علمية تهم الجمهور العام.

■ ما الذى دفعك لتأليف كتاب «جينات المصريين»؟

- دفعتنى التطورات الثورية التى طرأت على علوم «البيولوجيا»، والتغييرات المنتظرة فى طرق تشخيص الأمراض والعلاج وابتكار وتصنيع الدواء، والانتقال من مرحلة «علاج واحد لكل المرضى»، إلى تصميم العلاج بما يتناسب مع التركيب الجينى لكل مريض على حدة، أو ما يعرف بـ«الطب الدقيق» أو «الطب الشخصى»، فضلًا عن إطلاق مصر مشروع «الجينوم المصرى المرجعى»، وبيان أهمية اللحاق بقطار «الثورة البيولوجية» الحديثة، وبيان تأثيراتها على حياتنا، ومدى الحاجة إلى التجاوب مع التحديات التقنية والثقافية التى تواجه هذا التغيير المرتقب.

■ كيف يمكن أن يسهم فهم الجينات فى الكشف عن تاريخ وحضارة الشعب المصرى؟

- يقدم لنا تحليل الحمض النووى القديم حلولًا ومعلومات جديدة لكشف الألغاز التاريخية لأصول السكان فى أى بلد، وربما تكون بمثابة تصحيح مهم أو مُكمِل للاستدلالات المستمَدة من المراجع التاريخية والأثرية القديمة والحديثة.

بفضل التطور التقنى الكبير فى هذا المجال، يمكن تكوين نظرة شاملة عن الطبيعة الجينية للمصرى القديم، إذ يساعدنا فهم تسلسل الحمض النووى على تحديد مدى الترابط الجينى، وبالتالى تحديد صلة النسب والقرابة الأسرية بين الأفراد، وتحديد الأمراض التى أصابت القدماء خلال حياتهم، بالتالى معرفة الكثير من الأسرار حول حياتهم فى تلك الحقب الزمنية البعيدة.

نستطيع القول إن فهم التسلسل الجينومى بمثابة حجر الزاوية لإحداث نقلة مهمة فى علم الآثار القائم على تقديم الأدلة العلمية، نظرًا لدوره المهم فى سد الثغرات المعرفية فى علوم «الأنثروبولوجيا» والآثار والتاريخ، وبقدر كبير من الدقة.

تكريم الباحث أحمد حسن بجائزة أفضل كتاب علمى فى معرض الكتاب الأخير

■ ما التحديات التى واجهتك أثناء البحث العلمى لكتابة الكتاب؟

- للتدفق المستمر للمصطلحات والمفاهيم العلمية الجديدة، والتى عادة ما تزداد تعقيدًا مع كل تقدم يحدث فى مسيرة العلم، وكذلك ندرة الدراسات العلمية الموثوقة المتعلقة بأصول المصريين الجينية، بالإضافة إلى ندرة الكتب الرصينة التى تناولت موضوعات تتعلق بموضوع كتابى «جينات المصريين».

■ كيف ترى تأثير الكتاب على القارئ غير المتخصص فى العلوم؟

- بون فهم طبيعة التقدم العلمى وتأثيره على جوانب حياتنا كافة، يكون من الصعب التعاطى والتجاوب معه بأفضل صورة ممكنة. يظل العلم أكثر الأدوات فاعلية لإحداث تغيير إيجابى فى حياة البشر، لذا نحن فى حاجة ماسة وضرورية للتجاوب معه والاستفادة من تطبيقاته، مع وضع الضوابط التشريعية والأخلاقية التى تحكم مساره، لتجنب آثاره السلبية والاستفادة من آثاره الايجابية.

والكتابة عن العلم بأسلوب مبسط يغلب عليه الأسلوب القصصى والحكى، وصبغه بصبغة إنسانية، مع تبسيط المصطلحات العلمية، وتقديم الأدلة العلمية المقنعة للقارئ بأسلوب واضح وشيق، كلها أمور ضرورية عند الكتابة للجمهور العام عن قضايا علمية قد تبدو معقدة.

■ كيف يرد كتاب «جينات المصريين» على إدعاءات الـ«أفروسنتريك»؟

- رغم انتشار مزاعم بعض المنتمين إلى «حركة المركزية الإفريقية» أو ما يعرف بـ الـ«أفروسنتريك» بأن «المصريين القدماء أفارقة توالت عليهم الغزوات الأجنبية من الإغريق والرومان والعرب ما غيّر من ديناميكية السكان»، والزعم الكاذب بـ«انقراض الأصل المصرى»، تأتى نتائج الدراسات الجينية الأخيرة لتثبت عكس ذلك، فلم يُثبَت، علميًا وتاريخيًا، أنه تمت عملية إحلال كامل لشعب مكان المصريين الموجودين على أرضهم، كما حدث مثلًا مع الهنود الحمر فى أمريكا أو لبعض الشعوب الأصلية لأمريكا اللاتينية، فهذا لم يحدث إطلاقًا.

وتقدم التطورات الحديثة فى دراسة الحمض النووى القديم فرصة مثيرة لاختبار الفهم الحالى للتاريخ المصرى باستخدام البيانات الوراثية القديمة. وفى هذا الإطار، يسعى مشروع «الجينوم المصرى» إلى دراسة ٢٠٠ من المومياوات المصرية لتحديد التسلسل الجينى لهم، ومن المتوقع أن يسهم ذلك فى تعزيز معرفتنا بأصولنا الجينية، والكشف عن الكثير من أسرار الحضارة المصرية القديمة.

■ ما أبرز النتائج التى توصلت إليها الدراسات الحديثة عن هذا الأمر وطرحتها فى الكتاب؟

- كشفت نتائج أبرز الدراسات التى أجريت حول جينات المصريين القدماء أن جينات المومياوات ظلت متسقة مع بعضها بشكلٍ ملحوظ، حتى بعد الغزوات الكبرى للإمبراطوريات الأجنبية، خلال تلك الحقب الزمنية القديمة، مع تغيرها بنسبة محدودة جدًا، ما يعنى أن السكان المصريين ظلوا لقرون غير متأثرين نسبيًا بالغزو الأجنبى، الأمر الذى جعل الباحثين يتكهنون بأنه ربما كانت هناك قواعد اجتماعية صارمة أو موانع قانونية عرفها المصرى القديم ومنعته من الزواج أو الاختلاط بالأجانب.

■ هل دار «المعارف» هى الناشر الأول الذى توجهت إليه بكتابك؟

- نعم، المبادرة جاءت من الصديق الدكتور أحمد سمير سعد، رئيس تحرير سلسلة «اقرأ العلمى» الصادرة عن دار «المعارف»، عندما سألنى إذا ما كانت لدىّ فكرة مُؤلَف علمى يمكن تقديمه للجمهور العام عن إحدى القضايا أو الموضوعات العلمية، فكان اقتراحى تأليف كتاب يتناول نتائج الأبحاث العلمية التى نُشرت فى دوريات علمية مرموقة عن جينات المصريين.

■ كيف تقيم حال الكتب- الكتابة العلمية فى العالم العربى؟

- أعتقد أن الكتب العلمية فى العالم العربى لا تحظى بالاهتمام الكافى على الرغم من أهميتها الشديدة فى التعريف بمخرجات الأبحاث العلمية التى تمس حياتنا بشكل مباشر. تخلق التطبيقات العلمية العديد من الفرص، وأيضًا العديد من التحديات، لذا نحتاج إلى رفع وعى الجمهور بالتطور السريع فى مجالات العلوم وتطبيقاتها التكنولوجية. على سبيل المثال، الذكاء الاصطناعى وتغير المناخ، وثورة البيولوجيا الحديثة موضوع هذا الكتاب، كلها أمور تنعكس بشكل مباشر على حياتنا اليومية.

فى المقابل، أزعم أن هناك حالة تعطش شديد لدى القراء، خاصة من جيل الشباب، إلى المؤلَفات العلمية المبسَطة والمكتوبة بأسلوب واضح وشيق، فعلى سبيل المثال، نفدت جميع نسخ سلسلة «اقرأ العلمى»، خلال المدة القصيرة لانعقاد معرض القاهرة الدولى فى نسخته الأخيرة، الأمر الذى يستدعى المزيد من الدعم والاهتمام بهذه النوعية المهمة من الكتب.

■ ما الصعوبات التى تواجه الكُتّاب العلميين فى العالم العربى؟

- أعتقد أن الفرص المتاحة للتأليف العلمى قليلة جدًا. كما أن التقدير المادى غير مشجِع، خاصة أن تأليف هذا النوع من الكتب يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وعناية فائقة عند تناول هذه القضايا، وهناك القليل جدًا من الأشخاص المؤهلين للتعاطى مع المفاهيم العلمية الحديثة والمعقدة.

بالتالى يحتاج هذا المجال إلى دعم من المؤسسات العامة وربما رجال الأعمال، فهناك حاجة ضرورية لإطلاق العديد من المسابقات التى تشجع على تأليف الكتاب العلمى المبسط للجمهور العام، وربما إطلاق البرامج التدريبية التى تسهم فى تأهيل الكتاب المهتمين بالتأليف عن العلوم.

الكتاب العلمى يدعم جهود العملية التعليمية، ويشجع الشباب على الالتحاق بالمجالات العلمية والتطبيقية التى تحتاج إليها المجتمعات الحديثة، ويسهم فى إدخال العديد من المصطلحات والمفاهيم العلمية الحديثة إلى اللغة العربية، ويكشف عن أهمية العلم وتطبيقاته فى حياتنا، ومدى الحاجة إلى وضع قواعده الضابطة، وربما سن التشريعات ووضع الأطر الأخلاقية للتجاوب الأمثل معها وتفادى أثارها السلبية والضارة. ولا ننسى أن القراءة عن المنهجية العلمية تعزز التفكير العلمى والناقد.

■ كيف يمكن تشجيع القراء على الاهتمام أكثر بهذه النوعية من الكُتّب؟

- هناك حاجة ماسة للدعاية والترويج للكتب العلمية فى وسائل الإعلام المختلفة، وزيادة معدلات البرامج التليفزيونية والإذاعية والمقالات التى تتناول هذه الكتب وتروج لها، إلى جانب إطلاق المسابقات التى تعزز من حظوظ التأليف العلمى، وإنتاج طبعات شعبية من هذه الكتب بأسعار معقولة. على الجانب الآخر، لا بد أن يتناول المؤلف العلمى موضوعات وقضايا تهم الناس وتجذب انتباههم للكتاب، وأن يكون الكتاب مكتوبًا بأسلوب واضح وشيق، يمزج ما بين المعلومات العلمية والقصص الإنسانية التى تبرز تأثير العلم فى حياتنا.

■ ما نصائحك للكتاب الشباب الذين يرغبون فى دخول مجال الكتابة العلمية؟

- القراءة المكثفة، والحرص على حضور المؤتمرات والفعاليات العلمية، والاحتكاك بالباحثين والعلماء، والإطلاع على الأبحاث العلمية الحديثة من مصادرها الموثوقة، والمشاركة فى البرامج التدريبية التى تساعد على اكتساب وتطوير مهارات الكتابة العلمية السليمة والواضحة، وامتلاك الأدوات التى تساعدهم على التمييز بين العلوم الحقيقية والزائفة، فكل هذا ضرورى لأى كاتب علمى.

■ هل تعتقد أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى يمكن أن تكون أدوات فعّالة لنشر الثقافة العلمية؟

- أكيد، وهو أمر واقع بالفعل، فهناك العديد من المنصات الإلكترونية التى تم إطلاقها من بعض المؤسسات الداعمة لنشر الثقافة العلمية، إلى جانب صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعى بمبادرات فردية. لكن التحدى الآن هو ضمان الاستدامة والاستمرارية.

عملت فى فترة من فترات حياتى كمدير تنفيذى فى إحدى شركات إنتاج المحتوى التعليمى، وأشرفت بنفسى على إنتاج برامج وكتب تعليمية مزودة بمقاطع للفيديو والصوت وأحيانًا الألعاب الإلكترونية، والتى تجعل المعلومة العلمية أكثر جاذبية وتشويقًا وأثيرًا. يمكن للكتب العلمية الموجهة للجمهور العام الاستفادة من هذه التقنيات فى تبسيط العلوم وتقديمها بشكل جذاب ومؤثر.

■ هل لديك مشاريع كتب علمية مقبلة؟

- أعكف الآن على تأليف كتاب عن «جينات العرب»، وآخر بعنوان «عوالم جديدة» يتناول رحلة المادة من «الفيمتوثانية» إلى «الأتوثانية»، وما تكشف عنه من اكتشافات وتطبيقات شديدة الأهمية والتأثير، مع تسليط الضوء على جهود بعض من أبرز العلماء المصريين والعرب فى هذه الرحلة، مثل أحمد زويل ومحمد ثروت حسن.

■ كيف ترى مستقبل الكتابة العلمية فى العالم العربى؟

- الكتابة العلمية ضرورية لأى مجتمع، وأرى أن الشباب العربى يتطلع إلى كتب علمية شيقة، تأخذ فى الاعتبار التأثير المستمر للتقدم العلمى على حياتنا نحن العرب، فالجمهور العربى يتطلع إلى منتج لتبسيط العلوم، لكن من منظور عربى محلى، وليس فقط من منظور عالمى. وأعتقد أن التطورات التكنولوجية والعلمية المتسارعة تعزز من حظوظ الكتاب العلمى، خاصة الكتب الإلكترونية التى تتوافق مع طبيعة العصر وتتناسب أكثر مع ذائقة الأجيال الجديدة.

■ ما طموحاتك المستقبلية ككاتب علمى؟

- أتطلع إلى التفرغ الكامل للتأليف والترجمة فى المرحلة المقبلة، وأتمنى أن أجد وسائل الدعم المعنوى والمادى التى تساعدنى على تحقيق هذا الهدف. لقد بدأت مسيرتى فى كتابة العلوم

عندما فزت بجائزة «عبدالله المبارك الصباح» لتبسيط العلوم عام 1995، وبفضل من الله فاز كتابى «جينات المصريين» بجائزة معرض القاهرة الدولى لعام 2025، ولعل هذه الإشارة تكون الحافز الذى يشجعنى على استكمال دورى في إثراء المكتبة العربية بالمزيد من المؤلفات التى تهم الجمهور العربى وتؤثر فيه.