الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

يعقوب صنوع.. الرجل الذى أثار الجدل حيًا وميتًا

يعقوب صنوع
يعقوب صنوع

يعقوب صنّوع رائد المسرح المصرى «١٨٣٩- ١٩١٢»، اختلف الناس حول حياته ويوم مولده وحول مسرحه، اختلفوا حتى حول نطق اسمه صنّوع بتشديد النون أو جيمس صنوا، وهذا ما ذكره عبدالله النديم فى كتابته عن اسم صنوع، فقد خالطه فى سبعينيات القرن التاسع عشر مسرحيًا وصحفيًا، ويذكر د. لويس عوض أن يهوديًا مصريًا، هو هارون الحداد، التقى به فى أمريكا عام ١٩٧٤ وكان يعرف أسرة صنوع فى باريس معرفة شخصية أكد اسم صنوا وليس صنوع، الذى قدم مسرحه فى مصر ما بين عامى ١٨٧٠ و١٨٧٢، وهاجر من مصر بعد خلافه مع الخديو إسماعيل، هذا الرجل الذى ولد لأسرة مصرية يهودية إيطالية، وضع البعض له تواريخ ميلاد مختلفة منها ١٥ أبريل، ١٩ فبراير ١٨٣٩، بل واختلف البعض حول عام مولده، أثار صنّوع الجدل حيًا وميتًا، وما زال الجدل محتدمًا حول هذه الشخصية، ورغم كل الخلافات والآراء المتباينة إلا أن جهوده فى ريادة المسرح المصرى أمر لا يمكن إنكاره. 

رائد المسرح المصرى 

على رأس مقبرة رائد المسرح المصرى يعقوب صنوع فى مونبرناس فى باريس مسلة مصرية صغيرة وصورة برونزية مستديرة تحت سعفة نخيل مع نقش محفور أسفل الصورة بعمره واسمه والأوسمة التى حصل عليه، وهو القبر الوحيد فى هذا الجزء الذى لا يحمل نعيًا بالعبرية، لكنه وضع على رأسه مسلة فرعونية فى إشارة لا تخلو من دلالة واضحة وقوية على حبه وإخلاصه لهذا الوطن، هذا ما يتعلق بموته، أما حياته فبذلها من أجل مصر مسرحيًا وصحفيًا ومقاومًا للاستبداد، عاش ومات يهوديًا على ديانة آبائه، بعد أن حفظ القرآن ودرس الإنجيل وعاش حياته يحترم الأديان الثلاثة، ولكن كانت مصر فى المقام الأول العقيدة والوطن، حيث كانت لصنوع جرأة يُحسد عليها فى الهجوم وخوض المعارك مع شخصيات قوية فى الدولة المصرية وقتذاك من رأس الدولة الخديو إسماعيل مرورًا بنوبار باشا وغيره من الكبار ووصولًا إلى أصغر موظف يمارس الظلم على المواطن المصرى، فلم ينجُ أحد من لسانه، فقد قام بتشخيص الجميع وفضحهم والسخرية منهم فى اللعبات التياترية، سواء المصورة والمنشورة فى الصحافة أو التى قدمها على خشبة المسرح. 

اللعبات التياترية

وما لا يمكن إنكاره أيضًا أن شخصيات يعقوب صنّوع، التى تدور حولها أعماله سواء الدراما الصحفية أو المسرحيات الصحفية المصورة المسماة اللعبات التياترية، مجموعة من الشخصيات التى يستعيرها من الواقع ويمنحها أسماء وصفات رمزية، فالخديو إسماعيل شيخ الحارة أو فرعون أو أبوالسباع صراحة كما كان إسماعيل يطلق على نفسه، ونوبار باشا أصبح غبار باشا، وروتشيلد المرابى اليهوى سلطان الكنوز، وقدمه فى لعبة خاصة يجب أن نتوقف أمامها كثيرًا، فهى تدل على وعيه ووطنيته، وحتى العائلة الخديوية لم تنج من لسانه ونقده، فالوالدة باشا «ممحونة هانم» وإحدى بناته خيالة هانم، بالإضافة إلى خلخال أغا وآخرين. 

ولذلك كان من الطبيعى أن تتعدد الأسباب التى أدت إلى إغلاق مسرحه، ليس فقط لخلافه مع الخديو إسماعيل بعد مسرحية «الدرتين»، حين استدعاه الخديوى متهكمًا وقال له «إن لم تكن فى صلابة العود بحيث ترضى أكثر من زوجة فلا ينبغى أن تثير نفور الآخرين»، بالإضافة إلى منادته بالحرية والعدالة فى مسرحية «الوطن والحرية» التى سخر فيها من فساد القصر وكشف النقاب عن مظالم شيخ الحارة، وهاجم الأفغانى رغم أنه كان من مريديه، وعلل رفضه للماسونية بأنه لا يستطيع الابتعاد عن السياسة، ففى شعارات الماسونية عدم التدخل فى السياسة والديانة، وهاجم على مبارك، رجل السلطة القوى فى تلك المرحلة، وقال إنه نهب الأطيان وخرب الجوامع.. وبشكل عام جاءت اللعبات التياترية التى قدمها صنوع انعكاسًا للحياة الاجتماعية والسياسية للمصريين فى ذلك الوقت، ليجسد من خلالها معاناة الفلاح واستغلاله وطغيان الحكام، وبل وتصدرت الأحداث التاريخية مثل الثورة المهدية أعماله، والأهم أنه حاول بشكل كبير الاستفادة من الظواهر المسرحية ومفردات التراث الشعبى المصرى، والحكاية التراثية الشهيرة «هز القحوف فى قصيدة أبى شادوف» نموذجًا فى لعبة «الواد المرق وأبوشادوف» و«القرداتى» و«بالوظة أغا وعدالته وجرسة إسماعيل» وغيرها، ليرسم صورة معبرة ليس فقط للفلاح المصرى معبرًا عن معاناته بل للواقع المصرى، بالإضافة إلى محاورات ونوادر ولاد البلد.

مقاومة مظاهر التخلف 

ما أقصده أن يعقوب صنوع كان مصريًا فى كل أحواله، أخذ على عاتقه مقاومة مظاهر التخلف والتصدى للظلم الاجتماعى الذى يتعرض له المواطن المصرى وقتذاك. والسواد الأعظم من اللعبات التياترية ينتهى نهاية ثورية بالانتقام من ظلم الحاكم. والقارئ لأعمال صنوع سوف يلاحظ تأثر الجيل التالى من الرواد أمثال أمين صدقى وبديع خيرى ومحمود تيمور وسواهم بأعماله وبالشخصيات المحورية فى اللعبات التياترية، الشخصيات التى استعارها من التراث الشعبى المصرى، والتى نقلها من الواقع فى تلك الفترة. 

وإذا كان الدكتور لويس عوض، فى دراسته الثرية والممتعة حول هذه الشخصية، وضع مجموعة من العناصر الثابتة التى تميز شخصية صنوع، منها بالإضافة إلى ريادته للمسرح المصرى فى العصر الحديث أنه كان داعية للحكم الدستورى والنظام النيابى، وأنه صاحب وطنية مصرية مشتعلة، إلا أنه وصفه بأنه شخصية «تياترال»، أى أنه يميل إلى المبالغة ويميل إلى سماع تصفيق الجمهور.. ومن الصعب تحديد أين ينتهى الحلم وأين تبدأ الحقيقة العامة فى حياته، وظنى أن هذه الصفة كان لها العامل الأكبر فى إثارة الجدل حول حياته وأعماله حتى يومنا هذا.